البث المباشر الراديو 9090
عملة البيتكوين
عبر مكالمات تليفونية ولقاءات سرية، خاض "مبتدا" مغامرة في العالم السرى لعمليات تداول "بيتكوين" داخل مصر، بين مضاربين وسماسرة يحققون مكاسب مرتفعة من ورائها، مستغلين طمع الراغبين في تحقيق ثراء سريع وسهل.

وتأتى مغامرة "مبتدا" فى الوقت الذى لا يزال فيه الكثير من المصريين يعانون آثار صدمة انهيار أسعار "بيتكوين" التى وقعت قبل أيام، فى العالم، والتى خفضت سعر العملة 30% من قيمتها فى 48 ساعة.

ولكن فى حقيقة الأمر فقدت "بيتكوين" 50% من قيمتها فى أقل من ثلاثة شهور، حيث وصلت لأعلى سعر لها فى الربع الأخير من 2017، بقيمة تجاوزت 21 ألف دولار، لتذهب إلى أقل من 11 ألفًا فى بداية الربع الأول من 2018.

الخسارة التى حلت على المضاربين بهذه العملة فى العالم كانت ضخمة، ولكن خسارة المصريين منها كانت أكبر، ففى الربع الأخير من 2017، شهدت إقبالاً كثيفًا من المصريين المغامرين، الراغبين فى تحقيق مكسب سريع، لارتفاع سعرها بشكل يومى، وكان المكسب جذابا لمن يهوى المضاربة وتحقيق المكسب السريع والسهل.

استطاع "مبتدا" التواصل مع عدد من سماسرة "بيتكوين" فى مصر، والذين يصطادون عملاءهم مع عملائهم عبر عدد من المجموعات المتخصصة على فيسبوك، ورصدنا من خلال هذه المغامرة أن أغلب المصريين المقبلين على شرائها بعيدون عن مجالات الاقتصاد ولديهم خبرة بمجال تكنولوجيا المعلومات فقط.

ويأتى أغلب المقبلين على شراء "بيتكوين" من خلال السماسرة، طمعًا فى المكسب السريع، مثلما حدث مع الدولار فى السوق السوداء، بهدف الاستثمار في العملة الأمريكية، ويتعاملون مع "بيتكوين" بمنطق السلعة التى سيحصل عليها حاليًّا ليتم تخزينها "تسقيعها" لحين ارتفاع سعرها، فتبدأ مرحلة جنى الأرباح وعرض هذه السلعة للبيع بسعرها الجديد، مستفيدين من فارق السعر.

بعدما توصلنا مع السماسرة عبر الهاتف طلبنا مقابلتهم ولكنهم كانوا يتهربون من اللقاء وجهًا لوجه أغلبهم يفضل التواصل عبر المحمول، أو عبر "فيسبوك" و"واتس آب"، وبعد إلحاح وبحث لمدة تجاوزت الشهر، تم التواصل مع أحد السماسرة عبر المحمول، والذى حاول إغراءنا بالمكسب الذى سنحصل عليه من شراء "بيتكوين"، تلك العملة التى كان يرتفع سعرها يوميًّا نتيجة الطلب المتزايد عليها فى العالم خاصة فى أوروبا والصين.

ولكن اكتشفنا أن السماسرة يشترطون الحصول على مقابل "البيتكوين" بالدولار، وبعد محاولات من التفاوض وإقناعهم بأن توفير ما قيمته 16 ألف دولار فى ذلك الوقت أمر صعب، فكانت المفاجأة بأنهم وافقوا على الحصول على المبلغ بالجنيه، ولكن بشرط إضافى جديد، فالسماسرة يضعون تسعيرة خاصة بهم لسعر الدولار، ورغم أن السعر الرسمى للأخضر لم يتجاوز الـ18 جنيها منذ حوالى 5 أشهر، إلا أنهم يسعرون العملة الأمريكية بنحو 21 جنيهًا على الأقل.

سماسرة الـ"بيتكوين" يقومون بالتلاعب على زبائنهم مرتين، الأولى بيع العملة الإلكترونية الأكثر خطورة فى العالم، الثناية المتاجرة بالدولار فى السوق السوداء فى آن واحد.

وهو الأمر الذى يعتبر غير شرعي أو قانوني، ويضع السمسار والمضارب تحت طائلة القانون، ويهدد الاقتصاد من جهة أخرى، بحسب تحذيرات الدكتورة يُمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، قائلة "ما يقوم به السماسرة باشتراط حصولهم على مقابل البيتكوين بالدولار، أمر يمثل طلبًا زائفًا على الدولار، وقد يتسبب فى موجة ارتفاع للأخير دون أى مبرر، ودون أن يكون لهذا الطلب أي تأثير على النمو الاقتصادى، أو استغلال هذه الدولارات لدعم الإنتاج المحلى".

وطالبت "الحماقى"، بضرورة تخصيص وحدة داخل البنك المركزى المصرى لدراسة تداعيات وتأثير هذه العملة وتداولها داخليا على الاقتصاد وعلى السياسات المالية، فقد تكون هذه العملة  سببا فى سحب السيولة النقدية من العملات الأجنبية من السوق الرسمية ليتم تداولها فى سوق غير رسمية.

وأرجعت أستاذة الاقتصاد المخاطر وراء تداول هذه العملة، إلى أنها عملة لا تخضع لأى رقابة مركزية حتى من الدول التى بدأت فى تقنينها، وفتحت المجال للتعامل عليها بين مواطنيها.

واستشهدت بالصين التى كانت تحتوى أكبر منصة تداول للعملات الإلكترونية فى العالم، وتراجعت عن هذا فى مطلع يناير الجاري، وأوقفت جميع التعاملات على هذه المنصة التى كان يتم من خلالها 23% من عمليات التداول على "بيتكوين" فى العالم، ما أفقد هذه العملة 30% من قيمتها فى أقل من يومين.

استكمل "مبتدا" مغامرته فى البحث عن آليات وطرق الحصول على "بيتكوين" فى مصر، حتى استطاعنا الحصول على موعد من أحد السماسرة، وتمت مقابلته داخل محل تجارى بمدينة نصر، لم نتمكن من التأكد إذا كان هذا المحل ملكًا للسمسار أو أنه مقر مؤقت لمقابلة العملاء.

فى المحل الصغير الذى يعمل فى تجارة إكسسوار المحمول لم يكن يتوقع أحد أن تكون هناك عمليات تتم بآلاف الدولارات داخل هذا المحل البسيط، فصادف وجودنا، إتمام عملية بيع "بيتكوين" استطاع "مبتدا" رصدها وتصويرها بالفيديو.

أثناء لقاء السمسار، حذرنا الأخير من أن الأمر به كثير من المغامرة ومخاطرة فقدان جميع الاستثمارات التى يضعها أى مواطن فى هذه العملة، لأنها غير ملموسة ويتم تداولها خارج مصر، ليبرأ نفسه مما قد يحدث للمضاربين، فلا يعود عليه أحد، ولو عاد إليه أحد بسبب أي خسارة قد يتعرض لها، سيكون رده "أنا حذرتك" و فى أقل تقدير "محدش ضربك على ايدك".

وهى نفس المخاطر التى أكدها الدكتور كمال القزاز، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مؤكدا أن "بيتكوين" بدأت سعرها فى أول أيام ظهورها عام 2008، بـ100 دولار، وفى 2017 وصلت لأكثر من 20 ألفًا نتيجة عمليات تداول عليها ومضاربات، وليس نتيجة قيمة مضافة حقيقية لهذه العملة، فهي ليست كباقي العملات التقليدية التى يكون لها غطاء أو على الأقل مدعومة من أحد البنوك المركزية.

كما أن حجم المصدر من هذه العملة أصبح محدودا وهو رقم مغلق غير قابل للزيادة، ما يعد خطرا شديدا يواجه انتشار هذه العملة، التى ربما تعود للمربع صفر، وفى هذه الحالة سيكون المضاربون فيها فقدوا كل ما تم استثماره، وفى حقيقة الأمر أن ما سيخسرونه تم الاستحواذ عليه من قبل القائمين على تداول "بيتكوين".

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز