البث المباشر الراديو 9090
وجدى الكومى
فى عام 2000 تخرج وجدى الكومى فى كلية الآثار جامعة القاهرة، ليعمل بالسياحة ثمانى سنوات، قبل أن يبدأ العمل بالصحافة عام 2009 محررًا بالقسم الثقافى بجريدة اليوم السابع.

كان وجدى يمارس الكتابة الإبداعية قبل التحاقه بالعمل الصحفى الذى يقول عنه: "لم يضيف إلىَّ شيئًا على مستوى الإبداع". ربما يقول ذلك لأنه نشر روايته الأولى "شديد البرودة ليلًا" عام 2008 فى دار العين للنشر قبل التحاقه بالصحافة، حيث تحمس لها الكاتب صنع الله إبراهيم حين عرضها وجدى عليه.

بعد ذلك، أنتج الكومى ثلاث روايات: "خنادق العذراوات"، و"الموت يشربها سادة"، و"إيقاع"، بالإضافة إلى مجموعتين قصصيتين: "سبع محاولات للقفز فوق السور"، ومجموعته الأخيرة: "شوارع السماء" التى صدرت عن دار الشروق فى يناير الماضى. هنا يتحدث وجدى عن "شوارع السماء"، ورواية "إيقاع"، وحبه للقصة القصيرة التى يراها أصعب من الرواية.

بدايةً: أنت تخرجت فى كلية الآثار عام 2000 وعملت بالسياحة لثمانى سنوات ثم تحولت إلى الصحافة.. لماذا؟

عملى بالصحافة جاء صدفة، لم يكن لدى طموح صحفى ولم أكن أعشق الصحافة مثلًا، ولكن الصدفة هى التى قادتنى لهذا الطريق، حيث تركت السياحة فى 2008 وبدأت أبحث عن عمل، وفى هذا الوقت كانت جريدة اليوم السابع تطلب محررين وبدأت العمل فى القسم الثقافى، ثم استغنت الجريدة عن المحررين الجدد إلى أن عدت مرة ثانية للجريدة التى لم أغادرها حتى الآن.

ألم تُفِدك الصحافة على مستوى الكتابة؟

لا، فأنا نشرت روايتى الأولى "شديد البرودة ليلًا" قبل عملى بالصحافة بعام كامل. تحديدًا فى 2008، ولهذه الرواية قصة: كنت قد انتهيت منها وأردت أن أعرضها على كاتب كبير ليبدى رأيًا فيها أو ليقدم لى نصيحة، وعرضتها على الأستاذ صنع الله إبراهيم ثم سافرت إلى عملى واتصلت به بعد شهر لأعرف إن كان قد قرأها، وهنا كانت المفاجأة، أنها أعجبته كثيرًا ويريد أن يتحدث معى بخصوصها، وبالفعل التقينا، وبفضله تواصلت مع الناشرة فاطمة البودى التى نشرت روايتى فى دار العين.

نبدأ بمجموعتك القصصية الأخيرة "شوارع السماء" التى تبدو قصصًا متفرقة لا رابط واضح بينها..

أنا أؤمن بضرورة وجود رابط ما أو خيط خفى بين القصص، لا أن تكون المجموعة مجرد تجميع لعدد من القصص فقط. التجربة هى الرابط بين قصص هذه المجموعة، وأقصد هنا تجربة كتابتها، حيث انتهيت منها فى عام واحد، وعلى الرغم من أن بعضها فانتازى وبعضها واقعى، إلا أنك تجد ثلاث قصص مثلًا مرتبطة ببعضها، وبطلها صحفى، وتجد ثلاث قصص أخرى تتحدث عن قضية التطرف ومواجهة الإرهاب. هذا هو ما وجدت أنه يمكن أن يكون رابطًا خفيًا بين القصص، وليس بالضرورة أن يكون الرابط واضحًا.

القصة الأولى فى المجموعة "قصة قصيرة كتبها أبى" بدت لى دخيلة على بقية القصص.. بها ذاتية واضحة وتخرج عن الجو العام للمجموعة..

هذه القصة كانت أول ما كتبت بعد انتهائى من رواية "إيقاع" وجاءت صدفة، حيث لم أخطط لكتابة قصص بعد الرواية. شعرت كأنها عتبة للدخول إلى العالم الذى تدور فيه أحداث "شوارع السماء". الصراع كان المحرك والحدث الأبرز، وهو ما أظن أنه موجود ومسيطر على كل القصص، ووجود هذه القصة فى بداية المجموعة كان مناسبًا، فى رأيى.

تحكى قصة "الرجل الذى يدخر البكاء" عن عجوز يجمع الدموع ويحتفظ بها فى مناديل. لماذا لم تجعلها "الرجل الذى يدخر الدموع"؟

فكرت فى ذلك بالفعل، غير أنى شعرت أن كلمة البكاء هى الأكثر حضورًا فى القصة، حيث يهيأ للإنسان أنه قويًا للدرجة التى لا يجب معها أن يبكى مطلقًا، بخلاف الدموع التى تسقط رغمًا عنا. كثيرون يرون أن البكاء ضعف، ولكنى أجد فيه راحة كبيرة وأعتبره من ضمن التيمات الرئيسة حتى فى الرسالات السماوية، وهذه الكلمة تحديدًا أكثر وقعًا وتأثيرًا من الدموع، ولذلك فضلت هذا الاسم.

فى رواية "خنادق العذراوات" وكذلك فى "إيقاع" تحضر منطقة بين السرايات كفضاء مكانى.. لماذا هذه المنطقة تحديدًا؟

اكتشفت أرضًا جديدة، وبدأ الاكتشاف فى "خنادق العذراوات" حيث مصنع الأهرام للمشروبات أو مصنع البيرة الموجود فى هذه المنطقة، واخترت هذا المصنع ليكون هو أساس الحكاية فى خنادق العذراوات، فكان طبيعيًا أن أكتب عن بين السرايات.

عندما انتهيت من الرواية ذهبت لأقابل عالم آثار ألمانى اسمه رالف وهو من أهديت إليه رواية "إيقاع". هذا العالم كان قد أعد دراسة عن مصنع البيرة ونشرها فى معهد الآثار الألمانى واستعنت بها أثناء الكتابة وذهبت إليه لأشكره. كان الرجل عارفًا بالمنطقة وجلس معى أربع ساعات كاملة يشرح لى تاريخ المنطقة بالتفصيل وأطلعنى على خرائط قديمة جدًا لمنطقة بين السرايات تعود إلى عام 1832. شعرت أن نافذة فتحت لى على الماضى وكان على أن أستغل الفرصة.

تملكنى شغف كبير بالكتابة عن هذه المنطقة فى إطار المعلومات الجديدة، وبعد أن امتلكت الوثائق التى تثبت ماضيها العريق وتوضح ما حدث لها خلال سنوات طويلة مضت، وكان أن بدأت العمل لكتابة "إيقاع".

فى "إيقاع" تجرى "شفق" وراء حلمها باستعادة بيت أهلها وجدودها، وفى المقابل تخسر حياتها وتدمر زوجها وتتخلى عن ديانتها المسيحية لتصبح مسلمة.. هل كان الحلم على مستوى التضحية؟

هناك من يتخيل أن حياته تكمن فى حلم لابد من تحقيق ولو جزء بسيط منه. الحياة بالنسبة له عبارة عن حلم. الحدث البارز فى الرواية هو أن تعرف شفق أن زوجة جدها الأكبر كانت خادمة للخديوى إسماعيل وأنجبت بنتًا وكتب الخديوى لها أرضًا لتكون ملكًا لها، وتحاول شفق هنا استعادة ماضيها وأملاك عائلتها. هناك أحلام عبثية لا يمكن أن تفكر فيها بمنطق، ولكن الحالم يكون على يقين بأن حلمه على وشك أن يقفز إلى أرض الواقع. يؤمن به ويثق فيه، ولا مجال لأن تجعله يتشكك فيه. للأحلام سطوتها رغم العبثية التى تبدو عليها، ولذلك لا يمكن أن نلوم شفق.

أنت تقدم "حمزة أبو النور" فى إيقاع باعتباره رمزًا لرجال الدين الذين يستخدمونه لتحقيق أغراض سياسية وأيضًا فى قصة "أرض الدمامل" تكرس لنفس الفكرة تقريبًا..

لم أقصد أن أجسد بحمزة شخصية رجل الدين لأهاجمه مثلًا. ببساطة، هو لم يكن رجل دين، ولكنه يمارس السياسة تحت غطاء الدين، الذى يستعمله كعباءة يمرر خلالها خطابه السياسى المؤدلج بشكل ما، وهو ما اهتممت بإبرازه فى شخصية حمزة، وقد أردت بها شخصية حقيقية معاصرة كى يكون قصدى واضحًا.

أما رجل الدين الذى يمارس الخطابة الدينية والوعظ بما يتماشى مع دوره فقط، دون التطرق لمواضيع سياسية، فلا مشكلة معه. هذا النموذج غير موجود فى إيقاع، التى تطرح رجلًا سياسيًا على قدر كبير من الانتهازية، يعبر إلى أهدافه عبر الغطاء الدينى.

أما فى قصة "أرض الدمامل" فكان رجال الدين ينصحون القائد. طبعًا كانت النصيحة بعد أن انهار كل شىء، وهم كانوا يبحثون عن خلاصهم فى الأساس. هناك فارق بين الاثنين، ولكن تبقى الانتهازية، وعدم الاكتفاء بالخطاب الدينى كغاية فى حد ذاته عاملًا مشتركًا بين هذا وذاك.

تكتب عن الديستوبيا كثيرًا وأراك مشغولًا بها إلى حد بعيد وقد قلت ذلك فى إحدى الندوات من قبل.. هل يمكن اعتبارها ملمحًا أساسيًا لمشروعك الإبداعى؟

أكتب عن الديستوبيا، ولكنها ليست مشروعى. ما أعتبره مشروعى الأساسى هو أن أكتب كل أشكال الرواية الحديثة وأختبر قدرتى على فعل ذلك، والغرض فى النهاية هو اللعب. ما يعنينى هو الفن ولا شىء آخر، ولا أهتم كثيرًا بالتصنيفات الأدبية. أقرأ مختلف أنواع الروايات وأذاكر كثيرًا وأفكر فى الأدب طوال الوقت. فكرت مثلًا فى رواية "انقطاعات الموت" لساراماجو وما يمكن أن يحدث لو كتبتها على الطريقة المصرية. ماذا لو انقطع الموت عندنا فى مصر؟ هذا ليس تقليدًا، بقدر ما هو رغبة فى التعلم طوال الوقت. نحن نتعلم ونحلم بأن نتخطى من سبقونا، لا أن نقف عند ما حققوا ونكتفى.

ولكن الديستوبيا موجودة فى بعض قصص "شوارع السماء" وواضحة جدًا فى "إيقاع"..

أنا لم أكتب إيقاع بهدف كشف عورات المجتمع مثلًا، أو البحث فى الواقع السيئ الذى نعيشه، بقدر ما سيطرت علىَّ رغبة فى الكتابة عن المسيحيين. فكرت لو أن إدوار الخراط كان حيًا وشهد ما جرى للأقباط خلال السنوات الأخيرة. ماذا كان سيكتب؟

الخراط عندى هو من أفضل من كتبوا عن الأقباط، فهو قد احتكر هذه المساحة، وكان ذلك تحدٍ بالنسبة لى، وقررت أن أخوضه، وأتمنى أن أكون قدمت شيئًا جيدًا.

قلت من قبل إن القصة القصيرة أصعب من الرواية.. هل يمكن أن نصف الكتابة بشكل عام بالسهولة أو الصعوبة؟

الكاتب الذى يمارس الكتابة فى النوعين يستطيع أن يعرف الفرق بينهما، وأنا أكتب الاثنين ولذلك أرى أن الرواية أسهل من القصة. ليست ميزة أن الرواية تحتاج لنفس طويل. هذا عيب يخص كتابتها، فى مقابل القصة القصيرة التى بالرغم من صعوبتها، فى تقديرى، إلا أنها تنتهى سريعًا. أنت تجلس لتكتب قصة وتستطيع الانتهاء منها، بخلاف الرواية طبعًا.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز


اقرأ ايضاً