
سجود اللاعبين
سجود اللاعبين على أرض الملعب، يعد نوعا من الاحتفال الذى يقابل بترحيب شديد من الجمهور، خاصة فى الأندية الأوروبية لما يعنيه من حرص للاعب المسلم على دينه، إلا أن بعض المشايخ لهم رأى آخر فى سجود اللاعبين.
ووصف أحمد هلال، القيادى فى الدعوة السلفية، سجود اللاعبين عقب تسجيل الأهداف أو الفوز فى المباريات بأنه "سجود المعصية"، مشيرًا إلى أنه عندما يفوز فريق على آخر، يسجد الفائز لتفوقه "المُحرم" نظرًا لأن لعب كرة القدم والتنافس فيها يعد رهانًا، وهو غير جائز فى الشريعة بحسب قوله.
وأوضح هلال فى تصريحات صحفية: "هذا السجود من أسباب سخط الله وعقابه"، مشيرا إلى أن سجود الشكر لله يكون على النعم وليس المحرمات، لأنها لا تستوجب الشكر بل الاستغفار والتوبة.
جمهورالفقهاء أجازوا السجود
وأكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، أنه وفقا للمقرر شرعا بناء على تعاليم الشريعة ومقاصد الشرع الحنيف، أنه فى حالة النعمة أو وقوع نقمة وجب السجود شكرا لله، مؤكدا أنه ثبت عن الرسول عليه السلام وأبى بكر وعلى رضوان الله عليهم وجوب السجود لله للشكر.
وأوضح كريمة فى تصريح خاص لـ"مبتدا" أنه وفقا لجمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والحنفية، يجوز السجود لله للشكر دون طهارة ولو بسجدة واحدة، مشددا على جواز سجود اللاعبين فى الملاعب عند تحقيق الهدف أو الفور، قائلا "لا حرج فى ذلك".
واستشهد كريمة بجواز السجود لله، بقيام سحرة فرعون بالسجود لله عندما رأوا عصاة سيدنا موسى، وقبل الله تعالى سجودهم، منوها إلى أن الألعاب الرياضية فى المجمل جائزة شرعا، وأن المسلمين عرفوا فى صدر الإسلام بعض الألعاب الرياضية كالمصارعة والسباق، وأن ما يتردد على لسان السلفية بحرمة كرة القدم وعدم جواز السجود فى الملاعب أمر يتنافى مع تعاليم الشرع الحنيف، على حد تعبيره.
عمل مشروع.. والكرة ليست حراما
وقال الدكتور حمد الله الصفتى، عضو هيئة التدريس بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، إن الله سبحانه وتعالى شرع العبادات للنّاس ليتقربوا بها إليه، وليشكروه على ما أنعم به عليهم من نِعم باطنةٍ وظاهرة، فإذا حصلت للعبد نعمة مُفاجئة أو كانت غير متوقعة أو غير منتظرة، أو نجاه من كارثة حتمية فقد شرِع له أن الشكر على تلك النعمة بعبادات عاجلة أو آجلة، ومن العبادات المخصوصة لشكر تلك النعم أن يسجد المرء لله عزَّ وجل، فيتوجه إليه ويشكره على ما أنعم به عليه، فإنّ العبد أقرب ما يكون من ربه إذا سجد.
وأضاف لـ"مبتدا" أن هناك اختلافا بين الفقهاء فى حكم سجود الشكر، فذهب أبو حنيفة ومالك إلى كراهة السجدة المنفردة، وأن الشكر يكون بركعتين كاملتين، وذهب محمد بن الحسن والشافعى وأحمد إلى كونه مستحبا، مؤكدا أن لعب الكرة ليس من الرهان فى شىء لأن المكسب المالى الذى يترتب على الفوز ليس من أحد اللاعبين بل من آخر خارج عنهما سواء كان مؤسسة أو فرد.
وتابع: "سجود الشّكر نفس سجود التّلاوة، فلا يلزم فيه أى من شروط الصلاة، فقط يخر المسلم ساجداً دون أن يكبِر، ثم يقول كما يقال فى سجود الصلاة أو سجود التّلاوة، ويشكر الله على نعمه، ويدعوه بما يريد، وكلُ ذلك دون وضوء، أو تكبير، أو تَشهُّد، أو تسليم، وما يفعله لاعب الكرة أو أي رياضة من السجود عقب الفوز أمر مشروع تماما لا مشكلة فيه".
ومن جانبها أكدت الدكتورة فتحية الحنفى، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، انه بالنسبة لسجود اللاعبين فى الملعب بعد إحراز هدف فهذا أمر جائز شرعا ولا حرمة فيه لأنه من باب إظهار الشكر والحمد لله على إحراز الهدف، كما أن من أنواع الصلاة سجدة الشكر وهو أن يسجد الإنسان لله شكرا من باب الفرح والسرور الذى انعم الله به عليه.
وأوضحت الحنفى لـ"مبتدا" أن هذه السجدة لا يشترط لها طهارة لأنها ليست مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، لأن الإنسان إذا ألم به أى نجاح مهما كان نوعه لا يفكر فى أى شىء إلا التوجه بالحمد والشكر لله الواحد الأحد الذى أنعم عليه بهذه النعمة، لأن القلب وكافة أعضاء الإنسان تسجد شكرا لله وهذا يدل على قوة الإيمان والاستعانة بالله فى كل خطوة يخطوها.
وتابعت: "قال تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم، ونحن بين أنفسنا لو قدم شخص لآخر خدمة ما نرى عبارات التبجيل والشكر لهذا الشخص على أداء هذه الخدمة، وهذا أمر متعارف بيننا مع الفارق فى القياس، فما بالنا بمدى ما أنعم الله به علينا من النعم التى لا تحصى ولا تعد، أليس جديرا بالسجود له وإظهار الشكر والحمد له فى كل وقت وفى السراء والضراء".
وقال الدكتور حسن عبدالفتاح أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: "اختلف الفقهاء فى مشروعية سجود الشكر، فعند جمهور الفقهاء هو مشروع ومستحب، وهو مذهب الشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر".
وذكر عبدالفتاح لـ"مبتدا" أن من أدلة الجمهور على مشروعية سجود الشكر ما روى عن أبى بكرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا لله، وسجد أبو بكر الصديق رضى الله عنه حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب، وسجد رضى الله عنه حين وجد ذا الثدية بين قتلى الخوارج، وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه وقصته متفق عليها، وروى عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما أنها سجدت لما وجدت شيئا فقدته كان أعطاها إياه رسول الله.
وتابع: "ذهب بعض الفقهاء إلى أن سجود الشكر غير مشروع، بل هو مكروه لا يستحب فعله، والأولى أن يقتصر على الحمد والشكر باللسان، وروى هذا القول عن إبراهيم النخعى، ونقل عن الإمام أبى حنيفة، وعن الإمام مالك فى الرواية المشهورة عنه، وهو المشهور من مذهب المالكية".
وسجل مشايخ الدعوة السلفية أمثال ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، وسعيد السواح، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية وغيرهما، العديد من الفتاوى التى حرمت كرة القدم سواء ممارستها أو مشاهدتها أو التربح منها، وكذلك مسالة سجود اللاعبين.
