داعش
وعليه كان الضرب بيد من حديد على من يسقط متورطًا فى محاولة فرار من نار التنظيم المترنح.
ويبرز الفيديو الدموى الذى بثته مواقع إلكترونية تابعة للدواعش فى فضاء الإنترنت، ويظهر عملية إعدام منشق عن التنظيم، جراء اتهامه بالتعاون مع حركة حماس وتهريب سلاح وعتاد لها، كنموذج لمحاولات أخيرة من جانب "الولاية" لإيقاف مسلسل الانشقاقات المتصاعد بين صفوفها.
الفيديو تضمن تهديدًا واضحًا للحركة الفلسطينية، جنبًا إلى جنب توعد المنشقين عن التنظيم بالقتل.
ظهر فى الفيديو شخص تم تعريفه، باعتباره القاضى الشرعى للتنظيم، حيث تلا حكمًا بالإعدام على أحد عناصر التنظيم من الغزاوية.
القاضى الشرعى قال نصًا: "اليوم سننفذ حكم الإعدام على أحد المرتدين لتهريبه سلاح لكتائب عز الدين القسام وعشرات الأفراد من منطقة العريش لقطاع غزة".
بعدها باغت الفيديو الجميع، حينما أظهر شابًا عُرف فيما بعد أنه نجل قيادى بارز فى حماس أيضًا انضم حديثًا لصفوف داعش سيناء، صوب فوهة مسدسه تجاه رأس المتهم بالانشقاق والخيانة بالتعاون مع حماس، قبل أنم يريده قتيلًا بهدوء شديد.
وعمومًا يعانى داعش فى مختلف ولايته وأفرعه، فى سوريا والعراق وليبيا والمغرب العربى وحتى بمصر والجزيرة العربية، لموجات لا تنتهى من الانشقاقات على إثر انهيار التنظيم على مختلف الجبهات.
شرعيون كبار ومقاتلون أجانب وعرب واستراتيجيون يفرون من جحيم التنظيم، أو إن تحرينا الدقة يقفزون من سفينته التى توشك على الغرق نهائيًا.
ويتعامل داعش بعنف شديد مع كل محاولة انشقاق، معتبرًا الخروج عليه نوعًا من الردة والكفر لا يكفر عنها إلى قتل صاحبها بأبشع الطرق الممكنة.
ويتفنن التنظيم فى مختلف أفرعه فى عمليات القتل الموجهة للمنشقين، وفى هذا الإطار قالت صحيفة ديلى ميل البريطانية فى تقرير شهير لها، نشرته قبل أشهر، أن داعش وتحديدًا فى مناطق خلافته المزعومة بسوريا والعراق أضاف إلى جانب الحرق والذبح والإغراق أسلوب "الكلاب الجائعة والمتوحشة" من أجل إعدام "المنشقين والخونة" فى صفوفه، وردع من تسول له نفسه محاولة الهرب من براثن التنظيم.
وفق الصحيفة، لا يتردد التنظيم فى العمل على تقديم أجساد المنشقين والباحثين عن طريق للهرب، كوجبات طعام لكلاب جائعة تنهش بنهم وفظاعة متناهية أجسادهم قطعة فقطعة، حسب ما نقلت روسيا اليوم فى ترجمتها لأجزاء من التقرير.
وبالنسبة للحالة المصرية، وفى حقيقية الأمر، لا تحدث انشقاقات كبرى أو مؤثرة وملموسة فى ولاية سيناء الداعشية، الاسم الأكثر رواجًا لتنظيم أنصار بيت المقدس، الذى يستوطن شبه الجزيرة، فيما أنه يدين بالولاء والبيعة للخليفة المزعوم، أبو بكر البغدادى.
ما يجرى واقعيًا أن التنظيم ينهار بشكل ممنهج، تارة على يد الأمن وضرباته العسكرية المتواصلة والمركزة والمتطورة، وتارة أخرى بيده عبر إصراره على تعديد واجهات العداوة ضده، من قبائل كالترابين، وتنظيمات منافسة تدين بالولاء للقاعدة، كجند الإسلام، أو عبر استعداء المنشقين عنه.
الانشقاق الأضخم كان فى التأسيس، أو إن تحرينا الدقة، فى التحول من كيان سلفى جهادى إلى منصة داعشية دموية.
فى نوفمبر 2014، تحلل ضابط الصاعقة المفصول، هشام عشماوى ورجاله من بيعة التنظيم، على خلفية مبايعة الأخير نفسه لداعش، وتحوله إلى ولاية سيناء.
بالتوازى مع ذلك رفضت بعض الجماعات والخلايا التى كانت تعمل تحت مظلة أو بالتنسيق مع أنصار بيت المقدس، السير فى ركابه الداعشية الجديدة، من تلك الجماعات "جند الإسلام".
ولمن لا يعرف، وحسب الباحث فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، محمد جمعة، فإنه من أبرز نتائج بيعة "أنصار بيت المقدس" لداعش، انفصال بعض التنظيمات التى كانت قد اتحدت تحت مظلتها من قبل، ومنها جماعة "جند الإسلام" التى تمثل "القاعدة فى سيناء".
وكانت جماعة "جند الإسلام"، وفق جمعة، قد تبنت فى بيان لها عملية تفجير مبنى المخابرات الحربية برفح فى 12 سبتمبر 2013، والذى راح ضحيته 6 شهداء من الجنود وأصيب 17 آخرون ثم اختفت بعدها، مما يرجح أنها كانت قد اندمجت مع "أنصار بيت المقدس"، وانتظرت عامين تقريبا حتى بثت بياناها فى نوفمبر 2015، فى صورة تسجيل فيديو زعمت أنه لبعض عملياتها فى مواجهة الجيش فى سيناء، فضلاً عن تفجير مدرعات تابعة للجيش أو الشرطة، فى بدايته بثت لقطات لجانب من تدريبات عناصر الجماعة، ربما فى إشارة إلى ضمها عناصر جديدة خلال الفترة الماضية، كما ظهر وجود تدريبات بسيارات الدفع الرباعى حملت عليها أسلحة ثقيلة، لتوضح مهارات مقاتلى الجماعة فى حروب العصابات.
وحسب رؤية جمعة، فإنه ربما كان هذا الشريط "الذى تم بثه فى نوفمبر 2015"، رسالة إلى أصدقاء الأمس "أنصار بيت المقدس" ولاية سيناء، وليس موجها للحكومة المصرية، بمعنى أن "جند الإسلام" أرادت أن تقول لأنصار بيت المقدس، إنها موجودة وستعود لتنافسها وتتمدد على أرضها فى سيناء.
فيما مثل بيانها الصوتى الأخير الصادر 11 نوفمبر الجارى فيما كان يروى تفاصيل معركة مع الدواعش جرت فى أكتوبر الماضى، إعلانًا واضحًا بأنها قد بدأت الحرب المفتوحة ضد رجال البغدادى أو فلولهم فى سيناء عمليًا.
نفر من رجال هشام عشماوى، ممن انفصل معه عن ولاية سيناء، واستقر لفترة فى الصحراء الغربية وفى محيط الوادى الجديد والواحات، قبل أن ينتقل إلى ليبيا، لينشط تحت مظلات مجالس المجاهدين وشورى المدن المحتفلة، كدرنة وأجدابيا وبنغازى وغيرها، عاد من جديد ليتحرش بأنصار بيت المقدس ولو على نحو غير مباشر.
مثلًا، الذراع اليمنى لعشماوى، الضابط المفصول أيضًا، عماد عبد الحميد، وقبيل مقتله قبل أيام على يد الأمن على خلفية تورط تنظيمه "أنصار الإسلام" فى عملية طريق الواحات، قد مارس تحرشًا واضحًا بدواعش مصر، بيد أنه نجح فى حث بعض عناصرهم على الانسلاخ من بيعة البغدادى والانضواء تحت لواء الهوى القاعدى، ومن ثم ممارسة فعل الدم على مذهب يخاصم نهج رجال البغدادى.
من الأصل، لا يُفهم حتى الآن، سر انفصال عبدالحميد عن عشماوى وتشكيل الأول فصيل مسلح منفصل عاد به إلى مصر.
الأرجح أنه انفصال بالتراضى لا بالخلاف أو الشقاق، غير أن أكثر ما يلفت النظر فيه، أن عماد عبدالحميد لم يتردد بمجرد عودته لمصر فى استقطاب دواعش لصفوف تنظيمه دون قلق.
تم استقطاب 6 من عناصر داعش الصعيد التى ممن نفذت الهجوم على حافلة الأقباط بالمنيا فى 26 مايو 2017.
حسب تحقيقات مصرية وليبية، كان هناك تنسيق ودعم لوجيستى من جانب رجال عماد عبدالحميد بدرنة ومنفذى الاعتداء على موكب الأقباط، ومن ثم فالقدرة على تجنيد عدد منهم وتحريضه على الكفر ببيعة الدواعش والانضمام لكيان على النقيض أيديولوجيًا، يدين بالولاء والطاعة والسمع المطلق لرجال أيمن الظواهرى، ستكون أمرًا يسيرًا فى كل الأحوال.
الأيام القليلة الماضية، أثبتت هشاشة بيت المقدس على نحو لافت، التسرب العضوى لرجاله يتزايد، فى هذا الشأن تبدو الفيديوهات المتداولة صوتيًا لعناصر تدعو للتحلل من تبعيته، وبغض النظر عن صحتها من عدمه، إشارة لا يمكن إغفالها لضعف التنظيم وتشرذمه.
لن ينتهى أنصار بيت المقدس نهائيًا ولو انهار تنظيميًا تمامًا، فكرته ستظل متداولة، وربما ببعض الإلهام، وعلى الأرجح سينتهى به الحال لمجرد واجهة مستقرة لدى عدد قليل من السيناويين والمحليين، يضربون من بعيد لبعيد ومن وقت للآخر.
فيما أن عمليات قتل المنشقين عنه، والتى وصلت إلى سيناء ستبقى عصبه نابضًا بعض الشيء وبخاصة فى صفوف العناصر المرتزقة النشطة تحت لوائه.