البث المباشر الراديو 9090
تركيا والاتحاد الأوروبى
رغم مرور أكثر من 50 عامًا على بداية المفاوضات، لا تزال تركيا تحلم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، حتى بعد تضاؤل فرصها بسبب محاولة الانقلاب، وما تبعها من انتهاكات لحقوق الإنسان.

ويتهم الاتحاد الأوروبى تركيا بممارسة انتهاكات حقوقية فى السنوات الأخيرة، ودائما ما يعرب عن قلقه إزاء تدهور سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرية الإعلام ومكافحة الفساد، وذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة فى عام 2016.

وتدهورت حرية التعبير تدهوراً حاداً بعد محاولة الانقلاب، فبعد إعلان حالة الطوارئ، تم اعتقال وحبس أكثر 118 صحفياً حبساً احتياطياً تمهيداً لمحاكمتهم، وتم إغلاق عدد 184 من دور الإعلام تعسفاً، وبشكل دائم، بموجب مراسيم تنفيذية، مما أدى إلى فرض قيود مُشددة على وسائل إعلام المعارضة.

وتقول منظمة العفو الدولية إن الأشخاص الذين قاموا بالتعبير عن آرائهم المُعارِضة، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الكردية، قد تعرضوا للتهديدات باستخدام العنف ضدهم، والملاحقة الجنائية، هذا بالإضافة إلى تشديد الرقابة على شبكة الإنترنت.

كما رصدت المنظمة إغلاق مقار 375 منظمة غير حكومية على الأقل، بما فى ذلك الجمعيات المُدافعة عن حقوق المرأة، ورابطات المحامين، والمُنظمات الإنسانية، وذلك بموجب المرسوم التنفيذى الذى صدرَ فى نوفمبر 2016.

وفى أعقاب محاولة الانقلاب، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وتم تمديدها لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ويتم تمديدها حتى وقتنا هذا، الأمر الذى يعنى عدم التقيد بقائمة من المواد الواردة فى "العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية".

وأصدرت الحكومة سلسلة من المراسيم التنفيذية، أخفقت حتى فى تكريس المعايير المُختزلة التى تضمنتها تلك المراسيم، فهناك قرابة 90 ألف موظف حكومى قد فُصِلوا من مناصبهم فعلياً، من بينهم ضباط شرطة ومعُلمون ومسؤولون عسكريون، وأطباء وقُضاة ومدّعون عامّون، وذلك بزعم ارتباطهم بمنظمة إرهابية، أو لكونهم يُشكلون تهديداً للأمن القومى، وقد أرجع فصل معظمهم إلى مزاعم تُفيد بارتباطهم بفتح الله جولن، الحليف السابق للحكومة التركية، الذى اتهمته الحكومة التركية بأنه العقل المُدبر للانقلاب.

كما أن هناك لا يقل عن 40 ألف شخص رهن الاعتقال والحبس احتياطياً تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة أنهم على صلة بمحاولة الانقلاب، أو بتهمة ارتباطهم بحركة جولن، والمُصنّفة من قِبَل السلطات تحت مُسمى "منظمة جولن الإرهابية".

وشددت الحكومة التركية الرقابة على شبكة الإنترنت، بالتزامن مع استصدار السلطات أوامر من السلطة القضائية تقضى بتخويل السلطات صلاحية سحب أو حجب المواد الإليكترونية، بما فى ذلك المواقع الإليكترونية، والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعى، التى لا تتوافر لها سُبل الحماية الفعالة.

وفى أكتوبر 2016، قامت السلطات بقطع خدمات الإنترنت عبرَ منطقة جنوب شرق تركيا، مما أدى إلى حدوث اختناق فى مختلف الخدمات على مواقع التواصل الاجتماعى.

ومؤخرا، أفاد المرصد السورى لحقوق الإنسان، الإثنين الماضى، بأن السلطات التركية حجبت موقعه الإلكترونى فى تركيا، وقال المرصد إن الحجب منع متابعى موقع المرصد فى تركيا والشمال السورى من الاطلاع على الأخبار والرصد والنشر اليومى للتطورات الميدانية الجارية على الأرض السورية، واعتبر ذلك تناقضاً واضحاً مع ادعاء تركيا احترام حرية التعبير.

ويتابع المرصد التطورات الميدانية الجارية على الأرض منذ اندلاع الأزمة السورية فى 2011، ويسلط الضوء على الانتهاكات بحق المدنيين من جميع الأطراف بمن فيهم حرس الحدود فى تركيا.

وكانت تركيا بدأت فى أغسطس 2016، التدخل عسكرياً فى شمال سوريا، مُستهدفة تنظيم داعش وقوات "الدفاع الشعبية"، وهى جماعة كردية مُسلحة تابعة لـ"حزب العمال الكردستانى".

وبالإضافة إلى اتهام الاتحاد الأوروبى لتركيا بممارسة انتهاكات حقوقية فى السنوات الأخيرة، خصوصا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة فى 2016، فهناك الكثير من المعوقات الأخرى التى تحول دون تحقيق الحلم التركى، بعضها ديموجرافى، حيث إن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى يجعلها ثانى أكبر عضو فى الاتحاد من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، وهذا التعداد يعطى لتركيا عددا أكبر من الممثلين داخل الاتحاد ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه، ويعتقد البعض أن هذا يثير مخاوف سياسية كثيرة لدى دول الاتحاد.

أما من الناحية الاقتصادية، فيتوقع البعض أن انضمام تركيا للاتحاد سوف يدفع بعدد كبير من المهاجرين الأتراك إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرها، للبحث عن فرص عمل فى هذه الدول، ونظراً لأن العمالة التركية تعتبر من العمالة الرخيصة فسوف يساعد هذا على تدنى الأجور فى هذه الدول وزيادة معدلات البطالة، بالإضافة إلى توقع انتشار السلع التركية الرخيصة فى دول الاتحاد مما سوف يؤثر على الصناعة المحلية فى هذه الدول.

وترفض معظم الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، إلى جانب اليونان بسبب الخلاف التاريخى بين الدولتين وسيطرة تركيا على قبرص عام 1974 والنزاع على جزر إيجة، وعدم اعتراف تركيا بالمجازر التى قامت بها بحق الشعب الأرمينى خلال الحرب العالمية الأولى.

ومن جانبه، اعتبر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، مطلع شهر يناير الجارى، أن التطورات الأخيرة فى تركيا فى مجال حقوق الإنسان تبعد تماما حصول أى تقدم فى مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبى.

وقال ماكرون خلال مؤتمر صحفى عقده مع نظيره التركى رجب أطيب أردوغان فى ختام لقاء جمعهما فى العاصمة الفرنسية: "بالنسبة إلى العلاقة مع الاتحاد الأوروبى، من الواضح أن التطورات الأخيرة والخيارات، لا تتيح تحقيق أى تقدم فى العملية القائمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى"، وفق "فرانس برس".

وأضاف ماكرون أن "على الديموقراطيات احترام دولة القانون بشكل كامل"، ولفت إلى أنه بحث مع أردوغان لائحة حالات صحفيين معتقلين فى تركيا، واقترح ماكرون على تركيا "شراكة مع الاتحاد الأوروبى" كبديل عن الانضمام، بهدف الحفاظ على ارتباط هذا البلد بأوروبا.

وكان البرلمان الأوروبى قد علق العام الماضى مفاوضات انضمام تركيا إليه، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان التى تبعت محاولة الانقلاب الفاشلة فى 2016، ولا تزال السلطات التركية تلهث وراء تحقيق حلمها بالانضمام للاتحاد الأوروبى.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز