البث المباشر الراديو 9090
صحيفة نيويورك تايمز
لا نستطيع أن نفصل بين التقرير الذى نشرته الصحيفة الأمريكية ذائعة الصيت بخصوص ما زعمت أنه تسجيل يحتوى على توجيه من ضابط بجهة سيادية لشخصيات إعلامية وفنية بخصوص قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنقل سفارة واشنطن إلى القدس.

وبين أمور خمسة نجملها أولا فى علاقة الصحيفة برئيس الولايات المتحدة، وفى الموقف المصرى الرسمى من القرار، وفى مهنية المراسل كاتب التقرير، وكذلك فى تأثير الشخصيات التى أشار إليها التقرير، وأخيرًا إلى تسريب المكالمات من قناة تابعة للإخوان.

أما عن الأمر الأول وهو علاقة الصحيفة برئيس البيت الأبيض، فمعروف منذ الانتخابات الأمريكية أن الصحيفة الشهيرة كانت تساند منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، وكانت تتخذ موقفًا مضادًا بشدة من ترامب، واستمر هذا الأمر حتى بعد تولى ترامب زمام الأمور فى بعض المواقف، ما دعا الرئيس الأمريكى لمهاجمتهم أكثر من مرة.

ومن المنطقى أن تستمر الصحيفة الشهيرة فى معاداتها لترامب، ولو على حساب دولة أخرى ذات سيادة كمصر، بإظهار ما زعمت أنه محاولة النظام المصرى تمرير القرار بأوامر عليا.

الأمر الثانى الذى لا نستطيع إغفاله فى الحديث عن الأمر هو الموقف الرسمى المصرى من قرار ترامب، حيث قادت مصر المجموعة العربية فى مجلس الأمن من أجل تمرير مشروع قرار لإدانة أى خطوات من شأنها إفشال عملية السلام بالشرق الأوسط، فى تلميح ضمنى لقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، وهو ما ينسف محتوى ما زعمته الصحيفة من الأساس.

مهنية مراسل الصحيفة، ديفيد كيركباتريك، هو الأمر الثالث.. فالرجل هو صاحب خبر وجود وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى فى السعودية، فبغض النظر عن صحة التسريبات أو عدم صحتها فإن بعض المراسلين الأجانب الموجودين فى مصر، يعتمدون على متطوعين فى الحصول على الأخبار، وفى الغالب يكون هؤلاء المتطوعين بعيدين كل البعد عن دوائر صنع القرار، بل يكون أغلبهم شباب يجلس على المقاهى، ويتداول أخبارًا لا أساس لها من الصحة، ولا مصدر واضح لها.

ربما يكون كيركباتريك مظلومًا، فقد يكون حصل على التسجيلات من شخص محترف فى صنع الشرائط الصوتية، لكن ما فعله ولاشك بعيدًا عن المهنية، فهو لم يتحقق ولم يتحرى، بل ما ساقه مختلف كل الاختلاف عما يجرى فى الواقع، ويبين مدى انفصال المراسل الأمريكى للصحيفة الكبيرة عن المجتمع المصرى.

رابع الأمور التى لابد من مناقشتها هو مدى تأثير الشخصيات المذكورة بالتقرير فى الشارع المصرى، فلا الإعلاميين المذكورين فيه لهم الجمهور الكبير الذى يستمع إليهم، بل أن منهم من ليس له منبرًا إعلاميًا فى الأساس، ومنهم من هو موقوف ظهوره فى الإعلام، أما الفنانة الشهيرة ورغم جماهيريتها الكبيرة، إلا أنها ليست من الشخصيات المؤثرة فى المشهد الفنى بالأساس.

وأخيرًا، فقد تساءل الكثيرون عن التسريب نفسه، وعن الحكمة فى عدم إذاعته من قِبل الصحيفة الأمريكية، إلا أن يوم نشر التقرير لم ينته إلا بمفاجأة من العيار الثقيل، عندما أذاعت قناة فضائية إخوانية التسريبات كلها، وهو ما يؤكد أن ثمة علاقة تعاون بين المراسل ديفيد كيركباتريك أو الصحيفة نفسها، وبين القناة الإخوانية، فقد تكون هى صاحبة أو مفبركة التسريبات، وقد تكون حصلت عليها حصريًا منه.

الأمور الخمسة المذكورة تضرب مهنية الصحيفة فى مقتل، لكن السؤال يظل مستمرًا، وهو كيف لمؤسسة إعلامية عريقة وكبيرة كـ"نيويورك تايمز" يعمل فيها الآلاف على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، وتقع فى فخ عدم المهنية بهذا الشكل؟. السؤال ولاشك يحتاج إلى إجابة من المسؤولين عن الصحيفة.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز