
مظاهرات إيران
يذكر أن نظام رجب طيب أردوغان نجا من انقلاب عسكرى جامح نفذته بضعة تشكيلات فى الجيش التركى خلال شهر يوليو 2016، كاد يتسبب فى رحيل مخزٍ له، فارتد بإجراءات أشد قساوة واجه بها خصومة، فزج بالآلاف فى السجون، وأغلق صحفًا ومواقع إلكترونية عدة، ثم راح يخطو نحو انفراده وحزبه "العدالة والتنمية" بالسلطة، أكثر من أى وقت مضى، بمساعدة دول عالمية كبرى، منها روسيا.
واجه نظام الملالى غضبا عارما خلال الأيام القليلة الماضية، مثل نواة لثورة فارسية جديدة على الحكم الدينى المتشدد، وباتت صورة الفتاة الإيرانية التى لوحت بحجابها للعالم أيقونة الغضب، لكن سرعان ما خرج ساسة إيران منذ أسبوع أو أكثر قليلًا مؤكدين أن الاحتجاجات فى طريقها إلى الانتهاء.
وبالفعل بعدها بأيام انطفأت جذوة الانفعال الشبابى، مع ارتدادات عنيفة على الحكومة التى أدركت أن الشعب، وإن كان خروجه بسبب اقتصادى، يمكنه الخروج لهدم الثوابت الراسخة منذ قيام ثورة الخمينى فى العام 1979.
هناك ترتيبات كانت تجريها قوى عالمية وإقليمية للاستعداد لمرحلة ما بعد حكم الملالى، إلا أن أمريكا كانت فى نزاع داخلى عنيف بسبب ما يجرى فى إيران، فإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب معروف موقفها إزاء، عبر التصريحات العنيفة تجاه طهران ورئيسها حسن روحانى، وكذلك مرشدها الأعلى خامنئى، ونيته إلغاء الاتفاق النووى الذى أبرمته طهران مع واشنطن والدول الست الكبرى، إلا أن هناك توجهًا ديمقراطيًا ناميًا فى دوائر السياسة الأمريكية يواجه اتجاه رئيس الولايات المتحدة فى التعامل مع هذا الملف، لا سيما أن الاتفاق حدث فى عهد الرئيس الديمقراطى باراك أوباما.
كما لا يخفى على أحد أن إيران تحظى بدعم غير محدود من الروس ورئيسهم فلاديمير بوتين، والذى أعلن مرارًا دعمه لنظام خامنئى، الأمر الذى أثَّر بشكل أو بآخر فى تعاطى الحكومة الإيرانية مع المظاهرات.
وعلى ذلك، فإن روسيا داعم لإيران بشكلٍ أساسى، وأمريكا منشغلة بمقاومة ديمقراطية لموقف الإدارة من إيران، وهو ما يضعها فى خانة المحايد، وهى الخانة التى يقف فيها الأوربيون، ما ترتب عليه نجاة طهران "بالحياد الخارجى" من ربيع كان سيقتلع جذور دولة أبناء الخمينى.
يذكر أن الانحياز الخارجى كان عاملا مهمًا فى سقوط الأنظمة العربية التى تهاوت، مثل ليبيا، وسوريا، ومصر، حيث كان الأمريكان، والأوربيون عازمين على إسقاط نظام القذافى، ونجحوا فى ذلك، فيما عزمت واشنطن على التخلص من نظام الأسد، لولا التدخل الروسى، وأرادت أطراف إقليمية إسقاط النظام المصرى، فرحل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، إلا أن الدولة بقيت بفضل تصحيح المسار الذى حدث فى 30 يونيو.
وبالعودة إلى إيران، فالمظاهرات التى انطلقت "اقتصادية"، ثم تحولت للتنديد بسياسة روحانى - خامنئى الخارجية فى الإقليم، والتى يدفع تكلفتها المواطن الإيرانى، سواء بالضغوط الأمريكية، والإقليمية فى مواجهة السلوك الإقليمى الإيرانى المتمدد أو بتوجيه مخصصات الموازنة لصالح المؤسسات الدينية والحرس الثورى ذى النشاط الإقليمى، والثابت من الأخبار والتقارير الواردة من الشارع هناك تؤكد أنها أُخمدت، دون تغير يذكر فى الجانب الاقتصادى والخارجى على الأقل، إلا أن التغيير "كما ذُكر" قد يطال أدمغة السياسيين الإيرانيين.
وربما يحمل المستقبل أنباءً أكثر سعادة للشعب الإيرانى الحالم بالتخلص من نظام قمعى دينى متشدد يُغلِّب مصلحة الملالى وتطلعاتهم الإقليمية، ويضعها على الدرج الأول من السلم الفارسى.
وفى الأخير، لم يخرج الشعب الذى تظاهر مهزومًا، كما لم يخرج النظام الإيرانى فائزًا، فسيبقى دائمًا تحت قلقًا ما لم يغير سياسته تجاه شعبه.
