
جمال عبد الناصر
شخصية الزعيم واضحة، فهو قائد فطن، فى عينيه لمعة ذكاء واضحة، حركته هادئة بسيطة، وكلماته - بصرف النظر عن حماستها فى بعض الأحيان - هادئة متزنة، أراد أن يكون الخيال حقيقة، وأن يكون الحلم واقع.
الظروف التى أحاطت بعبد الناصر فى شبابه، كان من الممكن أن تتغير، وكان من الممكن أن يرسب فى اختبار الهيئة المؤهل للالتحاق بالكلية الحربية للمرة الثالثة، فيكمل دراسته للحقوق، كان من الممكن أن تفشل ثورة يوليو، ويتم تجريده من رتبته، فكيف كان سيصبح عبدالناصر إذا لم يستمر فى طريقه نحو الزعامة؟
أمران يجيبان على هذا السؤال الصعب، أولهما التاريخ، حيث يقول التاريخ أن عبد الناصر من الجائز أن يكون صحفيًا، والدليل هو مقال "فولتير"، الذى كتبه وهو طالب فى المرحلة الثانوية، فكان يمتلك حسًا جيدًا فى الكتابة الصحفية، التى كان يقدرها بشكل كبير فى حياته، والدليل على ذلك صداقته الوطيدة بالأستاذ محمد حسنين هيكل.
من الممكن أيضًا أن يكون ممثلا، إذ جسد دور يوليوس قيصر فى مسرحية قدمتها مدرسته النهضة، يقول الفنان الروسى قسطنطين ستانسلافيسكى إن "الممثل يختلف عن العازف أو راقص الباليه أو غيرهما من الفنانين فى أنه محروم من التمارين، لأنه لا يدرى كيف ينبغى له أن يتمرن، فهو لا يعرف العناصر، التى يتألف منها فنه، وليست لديه نظرية.
هكذا بالفعل هو عبدالناصر، فلم يكن يعرف نظرية التمثيل أو العناصر، التى يتألف منها فعله التمثيلى، فهو كان سارقًا فوق العادة للأضواء، خصوصًا، فى اللقطات التى كانت تجمعه بكثير من أعضاء مجلس قيادة الثورة، حيث جميعًا كانوا يرتدون زيا واحدًا، إلا أنه هو الذى تشعر بأن العين تذهب له فى كل صورة.
التاريخ يشير أيضًا إلى أن عبدالناصر، كان من الممكن أن يكون محاميًا بليغًا لقدرته الفائقة على الإقناع، وعلى الدفاع عن أمور يؤمن بها بقوة، كذلك طريقة التفكير غير التقليدية فى مواجهة أمر ما، إضافة إلى أنه اختار الالتحاق بكلية الحقوق كبديل عن الكلية الحربية، التى رسب فى كشف هيئتها مرتين.
أما ثانى الأمور التى قد يستخدمها الباحث عن مهنة عبدالناصر لو لم يكن زعيمًا، فهى مميزات شخصيته، فالزعيم كان من الممكن أن يكون "فنانا" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالفنان فى الاصطلاح هو "القادر على إثارة عاطفة الجمال لدى الإنسان بما يفعله"، وهذا هو عبد الناصر بكل تأكيد، خطاباته وكلماته وأفعاله، كانت تثير فى نفوس الشعب شجنًا وعاطفة كبيرة.
عبد الناصر كان من الوارد أن يكون "ناظر مدرسة"، فهو المهتم دائمًا بالضبط والربط والنظام، كان من الوارد أن يكون "ملاكما"، فصفاته الجسمانية تؤهله إلى ذلك، خصوصًا وأنه كان يسدد اللكمات بقوة وتركيز فى الأمور السياسية.
