البث المباشر الراديو 9090
ثالوث المؤامرة
بالقطع، بدا أن الهبوط التركى العلنى القطرى المستتر، بمباركة من الخرطوم وعمر البشير، على جزيرة سواكن السودانية، يستهدف فى جزء كبير منه طعن مصر فى الظهر.

قبل شهرين طلبت الدوحة رسميًا من الخرطوم الاستحواذ على الجزيرة القابعة جنوب البحر الأحمر، أسفل ميناء بورتسوان الحيوى، وعلى مقربة من النقطة الملتهبة عند مضيق باب المندب.

نظام البشير تحفظ على الطلب القطرى لموائمات تتعلق بعلاقته بالرياض فى تلك اللحظة، حيث كانت الأخيرة عراب التوسط له لدى واشنطن، لرفع العقوبات الاقتصادية المنهكة عن بلاده، ناهيك برغبة الجنرال الإخوانى فى الخرطوم فى عدم خسارة المملكة العربية السعودية، لعلها تنصفه فى معركته الوهمية التى يخوضها فى مجلس الأمن والأمم المتحدة ضد القاهرة بشأن مثلث حلايب وشلاتين والرمادى الحدودى.

الخرطوم كانت تمنى نفسها أن تشهد الرياض، التى وقعت مع القاهرة العام الفائت اتفاقية لتعيين الحدود البحرية، أن المثلث الأزمة خارج تلك الاتفاقية، ومن ثم يمكن ضرب مصر دوليًا بخنجر صديق مقرب.

على هذا النحو، أبت الخرطوم صاغرة أن تتحرش أو تستفز الرياض، فرفضت الطلب القطرى الخاص بسواكن بلطف وهدوء.. لكن الدوحة لا تيأس فى الأذى، فعادت عبر ربيبها التركى المتطلع لاستعادة جنون العظمة وامبراطورية عثمانية غابرة.

فكان الموافقة السودانية أسرع من لمح البصر، ونالت أنقرة وفى الخلفية المستترة الدوحة، حق إدارة وتنمية وبـ"البلدى كده" الهيمنة على سواكن لمدة 99 عامًا.

التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياحية، هدف براق صاغته أنقرة والخرطوم لتبرير الصفقة، التى أتمها البشير بمفرده وبقرار منفرد منه دون الرجوع حتى لأقطاب نظام حكمه، بيد أن حق الانتفاع الممنوح للأتراك لن يمنع أى أنشطة عسكرية فوق الجزيرة وأمام سواحلها، فطالما لم يتضمن الاتفاق حظرًا فى هذا الشأن، فالمنطق يقول أن الموافقة صارت واقعًا ضمنيًا.

وضع الأتراك قدم لهم فى ميناء وجزيرة تاريخية ارتبطت يومًا بهيمنة الإمبراطورية العثمانية على البحر الأحمر، لا يعنى إلا محاولة استعادة التأثير فى تلك البقعة الحيوية من العالم، فضلًا عن تهديد مصر وملاحتها فى قناة السويس وتحركاتها العسكرية، فضلًا عن توسيع دوائر التأثير بالقربر من باب المندب والقرن الإفريقى بعد انضمام لاعب صلد جديد إلى المعادلة، متمثلُا فى الباشا الجديد العاشق لجنون العظمة.

لا يجب إغفال أن الإيرانيين يعبثون بدورهم فى تلك المنطقة أيضًا عبر بوابة حوثيى اليمن المسيطرين، حتى اللحظة على جيوب متاخمة لباب المندب، ومن خلالها لا تزال الأسلحة والصواريخ تتدفق عليهم لتتواصل حمم المعارك مع السعوديين وتحالفهم الموسع فى البلد الذي لم يعد سعيدًا.

صدق أو لا تصدق.. تحالف قطرى تركى إيرانى سودانى، يقف بألاعيبه وخططه فى مواجهة البوابة البحرية الجنوبية لمصر.

ومصر "لن تحارب أشقاءها"، سياسة واضحة جددت القيادة السياسية المصرية التزامها بها ردًا على التصعيد من جانب الخرطوم فى ملف حلايب وشلاتين، والتلويح المتجاوز بإمكانية اشعال معركة بشأنه، فيما أن الحشد العسكرى السودانى المتواصل بالقرب من الحدود مع إريتريا، حيث تتواجد قاعدة عسكرية إماراتية، تزعم وسائل إعلام قطرية موجهة أنها تستضيف قوات مصرية، لا يمكن فصله عن حفلة التصعيد المجنونة ضد بلاد النيل.

قطر نقلت معركتها مع مصر والإمارات والسعودية، فضلًا عن رابع ضلع فى قائمة تحالف دول مكافحة الإرهاب، البحرين، من الخليج إلى البحر الأحمر، عبر واجهة تركية وبمراقبة حيوية من الإيرانيين، وبتبعية سودانية مخجلة، بينما بدا لزامًا على القاهرة فك طلاسم الشفرة الجديدة المعقدة بالبحر الأحمر فى أسرع وقت ممكن لتحافظ على سيادتها المائية والملاحية بلا أى خسائر.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز