بهى الدين حسن
لمع المركز عام 2004 بعد اختيار حسن ضمن التشكيل الأول للمجلس القومى لحقوق الإنسان، وترأس حسن لجنة حرية التعبير، ومن هنا بدأ الاهتمام بما يطرحه من أنشطة، وكان من الطبيعى أن تجد المقر مشغولًا بالنشطاء الأجانب أو مسؤولى السفارة الأمريكية أو البريطانية، وكان هناك اهتمام خاص بصالون المركز الفكرى والذى كان يُعقد تحت عنوان "ابن رشد"، وفيه قدم حسن قيادات الإخوان مثل عصام العريان، وعبدالمنعم أبو الفتوح، وعصام سلطان.
وكان سلطان يلعب وقتها دور المعارض للجماعة بعد تأسيس حزب الوسط، الذى رفض أكثر من مرة، بسبب تبعيته للجماعة سرًا، وهو ما تأكد بعد ذلك بتحالف الحزب مع حزب الإخوان سواء فى البرلمان وإعداد دستور الإخوان ثم التمركز فى رابعة بعد عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، وثبت قطعيًا أنه كان ذراعًا سياسة للجماعة الإرهابية .
كان حسن حريصًا على تواجدهم بصورة دائمة فى أنشطة المركز، ولقاء الصحفيين والنشطاء الأجانب بشكل طبيعى، ومن هنا برز اسم أبو الفتوح فى أروقة المنظمات الدولية، خصوصًا من خلال ما يطرحه من رؤى تقدمية على أفكار الإخوان تشابهت فى ذلك الوقت مع رؤى راشد الغنوشى، القيادى الإخوانى التونسى، وعلى هذا الأساس اعتبرت المنظمات أبو الفتوح نموذجًا إصلاحيًا فى الجماعة المتطرفة، وكان لا يزال يشغل منصب عضو مكتب الإرشاد، وكثيرًا ما أثار الجدل بما يطرحه فى الصالون من رؤى متحررة عما تطرحه الجماعة وهو نفس ما كان يقدمه سلطان وغيره.
كان الإعلام مشغولًا عن الدور الخطير الذى يمارسه بهى الدين حسن، فقد كان فى منطقة دافئة فى علاقته بالدولة على ضوء وجوده فى تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان وهو ما فُسِّر على أنه تقارب بين حسن وبين أجهزة الدولة إلى أن أعلن استقالته بعد ذلك، وكان التركيز منصبًا على الدور الذى يلعبه الدكتور سعد الدين إبراهيم فى تأسيس علاقة علنية بين الجماعة المحظورة، وبين الإدارة الأمريكية باعتبارها بديلًا محتملًا لنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بينما كان دور حسن أخطر من إبراهيم، فقد فضل لعب دور "عراب" الظل للجماعة لدى مراكز التأثير على القرار الأمريكى وإقامة علاقة طويلة الأمد بين الجماعة، وهذه المنظمات.
أبو الفتوح فى أفغانستان
والحقيقة أن حسن مارس دور العراب لعدد كبير من النشطاء والحقوقيين الذين سيطروا على المشهد السياسى قبل وبعد 25 يناير، بل كان محطة مهمة لأنشطة مركز الكرامة القطرى فى مصر عقب يناير، وهو الذى قدم للمنظمات الدولية أسماءً مثل حسام بهجت، وأحمد ماهر، وزياد عبدالتواب، ومعتز الفجيرى، كما كان هو المكان الذى استقبل أيمن عقب خروجه من السجن، ونظم له لقاءات فى البرلمان الأوروبى والمركز الأورومتوسطى، بالإضافة إلى اختراق صفوف القضاة، وقدم للرأى العام المصرى والعالمى تيار استقلال القضاء، وعلى رأسهم هشام جنينة، ومحمود الخضيرى، وأحمد مكى، ومحمود مكى، نائب مرسى بعد ذلك وحسام الغريانى الذى صاغ دستور الإخوان .
سخر بهى الدين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لخدمة مشروع الإخوان، ولا زال يمارس نفس الدور بعد هروبه من مصر وإقامته فى تونس، حتى إنه شارك فى مؤامرة متكاملة على سيناء مع مركز هيومان رايتس فريست لغل يد الجيش عن مكافحة الإرهاب، وحاول أكثر من مرة إصدار قرارات دولية بمنع توريد السلاح للجيش المصرى، وكان هو صاحب أطروحة أن ملاحقة الدولة لتنظيم الإخوان الإرهابى والتيارات المتأسلمة هى السبب وراء الإرهاب، وهو نفس الطرح الذى تروج له أبواق الجماعة فى الإعلام الغربى، وقناة الجزيرة القطرية.
تتشابه شخصيتا حسن وأبو الفتوح فى أمور كثيرة فحسن يعتبر نفسه الأب المؤسس لحقوق الإنسان فى مصر، بينما يرى أبو الفتوح نفسه الأحق برئاسة مصر وقيادة تنظيم الإخوان، فهو أحد عناصر أحياء الجماعة فى السبعينات، والأقرب للتيارات الليبرالية واليسارية و6 إبريل.
25 يناير ليست مجرد ثورة على مبارك ونظامه بالنسبة لأبو الفتوح، هى تاريخ نجاح أبو الفتوح فى طرح اسمه قائدًا لمصر بعيدًا عن جماعة الإخوان، والذى فشل فى اعتلاء قمتها بسبب صراعه القديم مع خيرت الشاطر ورجاله.
لم يكن مستغربًا أن تتضمن حملة أبو الفتوح للرئاسة أسماءً مثل وائل غنيم "قائد الثورة"، وبلال فضل، إعلامى الثورة، وعمرو سلامة، ورباب المهدى، والمثير للجدل والريبة الحقوقى حسام بهجت، وكلهم كانوا نجومًا فى ميدان التحرير، وأيدوا مرسى بعد فشل أبو الفتوح. وجودهم فى حملة أبو الفتوح يؤكد الرضا الأمريكى الكامل عنه فى البداية رئيسًا للجمهورية.
قبل ظهور مرشح جماعة الإخوان، كان لدى إدارة أوباما اقتناع كامل بالجماعة وقدرتها تحت قيادة أردوغان من قيادة الشرق الأوسط لتحقيق المصالح الأمريكية وحل القضية الفلسطينية على حساب سيناء.. لم يكن لدى إدارة أوباما ورجالها فى مصر أزمة فى الكشف عن ثمة علاقة بين أبو الفتوح أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية فى السبعينات، وبين تنظيم داعش والتى كشفها مقتل أحمد الدروى، ضابط الشرطة السابق خلال أحد معارك التنظيم الإرهابى فى العراق.
والدروى كان أحد أفراد حملة أبو الفتوح المقربين قبل أن ينزوى أبو الفتوح سياسيًا عقب فشله فى انتخابات الرئاسة. وكان الدروى قد شارك لفترة قصيرة فى رابعة، ثم سافر إلى تركيا عقب انهيار حكم الإخوان، والتحق هناك بتنظيم داعش عبر وسطاء أتراك.
لم يتحدث أبو الفتوح عبر حسابه الرسمى على "تويتر" عن داعش إلا بعد بدء الهجمات الأمريكية عليها، فيما عدا ذلك لم يقترب منها رغم الجرائم التى قامت بها فى حق الأقباط المصريين فى ليبيا، وحينما اشتد الخناق عليه كتب تويتة قال فيها إنها امتداد للصهيونية العالمية، وهو أمر يجيده أبو الفتوح حتى إن كثيرًا من الباحثين وصف انتقاده لأشياء كثيرة من بينها إسرائيل بأنه نقد "الولا حاجة" أو الهجوم بلا معنى.
اتهم أبو الفتوح الإعلام المصرى بأنه يتجاهله عمدًا، وهو امتداد لأسلوب اختلاق المعارك الوهمية من "الولا حاجة" حتى يعطى للناس مبررًا لظهوره فى الـ"بى بى سى"، رغم أن الكل يعلم دوره الجديد "البرتقالى" قبل موعد الثورة الجديدة بحسب التنظيم الدولى للإخوان المسلمين وأذرعهم الإعلامية التى تستعد إلى 25 يناير الجديدة، لإسقاط السيسى وإبعاد روسيا عن مصر.. أو بمعنى آخر مغامرة أوباما الأخيرة فى مصر.
وبحسب مقال للزميل الكاتب الصحفى طارق رضوان حذفه موقع التحرير فى طبعته الجديدة، وهو ما يثير الشكوك حول وجود حملة منهجية -أمريكية الهوى - لإعادة تجميل أبو الفتوح قبل 25 يناير، وكان تحت عنوان "عودة عبدالمنعم أبو الفتوح"، قال الكاتب، إن هناك اجتماعات تمت واتصالات داخلية وخارجية ما بين أبو الفتوح وقيادات التنظيم الدولى بالخارج، ورجال بالدولة طلب أبو الفتوح مقابلاتهم للوصول إلى حل سلمى مع جماعة الإخوان، وتوسط كثيرون ما بين ممثلى الإخوان ومنهم أبو الفتوح، وبعض الشباب الإخوانى وما بين وسطاء كأحمد كمال أبو المجد، والمطلوب هو معاهدة صلح ما بين الدولة والإخوان تحت أى مسمى وبأى شروط تقبلها الدولة.
تلك الاتصالات لم تبدأ إلا بعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على الإدارة المصرية بإعطاء فرصة للإخوان للعودة إلى الحياة السياسية والحفاظ على جيل الشباب، حيث قالت منظمة "المصريين الأمريكيين للديمقراطية وحقوق الإنسان"، والتى أسسها فى أمريكا، عبدالموجود الدرديرى، القيادى الإخوانى، إن السلطة المصرية تقمع المعارضة، لذلك فإن الوضع السياسى الحالى لن يستمر طويلاً، وطالبت فى بيان المنظمات الحقوقية العالمية، وإخوان الخارج، بالضغط على مصر، ولقاء أعضاء بالكونجرس للضغط على الإدارة الأمريكية، لوقف الدعم المالى والمعنوى للحكومة المصرية.
وتسعى "المنظمة" خلال الفترة المقبلة إلى عقد مؤتمرات خارجية لحشد الدول الأوروبية ضد مصر والسعى إلى محاصراتها اقتصاديًا، وتهييج الشعب على الحكومة، وخصوصًا بعد موجة رفع الأسعار.
وأكد رضوان فى مقال التحرير المحذوف، أن إدارة أوباما لم تأتمن أحدًا على هذه التحركات سوى رجلها القديم عبدالمنعم ابو الفتوح، صاحب الاتصالات الدائمة السرية والعلنية والقديمة مع المخابرات الأمريكية، منذ أن كان مسؤولا عن تسفير الشباب المصرى لأفغانستان لمحاربة السوفييت فى أواخر السبعينات تحت مظلة لجنة الإغاثة، ومسؤوليته عن لجنة الإغاثة فى البوسنة، والهرسك والصومال والسودان.
وذكر المقال أن أبو الفتوح صديق شخصى للقنصل الأمريكى السابق بالإسكندرية كانديس باتنم، وبينهما اتفاق على مشروع تبادل الأراضى لتحل القضية الفلسطينية إلى الأبد بإنشاء دول فلسطين فى الضفة، وغزة، ورام الله، وتكون عاصمتها رام الله، وهو المشروع الذى كان فى طريقه إلى التنفيذ ما بين إسرائيل، ومصر، وفلسطين، لإعطاء 350 كيلو مترًا من سيناء، وبعمق 7.5 متر لتكون أرض بديلة للغزاويين.
لكن الاتفاق الأخطر الذى تم ما بين كانديس وأبو الفتوح هو إعادة هيكلة الشرطة المصرية لتفريغها من دورها تمامًا للتمهيد لميليشيات الإخوان للسيطرة على كل الأمور الأمنية فى مصر، وتفكك الشرطة من مركزيتها ودخول أكبر قدر ممكن من شباب الإخوان أكاديمية الشرطة لتكوين جيل جديد من ضباط الشرطة من عناصر الجماعة.
أبو الفتوح يحن الى ذقنه الطويلة، للمعارك وجنازير الجامعة، يحن إلى القاعدة وداعش الامتداد الطبيعى للمجاهدين الأفغان، فلا زالت تجربته ملهمة القاعدة وداعش إلى اليوم، فهم يرون أنه الأب المؤسس أمريكى الهوى لكل تنظيمات العنف المسلح باسم الدين.
أبو الفتوح يدعم أى تحرك باسم الثورة، باسم الحرية، باسم التخلص من الديكتاتورية، ومهما كانت درجة العنف القادمة سيبررها.. المهم أن يتحقق الحلم فى كرسى مصر، ولو على جثث المصريين سواء قتلهم قصف طائرات التحالف، أو غرقوا فى مياه المتوسط.