البث المباشر الراديو 9090
بوتين وميركل
يربط الكثيرون ديمقراطية الحكم فى أى بلد بتعدد الأشخاص المتقدمين لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، وأيضًا بتحديد مدة حكم الرئيس، مستندين فى ذلك إلى بعض الدول الأوروبية.

رهان البعض على الإنجازات التى تحققت فى عهد من يتولى شؤون الدول، أو قدرته على عبور الصعاب وحل الأزمات لتكون السند والحجة لاختياره لفترة ثانية وربما ثالثة أو رابعة، يفند تعميم تلك القاعدة فى جميع الأنظمة الديقراطية، ولعل خير مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التى يراها البعض موطن العدالة وبلد الحريات الأولى فى العالم، إذ لم يختلف أحد على فترتى جورج واشنطن، ومن بعده روزفلت، وغيرهما.

الأمر الثانى الذى يثبت عدم تعميم القادة يكمن فى أن وضع وتحديات الدولة فى بعض الأحيان يدفع الجميع إلى مساندة السلطة السياسية الحاكمة، لا سيما عندما تكون الدولة فى حاجة لاستقرار سياسى لتجاوز مرحلة صعبة ومصيرية فى تاريخها، وتوجد أمثلة على دول كثيرة استطاعت أن تنتقل لمرحلة أخرى أكثر نجاحًا فى تاريخها بفضل مساندة السلطة السياسية الناجحة.

من ضمن هذه الأمثلة، أمريكا التى فرضت حاجتها إلى الاستقرار، خصوصًا السياسى، اختيار المجمع الانتخابى بالإجماع جورج واشنطن رئيسًا فى عام 1788، وكان هذا مستندًا إلى دلائل كثيرة على رأسها أن واشنطن قاد الثورة التحريرية التى نجحت فى تحقيق استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا 4 يوليو 1776.

كما شارك واشنطن فيما يُعرف بالحرب الفرنسية الهندية، حتى نجح في الوصول إلى منصب القائد الأعلى فى الجيشِ القارى فى الحرب الثورية الأمريكية، بالإضافة إلى أنه رسّخ القوانين والقواعد الدستورية الأمريكية من خلال ترأسه للاتفاقية الدستورية التى صاغت الدستور التى تعمل الولايات المتحدة به حتى وقتنا هذا.

كل ذلك وأكثر دفع إلى اختيار واشنطن بالإجماع ليكون أول رئيس للولايات المتحدة، لتدعيم الوضع السياسى الأمريكى الذى كان تحت مرحلة التكوين والصياغة.

رئيس أمريكى آخر مثال على تفنيد القاعدة، هو فرانكلين روزفلت، الذى فاز فى 4 انتخابات أمريكية متتالية من عام 1933 حتى وفاته فى 1945، وشهدت مرحلة حكمه كسادا كبيرا بالبلاد ونجح فى قيادة الولايات المتحدة فى تلك الفترة وخلال الحرب العالمية الأولى التى انتصرت فيها، ما جعل الباحثين السياسيين دائمًا ما يصنفون رزفلت كأحد أكبر وأفضل الرؤساء الأمريكيين، إلى جانب جورج واشنطن.

ومن الأمثلة فى وقتنا الحالى، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى أعيد انتخابها لفترة رابعة، والتى دفعت إنجازات حكومتها الشعب الألمانى إلى ضرورة الإبقاء عليها فى منصبها رغم وجود منافسة شرسة على المنصب من الأحزاب الأخرى.

ولعل الدافع لإعادة انتخابات ميركل كمن فى تعاملها الجيد مع القضايا والوضع داخل ألمانيا بالأخص التحديات الاقتصادية والأمنية، والتعامل الناجح مع الأسباب الأساسية للهجرة.

كما أن حاجة روسيا إلى شخص سياسى يستطيع إدارة ملفاتها خصوصا الخارجية فى ظل التحديات التى تقابلها، هى ما دفعت الشعب إلى انتخابات فلاديمير بوتين رئيسًا للجمهورية عام 2000 حتى عام 2008، وإعادة انتخابه مرة أخرى عام 2012، وتوافق الجميع على ترشيحه لفترة رابعة خلال الانتخابات التى تجرى فى مارس المقبل.

وجنى الشعب الروسى ثمار مساندته للرئيس بوتين من خلال إنجازات خارجية تضاف إلى سجله، منها أن الجيش الروسى ساهم فى تطهير سوريا والعراق من تنظيم "داعش" الإرهابى، بالإضافة إلى توطيد لعلاقات الروسية الخارجية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط.

وبالنسبة للشؤون الاقتصادية، أكد الرئيس الروسى فى مؤتمر نهاية العام المنقضى، أن الاقتصاد الروسى سجل نموًا مطردًا بواقع 1.6% على أساس سنوى، وحقق نموًا كبيرًا فى صناعة السيارات والكيميائيات والأدوية، واحتلت روسيا المركز الأول عالميًا بين مصدّرى الحبوب.

وشهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى روسيا نموًا كبيرًا، إذ وصلت إلى 23 مليار دولار، وسجل عجز الميزانية 2.2% فقط، ونما الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 75% طيلة سنوات عمل بوتين على رأس السلطة، وكذلك نمو الإنتاج الصناعى ومجالات أخرى بنسبة 70%، بينما زاد القطاع الزراعى بنحو 3%.

وحقق تصدير الغاز الروسى طفرة هائلة لم تحدث من قبل، إذ تم إطلاق مشروع "يامال" للغاز الطبيعى المسال الذى تقوده شركة "نوفاتك" فى المنطقة القطبية الشمالية، وهذا ما أكده الاتحاد الأوروبى، موضحا أن استمرار تدفق الغاز الروسى عبر أوكرانيا فى المستقبل يعد "أولوية قصوى".

هناك أيضا نيلسون مانديلا الذى قاد النضال لتغيير النظام العنصرى فى جنوب إفريقيا بآخر ديمقراطى متعدد الأعراق.

وقضى فى السجن 27 عاما، ثم خرج منه ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، وأدى دورا رئيسيا فى إحلال السلام فى مناطق النزاع.

وتفسر جاذبيته وعصاميته وروحه المرحة، إضافة إلى عدم رغبته فى الانتقام من معاناته التى عاشها، وتسلسل حياته المدهش، القبول الكبير الذى يحظى به والذى جعله يترشح وحيدا على منصب الرئيس فى جنوب إفريقيا ويفوز فى النهاية بالمنصب.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز