
السيسى من إثيوبيا
جاء تأسيس الاتحاد الإفريقى بعد أن ظلت إفريقيا حتى منتصف القرن العشرين، مسرحا للتنافس الاستعمارى لعدد من الدول الأوروبية، التى سيطرت عليها واستغلت مواردها المختلفة، وشهد نهاية عقد الخمسينيات وبداية عقد الستينيات استقلال 15 دولة، ثم ازداد هذا العدد إلى أن استقلت معظم دول إفريقيا.
ومنذ استقلال بلاد القارة الإفريقية، تعددت محاولات التجمع والوحدة بين هذه الدول، حتى ظهرت منظمة الوحدة الإفريقية كمنظمة إقليمية، بفضل وجهد مصرى واضح.
الإنشاء
كان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، هو صاحب الفكرة، التى كانت باكورة اجتماعاتها فى أبريل عام 1958 بالعاصمة الغانية أكرا، والتى حضرها أكثر من 200 عضو من الأحزاب والاتحادات الطلابية الإفريقية، بالإضافة إلى ممثلين سياسين لـ"15 من الدول الإفريقية المستقلة"، والذى يعد الاجتماع التأسيسى لمنظمة الوحدة الإفريقى، وقد تمخض المؤتمر عن قرارات مهمة منها المحافطة على السيادة الإقليمية للدول الأعضاء، واتباع سياسة خارجية موحدة، والاعتراف بحق الشعب الجزائرى فى الاستقلال.
وعملت مصر من خلال تأسيس الاتحاد الإفريقى إلى أن يكون كيانا جامعا لكل الدول الافريقية تستطيع من خلاله تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبحث فى جميع المشاكل التى تتعرض لها دول القارة والحرص على استمرار تعميق العلاقات بينه وبين شعوب القارة.
وبالفعل كان الدور المصرى بارزا حيث أقر مؤتمر أديس أبابا الذى عقد فى 22 مايو 1963، ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، إذ اجتمع رؤساء 30 دولة إفريقية مستقلة، ووقعوا على ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية الذى عدوه دستورا المنظمة، وتم الإعلان عن إنشاء هذه المنظمة فى 25 مايو 1963.
حل النزاعات والمشكلات
وقد برز دور مصر أكثر وأكثر فى الحفاظ على روح ميثاق المنظمة منذ أول قمة إفريقية استضافتها على أرضها فى يوليو 1964، ومن بعدها شاركت مصر فى جميع اجتماعات المنظمة وكان لها صوت مسموع فى الدعوة لاستقلال ناميبيا وفى معارضة التفرقة العنصرية وفى جهود الوساطة وحل النزاعات وفى المشاكل الاقتصادية والديون المتراكمة على الدول النامية، وكذلك دعم الدول التى لم تكن قد نالت استقلالها لنيله.
تراجع وعودة
ومع تراجع الدور المصرى فى السبعينيات والثمانينيات، نجحت بعض الأطراف فى تحويل منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقى فى عام 2002، والذى انبثقت عنه مؤسسات عديدة مثل "البرلمان الإفريقى، والجمعية العامة للاتحاد الإفريقى، ولجنة الاتحاد الإفريقى (التى انبثقت منها: مجلس السلم والأمن، والمجلس الاقتصادى والاجتماعى والثقافى، واللجان الفنية المتخصصة)، ومحكمة العدل الإفريقية".
ولعل محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك قد كانت مسمارا فى نعش العلاقة بين مصر والاتحاد الإفريقى، حيث تراجع الدور المصرى كثيرًا فيه، إلا أن ما أنهى العلاقة تماما هو ما حدث بعد 30 يونيو 2013، عندما اتخذ الاتحاد قرارا بتعليق عضوية مصر لأجل غير مسمى.
ولكن القيادة المصرية نجحت بالفعل فى إعادة العلاقات، بل فى إعادة الدور المصرى فى القارة السمراء. فبعد قرابة عام واحد من تجميد مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد الإفريقى، وافق مجلس السلم والأمن الإفريقى على إنهاء هذا التجميد لتعود مصر إلى الحضن الإفريقى من جديد، كدولة فاعلة قوية.
ما ستقدمه فى 2019
اختيار مصر رئيسا للدورة المقبلة، ولا شك سيساهم أكثر فى تعزيز التعاون مع دول القارة السمراء. والتعاون هنا ليس سياسى فقط، باعتبار القاهرة دولة محور مهمة فى إفريقيا، بل هناك اعتبارات أخرى فى مجالات التعاون، لا سيما الاقتصادى منها، فمصر تمتلك الآن أرضًا خصبة للاستثمارات المفتوحة، وتحديدا فى المشروعات القومية الكبيرة التى توليها الدولة أهمية كبرى، وأهمها مشروع محور تنمية قناة السويس.
كذلك تساهم مصر فى إنشاء عدد من المناطق الاستثمارية الكبرى فى بعض الدول الإفريقية، ومنها إثيوبيا وجنوب السودان، وهو الأمر الذى يعد تماشيا مع تضاعفت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى إفريقيا بنحو 5 مرات مقارنة بعام 2000، وذلك فى قطاعات البنية التحتية من الطرق والاتصالات حتى شبكات الإنترنت والصناعات المعدنية.
ستقدم مصر أيضا دعما تجاريا كبيرا، مثلما قدمت، بامتلاكها ممرا ملاحيا فريدا "قناة السويس" يربط بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، كذلك تقدم دعما سياحيا، فالقاهرة الآن تسعى للتعافى فى السوق السياحى، من خلال تقديم محفزات هائلة لجذب الاستثمارات السياحية وكذلك الحركة السياحية الوافدة.
