البث المباشر الراديو 9090
تنظيم النسل
مسألة تحديد وتنظيم النسل مسألة استعصى حلها حتى الآن على الفقهاء، حيث نجد اختلافًا كبيرًا بين الفقهاء السابقين والحاليين فى تلك القضية التى تترنح بين الإباحة والتحريم والكراهة، وذلك على الرغم من إباحة الأزهر لها مقدمًا الدليل القاطع.

إحصائيات مرعبة

منذ أسابيع قليلة، أكد اللواء أبو بكر الجندى، رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء، خلال مؤتمر صحفى عقده بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن عدد سكان مصر فى الداخل والخارج وصل إلى 103 ملايين مواطن منهم 94 مليون فى الداخل و9 ملايين فى الخارج، لافتًا إلى أنه خلال الـ 10 سنوات الأخيرة ارتفع سكان مصر إلى 22 مليون نسمة.

وسبق وأن أعلنت وزارة الصحة على لسان وزيرها أحمد عماد الدين، عن مبادرة تسمى "تنمية بلدنا فى تنظيم أسرتنا"، والتى تستهدف الحد من الزيادة السكانية، وخفض عدد المواليد، بما يضمن رفع معدلات التنمية.

وفى المقابل بادرت وزارة التضامن الاجتماعى، بقيادة الوزيرة الدكتورة غادة والى، بتدشين مبادرة "كفاية 2"، والتى تستهدف مليون و3 آلاف سيدة فى 6 محافظات تعد الأكثر خصوبة والأشد فقرًا، وهى "البحيرة، والجيزة، والفيوم، وبنى سويف، والمنيا، وأسيوط".

"مبتدا" من جانبه، سأل عددًا من أصحاب التيارات المختلفة حول موقفهم من مبادرة "التضامن"، حيث اختلفت آراؤهم كالعادة بين تحريم سلفى وإباحة أزهرية.

برهامى.. «تحريم» كالعادة

فى المقام الأول تدخل الدولة والوزرات والهيئات التى تتبنى مبادرات لتحديد وتنظيم النسل فى معركة شرسة مع رموز الدعوة السلفية، والفكر السلفى المتشدد، خصوصًا وأن مشايخ السلفية تحرص على نشر سيل من الفتاوى المتشددة الخاصة بهم والتى تحرِّم أى مبادرة لتنظيم النسل مستندين إلى آراء فقهية متشددة.

وكعادته، أفتى ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأن تحديد أو تنظيم النسل أمر مكروه شرعًا، مؤكدًا خلال رده على سؤال ورد على موقع يسمى "أنا السلفى" وهو الوجهة الإعلامية للدعوة السلفية مفاده، هل يجوز للزوج وزوجته الاتفاق على تحديد النسل، فينجبان ولدًا وبنتًا فقط، ولا يزيدان عليهما بغير خوف الفقر، ولكن لأجل التمكن من حسن التربية والتفرغ لهما؟

فأجاب برهامى: "يُكره لهما ذلك، وليس فى قلة النسل بالضرورة تفرغ للتربية، وأما التحريم فلا، إلا مع فساد الاعتقاد كخوف الفقر".

ووصف سعيد عبد العظيم، القيادى بالدعوة السلفية والهارب إلى تركيا عقب نشوب ثورة الـ30 من يونيو، بأن تنظيم النسل جريمة تخالف الشرع، على حد قوله، كما سجل عديد من مشايخ السلفية عديدًا من الآراء التى تفيد بتحريم أية مبادرات لتحديد وتنظيم النسل.

الأزهر.. وسطية تتصدى للسلفية

من جانبه، قال الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن مسألة تنظيم النسل لا شىء ولا حرج فيها، والدليل على مشروعيتها وفقًا لنصوص الشريعة والسنة النبوية الشريفة، أن المولى عز وجل قال فى كتابه الكريم فى سورة البقرة "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة".

وفسر، فى تصريحاتٍ خاصة لـ"مبتدا"، الآية بالتأكيد على أنه خلال هذين الحولين لا يجوز للمرأة أن تحمل حتى لا تقتل ابنها الرضيع، وذلك يسمى وفقًا للشريعة بقتل "الغيلة" فإذ حملت قبل الحولين فإن الجنين يتعرض للخطر وكذلك المولود.

وأكد محمود مهنى، أن الشرع نهى أن ترضع المرأة وتحمل معًا، مشددًا على أنه ورد عن الصحابة قولهم: "كنا نعزل والقرآن ينزل ولم ينهنا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك"، فالعزل معناه أن الإنسان عندما يعاشر زوجته لا يقذف بمائه فى موضع الحمل.

«التنظيم».. مقصد شرعى

فى السياق ذاته، أكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الأصل ما روى عن الإمام مسلم فى صحيحه، أن عددًا من العباد كانوا يعزلون فى عهد النبى عليه السلام والقرآن ينزل ولم ينههم النبى عن ذلك عن ذلك، مفسرًا الحديث بأن بعضًا من الناس كانوا يلجؤون إلى عدم الإنجاب عن طريق العزل، الأمر الذى يبرهن على أن تنظيم النسل من مقاصد الشريعة.

وأوضح كريمة، فى تصريحاتٍ خاصة لـ"مبتدا"، أن العملية مشروعة شريطة ألا تكون من باب الخوف من الرزق بل لابد وأن تكون من باب حرص الأسر على تربية أولادهم بشكل أفضل من الناحية التعليمية والاجتماعية، مؤكدًا أن الأحكام الشرعية تُبنى على فقه المصالح، وأن ما تمر به البلاد يتطلب تنظيم النسل.

وتابع: "يتعين أن يكون تحديد أو تنظيم النسل وفقًا للتوعية المجتمعية وأن تلعب منظمات المجتمع المدنى دورًا حيويًا فى إقناع الأسر بضرورة تنظيم النسل، وكذلك رجال الدين بالتأكيد على أن التنظيم فيه مصلحة للعباد وليس بقانون يجرم ذلك، فالتجريم خطأ، خصوصًا وأن تنظيم النسل يختلف من محافظة إلى أخرى فالوضع يختلف فى محافظة الوادى الجديد التى تشهد قلة فى السكان وعن القاهرة والجيزة التى تكتظ بالسكان".

لا دليل على التحريم

من جانبها، قالت الدكتورة فتحية الحنفى، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن حفظ النسل مقصد ضرورى من مقاصد الشريعة الإسلامية منذ عهد النبى، صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، مشددة على أنه لا يوجد نص صريح يحرم الإقلال من النسل أو منعه، ولكن ورد فى السنة الشريفة ما يجيز العزل عن النساء، منها ما رواه جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه أنه قال: "كنا نعزل على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك فلم ينهنا".

وأضافت، فى تصريحاتٍ خاصة لـ"مبتدا": "اختلف الفقهاء فى حكم العزل كوسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهته، فمنهم من أباح العزل بكل حال ومنهم من حرمه، ومنهم من قال يحل برضاء الزوجة"، مؤكدة أن إباحة تنظيم النسل أمرًا لا تأباه نصوص السنة الشريفة قياسًا على العزل الذى كان معمول به وكان جائزًا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتابعت: "هناك فرق بين تحديد النسل وتنظيم النسل، فالأول محرم لأنه لا يصح شرعًا وضع قوانين تجبر الناس على تحديد النسل بأى وجه من الوجوه، أما تنظيم النسل فجائز إذا كانت هناك ضرورة تحتم تنظيم النسل فللزوجين أن يتصرف طبقًا لما تقضيه الضرورة".

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز


اقرأ ايضاً



آخر الأخبار