
مدينة القدس
حديثًا، استخدمت حيلها التى يمتلئ بها جرابها لحماية إسرائيل من جيرانها العرب.. فالحفاظ على الأفضلية الصهيونية عسكريًا وسياسيًا فى المنطقة أمر لا شك فيه، وتتعهد به كافة الحكومات المتعاقبة هناك، لا فرق فيه بين رئيس جمهورى وأغلبية ديمقراطية، أو العكس، الكل متفق على هذه النقطة تحديدًا.
الشواهد والأمثلة كثيرة وواضحة وضوح الشمس، بدءًا من معاهدة كامب ديفيد، وصولاً إلى مرحلة ما بعد اعتراف الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، بتوقيع قرار نقل عاصمته إليها.
ربما شعرت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية بغضب عربى ودولى عارم، وصل إلى حد مواجهة القرار باعتباره ينسف عملية السلام فى الشرق الأوسط، داخل مؤسسات أممية كبرى كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها، لذا فهى جنحت إلى المرحلة التى تجيدها جيدًا، وهى مرحلة المراوغة، والتى يجيدها ساستها سواء المنتمين إلى المؤسسة الرسمية أو من هم فى الدائرة المحيطة بهم، باختلاف ألوانهم وأشكالهم وانتماءاتهم الحزبية.
جيسون جرينبلات، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكى إلى منطقة الشرق الأوسط، ربما يكون بطل المراوغة الكبرى، والتى تريد واشنطن أن تخوضها خلال هذه الأيام، ولكن كيف؟.
جرينبلات، أدلى بحديث طويل ضمن فعاليات مغلقة لمؤتمر معهد دراسات الأمن القومى الأمريكى، وقال صراحة إن إعلان الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل لا يحدد مسبقًا حدود السيادة الإسرائيلية فى القدس، بما يعنى أن مسألة إقرار نقل السفارة للمدينة الإسلامية التاريخية ليس إلا قرار إدارى، لا يحمل معه أى شبهة تغيير فى حدود الدولتين.
وأضاف جرينبلات فى اللقاء الذى نقل وقائعه موقع "سبوتنك"، إن "الولايات المتحدة لا تتخلى عن عملية السلام كما أنها لا تبدى انحيازها إلى طرف ضد الآخر، فعندما اتخذ الرئيس ترامب القرار التاريخى الاعتراف بالقدس فإنه لم يعد صياغة التاريخ من جديد، إننا ندرك أن الاعتراف بهذا الواقع خطوة هامة ليس فقط لإسرائيل وإنما لإرساء أساس سلام حقيقى ودائم".
وأوضح الرجل الذى تواجد فى المنطقة فى الأسبوع الماضى وواصل لقاءاته مع الجانب الإسرائيلى بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية رسميا التواصل مع الولايات المتحدة، أن السلام لن يتحقق عن طريق إنكار علاقة اليهود بمدينة القدس وأرض إسرائيل، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة ملتزمة أكثر من أى وقت مضى بالتوصل لاتفاق يضمن مستقبلاً زاهرًا لكلاً الجانبين، لهذا تواصل الإدارة الحالية فى البيت الأبيض العمل على اعداد خطة سلام يمكنها دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات".
وتتناقض تصريحات جرينبلات، هذه مع تصريحات الرئيس ترامب من الأسبوع الماضى، فى لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى دافوس إذ قال "لقد أزلنا موضوع القدس عن الطاولة"، بحسب الموقع التابع للمؤتمر.
كما تتناقض أيضًا مع تصريحات نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس، الذى قال فيها إن السفارة الأمريكية فى إسرائيل ستنتقل إلى القدس بنهاية عام 2019، داعيًا الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات.. وأضاف بنس منذ نحو أسبوع، فى خطاب ألقاه أمام البرلمان الإسرائيلى فى القدس "فى الأسابيع المقبلة ستقدم إدارتنا خطتها لفتح السفارة الأمريكية فى القدس، والتى نعتزم افتتاحها قبل نهاية العام القادم".
وتابع: "نحث الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، والسلام عبر الحوار فقط، مشددا على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتنازل عن أمن إسرائيل وأن أى اتفاق سلام يجب أن يضمن أمنها".
بنس وجرينبلات وجهان لعملة واحدة، أو بالأحرى دولة واحدة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية، والتى تكشف دوما عن أساليب وحيل مختلفة للوصول إلى هدفها المقر مسبقا، وهو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. هل تنجح؟ أم أن التكتل العالمى العربى سيفلح هذه المرة فى إجهاض مراوغات أمريكا؟ هذا ما ستجيب عنه الأسابيع، وربما الشهور والسنوات المقبلة.
