البث المباشر الراديو 9090
جو بايدن وشى جين بينج
تشهد الرقعة العالمية حربًا باردة جديدة واضحة المعالم بين أمريكا والصين، إلا أن معطيات هذه الحرب تبدو مغايرة تمامًا لما كانت عليه الحرب الباردة الشهيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، إذ أن الصراع هذه المرة مع شريك تجارى رئيسى وهو نفسه العدو الذى تستهدفه الحرب.

وفى صحيفة "واشنطن بوست"، يعقد الكاتب الصحفى ماكس بوت، المقارنة بين الحرب الباردة الأمريكية مع الصين حاليًا، ومع الاتحاد السوفيتى سابقًا، لافتًا إلى قانون الحمائية الذى وقعه الرئيس الأمريكى جو بايدن، وهو قانون ضد حلفاء الولايات المتحدة ممن تحتاج إليهم فى معاركها، سواء فى مواجهة الصين أو روسيا.

المشى على حبل رفيع

ويوضح ماكس بوت أنه "لم يكن للولايات المتحدة علاقة اقتصادية كبيرة مع الاتحاد السوفيتى، بينما بالمقابل، تعتبر الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الأمريكية، وأكبر مصدر لوارداتها فى 2020"، ما يجعل للحرب الباردة بين أمريكا والصين معطيات مغايرة.

وفى هذا الصدد، يشير كاتب "واشنطن بوست"، إلى أن مصنعًا واحدًا فى الصين يقوم بتصنيع نحو نصف هواتف الآيفون حول العالم، وعندما انتشرت المخاوف الأخيرة من تباطؤ النمو الصينى بسبب عمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا وموجة التظاهرات، واجه سوق الأسهم الأمريكية نفسه انخفاضًا حادًا، ما يحتم على أمريكا أن تسير على حبل رفيع فى تعاملها مع بكين أو محاولة إدارة حرب باردة معها.

الحرب التجارية بين أمريكا والصين

فشل سياسة الاحتواء

كما يذكر الكاتب الأمريكى بالحاجة إلى قطع إمدادات التكنولوجيا الأمريكية عن الجيش الصينى، لكنه يطالب إدارة بايدن بتأمين سلاسل الإمداد القطع الحيوية أولاً مثل أشباه الموصلات، تحسبًا لحرمان الأمريكان منها.

لن تستطيع الولايات المتحدة بناء جدار، ولو حتى جدار مجازى، بين الاقتصادين الأمريكى والصينى، إذ يتحتم على واشنطن الاستمرار فى التجارة مع الصين حتى فى عز التوترات وتصاعد الخلافات بين البلدين، وعلى إدارة بايدن أن تعرف كيف يتم إدارة التوازن الصحيح بين المواجهة والتعاون فى تعاملها مع الصين لأن المسألة أصعب بكثير من اتباع سياسة الاحتواء التى اتبعتها واشنطن من قبل مع الاتحاد السوفياتى.

ويؤكد ماكس بوت، أن إدارة بايدن فشلت فى إيجاد النهج الصحيح للتعامل مع الصين، إذ أخفقت فى التعاون والمواجهة، وزادت الطين بله بأمر ثالث، وهو خطأ الإجراءات بحق حلفاء أمريكا فى أوروبا.

أمريكا والصين

عودة تصنيع الرقائق.. خطوة ذكية

ويرى كاتب "واشنطن بوست"، أن أذكى خطوة اتخذها الكونجرس فى الصراع التنافسى مع الصين كان إقرار قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، والذى سيخصص 280 مليار دولار خلال العقد المقبل لزيادة التنافسية التكنولوجية الأمريكية، موضحًا أن أحد أهداف القانون الأساسية هى تعزيز الإنتاج المحلى لأشباه الموصلات.

وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، تصنع الولايات المتحدة 12% فقط من أشباه الموصلات العالمية، بعدما كانت تصنع 37% منها خلال حقبة التسعينات، مضيفًا أن يجب أن يساعد ذلك الأمر الولايات المتحدة فى اجتياز الأزمة المحتملة حول تايوان التى تمثل أكبر مصنع لأشباه الموصلات فى العالم، خصوصا بعد فوز المعارضة التايوانية المنحازة للصين ضد الولايات المتحدة.

الكونجرس الأمريكى

مقامرة خطيرة

كما أشار التقرير إلى ضوابط الصادرات التى صدقت عليها إدارة بايدن فى أكتوبر الماضى، والتى حظرت تصدير أحدث تقنيات صناعة الرقائق إلى الصين، مؤكدًا أن ذلك يمثل مقامرة أكبر وأخطر.

وأوضح أنه حتى لو كان الدافع وراء هذه الخطوة هو القلق من وصول التكنولوجيا الأمريكية المتطورة إلى أنظمة عسكرية صينية، فإن الأمر ينطبق على جميع المجالات، ولا توجد طريقة لمنع التكنولوجيا المدنية من استخدامها فى أغراض عسكرية.

وكان وزير خارجية سنغافورة وصف هذا القرار الأمريكى بأنه "إعلان كامل لحرب تكنولوجية"، وهى لغاية اللحظة حرب أحادية الجانب.

بايدن والرئيس الصينى

قرارات أغضبت حلفاء أمريكا

الحقيقة أن إدارة بايدن كانت تستهدف من وراء قرارها هذا إلى إعلان تحالف دولى للحد من وصول الصين إلى الرقائق الإلكترونية الأكثر تطوًرا، لكن الأمر طال لاعبين أساسيين فى تلك الصناعة من حلفاء أمريكا، ومن ضمنهم هولندا واليابان، لذا أبدت هذه الدول تحفظات جدية تجاه النهج الأمريكى الجديد.

 كما يشير تقرير "واشنطن بوست" إلى أنه فى حال لجأت واشنطن إلى سلاح العقوبات، فإن ذلك سيطلق آثارا عكسية ويؤدى إلى توترات دولية، ليس مع الصين وحدها، وإنما مع حلفاء أمريكا الآخرين.

ويتحسب الكاتب الأمريكى لردة الفعل الصينية، إذ ربما تسعى بكين لتطوير إمكانات تصنيعية خاصة بها للرقائق الدقيقة المتطورة بسرعة أكبر بكثير إذا حصلت على مساعدة من شركات أجنبية.

ويرى الكاتب أنه لجعل الحلفاء يقبلون بالضوابط الأمريكية، سيتعين على الرئيس الأمريكى فعل المزيد من أجل إقناعهم بأنه ينوى فقط الحد من التهديد العسكرى الصينى، لا صعودها الاقتصادى.

فشل الرسوم الأمريكية.. خسارة 245 ألف وظيفة

ويعترف تقرير "واشنطن بوست" بفشل ذريع للإجراءات الحمائية الأمريكية السابقة التى لجأ إليها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى 2018، عندما فرض رسوما تصل إلى 25% على قرابة ثلثى الواردات الأمريكية من الصين، والتى بلغت حينذاك، 335 مليار دولار.

ولم يتوقف الأمر عند فشل الرسوم الأمريكية على واردات الصين فحسب، وإنما أدت إلى التضخم على المستهلكين الأمريكيين، وخفضت الصادرات الزراعية، وفشلت فى زيادة الوظائف فى القطاع الصناعى، وتركت تأثيرًا ضئيلاً على العجز التجارى الأمريكى مع الصين، لدرجة أن إحدى الدراسات كشفت عن خسارة الأمريكيين لـ 245 ألف وظيفة.

ويشير الكاتب إلى أنه رغم هذه الخسائر، يرفض بايدن إلغاء الرسوم الجمركية التى فرضها سلفه ترامب، لمجرد أنه لا يريد أن يُنظر إليه داخل أمريكا على أنه شخص متساهل مع الصين.

الرئيس الأمريكى جو بايدن

حلفاء أمريكا غاضبون

ولم يتوقف بايدن عند هذا الحد من الخسائر والإجراءات الحمائية، إلا أنه وقع كذلك على قانون حمائى جديد يهمش الحلفاء أنفسهم، رغم حاجة الولايات المتحدة إلى حشدهم ضد الصين وروسيا.

وبحسب التقرير، يوفر قانون خفض التضخم الذى أقره بايدن، ائتمانًا ضريبيًا بقيمة 7500 دولار لشراء سيارات كهربائية تم جمعها فى أمريكا الشمالية، ما يثير غضب صانعى تلك السيارات فى كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا، لأنهم سيخسرون مبيعات نتيجة لذلك، وهى دول حليفة للولايات المتحدة.

والأرقام تؤكد أن 14 دولة من حلفاء الولايات المتحدة لا تعدل ميزان التجارة الصينى مع أمريكا، ورغم إجماع الحزبين  ـ الديمقراطى والجمهورى ـ فى الولايات المتحدة على ضرورة تقويض قوة الصين، إلا أن اجماعهما لا يستند إلى أساس واقعى قابل للتنفيذ.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز