الملاحات
وكان الملح رغم رخص ثمنه سببًا فى حروب بين حضارات سابقة، وتتمتع مصر بشواطئ طويلة على البحرين الأحمر والمتوسط، وعرف الملح المصرى بجودته وخلوه من الشوائب، ورغم ذلك نشبت أزمة مؤخرًا بين أعضاء البرلمان وعدد من المسؤولين حول المتسبب فى تراجع إنتاج مصر من الملح.
ورغم أن شركة الملاحات ضمن أكبر الكيانات فى الشرق الأوسط، فإنها باتت فى حاجة ملحة إلى تحديث وتطوير، بحسب ما قاله بعزق رفاعى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالمناجم والمحاجر، إذ طالب بضرورة إنشاء ملاحات جديدة فى شركة المكس للملاحات بفرعيها "الإسكندرية وبورسعيد"، نظرًا لتقادم الآلات واحتمال تعرضها للتوقف عن العمل، وفى هذه الحالة سنضطر لاستيراد الملح.
ونبّه رفاعى إلى أن الملاحة لا تنتج الملح إلا بعد مرور 5 سنوات على الأقل على إنشائها، موضحًا أنه لا يمكن اللجوء إلى الملح الصخرى المستخرج من الجبال لصعوبة إنتاجه وارتفاع تكلفة تنقيته من الشوائب.
واقترح رفاعى إضافة مساحات جديدة للشركة بجوار الطريق الساحلى الدولى بكفر الشيخ، مؤكدًا أنها الأنسب لإنشاء ملاحات حيث لا توجد مساحات شاغرة بجوار فرعى الشركة الحاليين لاستغلالها بسبب الزحف العمرانى نحو الشركة التى أصبحت فى حالة اختناق.
وأكد رئيس النقابة أنه فى حالة عدم البدء فى إنشاء ملاحات جديدة فى الفترة الحالية فستضطر الدولة لاستيراد الملح الأمر الذى له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد القومى.
وقال الكيميائى الدكتور أسامة عبدالعزيز، العضو المنتدب لشركة المكس للملاحات، إن مصر تمتلك كبرى شركات الملاحات بالشرق الأوسط ملاحة المكس بالإسكندرية وملاحة بورسعيد وملاحة سبيكة بشمال سيناء.
وتابع عبدالعزيز: "لكن طلبات التصدير زادت فى الآونة الأخيرة وهذا شىء حيوى تشجعه الدولة وله انعكاسات إيجابية كبيرة لكن المشكلة فى التوسعات الصناعية الكبرى ودخول العديد من التوكيلات التجارية لشركات كبرى للاستثمار الصناعى بمصر الأمر الذى زاد الكميات والطلبيات الكبيرة فى الملح وهذا يحتاج لملاحات جديدة".
وأوضح عبدالعزيز أن شركات قطاع الأعمال العام "المكس والنصر للملاحات" تستحوذ على 75% من إنتاج الملح بمصر، وإقبال القطاع الخاص للاستثمار فى صناعة الملح ضعيف للغاية فمن يغامر بدفع حوالى 300 مليون جنيه تكلفة إنشاء ملاحة، يبدأ إنتاجها بعد 5 أو 6 سنوات.
وقال إن الملاحات الشمسية بوضعها الحالى معرضة للتوقف خلال 5 سنوات لقدمها وطول فترة تشغيلها، وأن شركة المكس بها كوادر بشرية من جيولوجيين ومهندسين يستطيعون إنشاء ملاحة شمسية جديدة معتمدين على أنفسهم دون اللجوء لأى خبرة أجنبية، والشركة القابضة تستطيع تمويل الإنشاء من 250 إلى 300 مليون جنيه من صندوق تمويل المشروعات التابع لها، لكن العقبة فى تعنت المحافظين مع شركة المكس.
وأضاف العضو المنتدب لشركة المكس للملاحات أن أفضل الأماكن المقترحة لإنشاء ملاحات شمسية جديدة هو الطريق الساحلى بمحافظة دمياط أو شرق التفريعة ببورسعيد أو كفر الشيخ.
وأكد أنه إذا لم يتم البدء فى إنشاء ملاحات جديدة فستكون مصر على أبواب أزمة للصناعات الكيميائية والغذائية لأن فتح باب الاستيراد للملح يعد كارثة، لافتا إلى أن شركة مصر للكيماويات تستخدم يوميا كميات كبيرة من الملح تدخله فى عمليات تحليل كيميائية معقدة للغاية تعقبه بالكلور لتنقية المياه ولو توقف إمداد الشركة بالملح يومًا واحدًا سيشرب الشعب مياها ملوثة.
وقال عبداللطيف الكردى العضو المنتدب لشركة المصرية للأملاح والمعادن "أميسال"، إن الشركة تنتج 150 ألف طن ملح سنويًّا وتغطى نحو 50% من ملح الطعام الموجود بالأسواق، كما تصدر "أميسال" حوالى 15% من إنتاجها 14 نوعا من ملح الطعام، مضيفا أن عدم إنشاء ملاحات جديدة يشكل خطورة شديدة على صناعات عديدة ينتظرها الشلل التام إذا لم يصلها الملح بانتظام، كما أن الاستثمار فى الملاحات من أكبر المشاريع ذات العائد القومى أما عدم إنشاء ملاحات جديدة فيصيب الدولة بخلل فى سلعة استراتيجية اشتهرت بها البلاد منذ عصور قديمة.
النائبة أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب، تفاعلت مع الأزمة بشكل سريع من خلال تقديمها بيانا عاجلا للبرلمان عن أزمة شركات إنتاج ملح الطعام، خصوصا أن مصر تتمتع بشواطئ طويلة على البحرين الأحمر والمتوسط ما يتيح إنتاج الملح دون الحاجة إلى الاستيراد.
وتابعت حسونة فى بيانها: "لكن ما يحدث غير ذلك، فالحقيقة الصادمة والتى أعلنتها غرفة التعدين أن واردات مصر من ملح كلوريد الصوديوم خلال الفترة من 2014 - 2016 وصل إلى 3.7 مليار دولار، وذلك فى الوقت الذى من المفترض أن تكون فيه مصر دولة مصدرة فى تلك الصناعة".
وأوضحت حسونة أن الغرفة أعلنت أن إنتاج مصر يمثل 2% من الإنتاج العالمى لكلوريد الصوديوم، فإنتاجنا حوالى 4.8 مليون طن، فى حين أن الإنتاج العالمى يصل إلى 255 مليون طن، كما أن ترتيب مصر وصل للمستوى الـ13 بالقائمة التى تعتليها الصين والولايات المتحدة وتنتجان حوالى ثلث إنتاج العالم.
وأكملت حسونة: "مصر كانت قبل سنتين تصدر أكثر من 800 ألف طن تقريبا فى حدود 10 دولارات للطن وهذه مهزلة شديدة، وإذا أنشأت الدولة الملاحات الشمسية ستبيع الطن بـ100 دولار"، مشيرة إلى أن أمريكا وأوروبا تعتمد بشكل كبير على الملح المصرى فى إزالة الثلوج، وهذا يستلزم إنتاج ملح تتم معالجته صناعيًا إلى درجة النقاء المطلوبة غذائيًّا وصناعيًّا".
جمال القليوبى، أستاذ البترول والطاقة ورئيس مركز المستقبل للدراسات السياسية والاقتصادية، قال إنه بحسب قانون رقم 198 لسنة 2014 فإن البحث والاستغلال لخامات المناجم والمحاجر والملاحات من اختصاص المحافظين، مؤكدا أن مديريات التسويق فى المحافظات ليس لديها القدرة الكافية لتسويق الملاحات لحسن استغلالها، لافتا إلى أن نظام عمل الملاحات يعتمد على تأجيرها للشركات التى لديها القدرة والإمكانيات الكافية لإنتاج الأملاح بكل أنواعها، لا سيما ملح الطعام "كلوريد الصوديوم".
وأوضح القليوبى أن القوة الاستثمارية للملاحات والقدرة على تعديل الملاحات المضافة غير كافية على الإطلاق بالرغم من وجود مناطق مفتوحة، مشيرًا إلى وجود أكثر من 1200 كم بالصحراء الشرقية ومعظم المناطق الساحلية المواجه للبحر المتوسط، مشيرًا إلى ضعف الإمكانيات الاستثمارية الخاصة بشركات الملاحات سواء خاصة أو شركات قطاع عام.
ونفى الدكتور تامر أبوبكر، رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات المصرية، ما نشر حول استيراد مصر لـ"ملح الطعام"، موضحًا أن مصر تنتج العديد من الأملاح تصدر إنتاجها لدول شرق أوروبا، مؤكدا أن نسبة استخدام مصر من ملح الطعام لا تتجاوز 4% من منتجات الأملاح التى تصدرها مصر.
وأضاف رئيس غرفة البترول أن ما تستورده مصر هى منتجات نهائية يدخل ضمن تكوينها الملح، مؤكدًا أن مصر لا تستورد أملاحًا بل تصدرها.
وأوضح أبوبكر أن هناك أنواعًا كثيرة من الملح تنتجها مصر، منها الملح الصناعى وهو الذى تستخدمه بعض الدول لإذابة الجليد، مشيرًا إلى أن مصر تصدر الأملاح لدول شرق أوروبا.
وقال الدكتور رمضان أبوالعلا، نائب رئيس جامعة الإسكندرية، وخبير البترول الدولى، إن مصر تمتلك العديد من البحيرات وشواطئ البحار التى تساعدها على إنتاج أنواع كثير من الأملاح وخصوصا "ملح الطعام"، مؤكدًا استحالة استيراد مصر لـ"ملح الطعام"، خصوصًا أنها تمتلك أكبر الشركات المنتجة للملح فى الشرق الأوسط بأنواعه العديدة.
وتابع أبو العلا: "شركات مصر المنتجة للأملاح مثل شركة الملح والصودا بالإسكندرية التابعة لقطاع الأعمال العام تنتج احتياجات مصر من الأملاح، مشيرًا إلى أن باقى الإنتاج يتم تصديره للخارج، موضحا أن ما تستورده مصر من الأملاح هى بعض الأملاح عالية النقاء التى تدخل فى بعض الصناعات مثل صناعة الأدوية.