صناعة الدواء
هذا ما ورد على لسان "سمسار" متطوعين لأحد الأدوية من أمام أحد المراكز التى تجرى تجارب الأدوية على المرضى، محاولا إقناعنا بجدوى ومقابل إحدى التجارب السريرية لدواء جديد.
وعندما سألناه عن الخطورة ونوع الدواء "الدواء مفيهوش أى خطورة، وهنا فى أطباء بيتابعوا الحالة ودا أمر معروف دولياً ودواء موجود برا، بس بنعمل زيه فى مصر، وممكن بعد ما تخلص التجربة دى، هنجرب على دواء تانى مقابل 1100 لليوم، بس على مدار 3 أسابيع".
لم نكن فقط من يتعاقد معنا السمسار من أمام أحد المبانى، ذي الأبواب الحديدية والحراسة الشديدة، بحى المعادى، فقد كان يحاول إقناع شخص آخر، لكنه رفض معللا "المرة اللى فاتت ادتونى دواء سيولة من غير ما تعرفونى وحصل لى مضاعفات وتعبت وأنا مدخن كمان، وسحبتوا دم كتير منى ومكناش متفقين على كده".
ما كشفته مغامرة محرر "مبتدا" يتنافى مع اشتراطات لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة، والتى تضغ قواعد واشتراطات أبرزها ما يعرف بـ"الموافقة المستنيرة"، وإعلان "هلسنكى"، الذى ينظم التجارب الطبية على البشر، ويضع عددًا من الشروط والضوابط لإجرائها، وهو ما سنوضحه خلال التحقيق.
نموذج طلب متطوعين
حصل مبتدا على نماذج يتم بثه إلكترونيًا، للبحث عن متطوعين لدواء جديد من قبل "مركز التكافؤ الحيوى بـ 6 أكتوبر"، وينص "يطلب المركز، وهو مرخص من وزارة الصحة، متطوعين، الحضور على 4 أيام يومين للكشف 30 جنيها للفرد ويومين للدراسة اليوم الأول بـ 100ج والثانى بعد أسبوع بـ200ج وفطار وغداء فى أيام الدراسة والغرض هو تناول دواء موجود فى السوق وتم أخذه من قبل، ولكن الشركة تريد إعادة تسجيله مرة أخرى، والمتطوع سوف يأخذ قرصا واحدا فقط طول فترة الدراسة وليست له أعراض جانبية بإشراف الطبيب، ووزارة الصحة تراقب عملية أخذ الدواء وسحب العينات (3سم دم ف كل مرة) والمتطوع سوف يتمتع بكشف وتحاليل شاملة تتكلف 400 جنيه، والحضور فى أقرب نقطة تجمع وذلك بأتوبيس خاص بالمركز".
انتهاكات معلنة
ورد بالتقرير الدولى الذى نشر عبر صحيفة "Géopolis" الفرنسية، نتائج المسح الذى أجرته المنظمة السويسرية غير الحكومية "بابليك آي" عام 2016، أن شركات الأدوية العالمية تستغل عدم القدرة المالية لبعض المصريين فى الحصول على العلاج، وتستخدمهم كـ"حقول تجارب" لبعض الأدوية، حيث كشفت أن اثنتين من الشركات السويسرية العاملة فى مصر تقوم بإجراء تجارب سريرية فى مجال أدوية سرطان حديثة تستخدم فى مصر، وتمثل بها انتهاكا كبيرا لميثاق "هلسنكى" ومواثيق حقوق الإنسان.
وذكر التقرير أن "التجارب السريرية لشركات الأدوية تزايدت بشكل كبير عقب أحداث 25 يناير 2011، وأن مصر أصبحت ثانى أهم الوجهات التى تختارها شركات الأدوية متعددة الجنسيات لإجراء تجارب سريرية فى القارة الأفريقية، بعد دولة جنوب أفريقيا، وتترأس الشركات السويسرية قائمة هؤلاء المصنعين، حيث يحتكر العملاقان روش ونوفارتس نصف الاختبارات الدولية التى تم القيام بها فى مصر فى أوائل سنة 2016، ورصد 57 حالة".
وأعلن التقرير أن شرط موافقة المريض على إجراء التجارب السريرية فى مصر يتنافى مع المعايير الدولية، رغم أن الموافقة شرط أساسى لإجراء التجارب، نظرا لأن أغلب المرضى لا يدركون المخاطر جراء هذه التجارب، كما أن المرضى لا يدركون أن بعض الشركات قد تستغلهم فى تجارب دواء وهمى؛ وهو ما يعنى وجود شبكة من القائمين على التجارب السريرية غير الخاضعة لاشراف "الصحة".
ويتولى "سماسرة" جلب الحالات من الأصحاء والمرضى، وأطباء يعملون وسطاء سواء لتجاربهم أو لتجارب شركات دولية لإجراء تجارب سريرية دون معرفة وزارة الصحة، لصالح عدد من الشركات الكبرى سواء داخل مصر أو خارجها، وساعد على ذلك غياب الإطار التشريعى الغائب عن وضع آليات لحقول تجارب الأدوية فى مصر، وعدم حصول نصف السكان بالتأمين الصحي، ولهذا يقبل العديد من المصريين تجارب الأدوية بمثابة علاج مجانى.
التجارب السريرية أو "الإكلينيكية"
وتعرف التجارب السريرية أنها "تجارب تقيم مدى فاعلية وصلاحية الأدوية، بعد أن يتم تقسيم المرضى الذين سيخضعون للتجربة إلى مجموعتين، أولاهما التجربة والثانية المراقبة، بحيث يتم إعطاء الدواء المراد تجربته للمجموعة الأولة، ويعطى لمجموعة المراقبة دواء بلا فاعلية ثم تقارن النتائج بين المجموعتين بعد ذلك، ولعدم التحيز لا يعلم المشاركون فى التجربة أيهم فى مجموعة التجربة وأيهم فى مجموعة المراقبة.
أبرز التجاوزات
وتحدث أحد الأطباء، رفض ذكر أسمه، أن هناك تجاوزات عديدة تتمثل فى قيام شركات أدوية وسماسرة لها، فى تجربة أدوية مبتكرة على مرضى أو أصحاء ويتم إعطاء العلاج الابتكار للمرضى لمدة 3 شهور، وإجراء التحاليل وإرسالها للشركات العالمية التى تتولى عملية دعم البحث منذ بداية إجراء التجارب، وهناك أطباء مصريون يسهلون تلك المهمات، ولا يتم إخطار المرضى بالدواء ومخاطره، ويتحول الطبيب المصرى لسمسار لصالح شركات الدواء، التى لم تمكن قوانينها من إجراء تلك التجارب السريرية فى بلدانها التى تجرم قوانينها، فتلجأ لدول العالم الثالث ومنها مصر، وجميعها تمت خارج إطار المعايير الدولية.
"المتطوعون لا حول لهم ولا قوة، لأن أغلبهم مرضى للسرطان والكبد والأمراض الخطيرة، ويأملون فى بصيص أمل فى الشفاء من أمراض نهشت أجسادهم".
"هناك براءات اختراع عديدة لم تتم الاستفادة بها، لعدم وجود قانون لتنفيذ التجارب السريرية، وعدم وجود ميزانيات، وجهات ترعى ذلك، ولهذا يلجأ المبتكرون المصريون، للاستعانة بالتواصل مع مراكز دولية لتمويلها والإشراف عليها، وتسجيلها بالخارج"، منتقدا الوضع الحالى للبحث العلمى والابتكارات الدوائية.
من يخضع للتجارب السريرية؟
تتم التجارب السريرية من أجل أمرين، أولهما ترخيص دواء يتم تصنيعه داخل مصر مماثل للدواء الأجنبى، ولا بد حينها من إجراء ما يسمى بدراسة التكافؤ الحيوى للدواء للتأكد أن الدواء مطابق للدواء الأصلى، وفى تلك الحالة تتم الاستعانة بالمتطوعين أصحاء لإجراء التجارب السريرية، والحالة الأخرى التى يتم إجراء التجارب السريرية فيها هى للدواء الحديث الذى لم يتم إقراره دوليًّا بعد، وفى تلك الحالة تتم الاستعانة بمرضى متطوعين.
ويراقب على الحالتين لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة وتجرى التجارب السريرية داخل ما يسمى بمراكز التكافؤ الحيوى وعددها 14 مركزا داخل مصر، وتخضع لرقابة قطاع الصيادلة بوزارة الصحة.
أين تتم التجارب السريرية؟
وتعتبر مراكز الإتاحة الحيوية والتكافؤ الحيوى هى الأماكن المعتمدة من قبل وزارة الصحة لإجراء التجارب السريرية بجميع أنواعها، ووضع قطاع الصيادلة اشتراطات لتلك المراكز، طبقا لقرار وزير الصحة والسكان رقم ( 26 ) لسنة 2009، حيث تتقدم الجهة بطلب فتح مركز الإتاحة الحيوية والتكافؤ الحيوى أمام المفتش الصيدلى وهوالمختص بالإدارة العامة للتراخيص والتكليف بواسطة طالب الترخيص، بمقر الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية، ويتم تحديد ميعاد المعاينة للمكان المراد ترخيصه، ولابد أن تكون المساحة لا تقل عن 300 م2 ومكيفا و مقسما بحيث يشتمل على موقع تخزينى منفصل للمواد الكيماوية ومساحة مخصصة للمخلفات الناتجة عن الدراسة، ومكان مخصصا لحفظ السجلات، والاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن 5 سنوات، واستراحة لإقامة وإعاشة عدد 24 متطوعاً متوافرا بها مكان لتناول الطعام والشراب المسموح به خلال فترة الدراسة.
وطبقا لاشترطات قطاع الصيادلة "لابد أن يكون مديرا للمركز متفرغا وحاصلا على بكالوريوس العلوم الصيدلية، مصرى الجنسية، وبه مدير فنى ومشرف متفرغ لإجراء التحليل، وطبيب بشرى أخصائى باطنة، وممرض مؤهل ومقر لجنة أخلاقيات البحث بالمركز لاعتماد برتوكول الدراسة قبل إجرائها ومراجعة الإقرارات الخاصة بالمتطوعين، وأيضا يشمل الأجهزة الأساسية ومقاومة للكيماويات، ويطابق باقى المواصفات العالمية للتحليل الجيد (GLP) وتلتزم بالمعايير العالمية للممارسة المختبرية الجيدة والممارسة السريرية الجيدة، مع وجوب معايرة وصيانة الأجهزة دوريا طبقاً لعقود موثقة مع الجهات المعنية، وإبرام عقد مع أحد المستشفيات لاستقبال وعلاج الحالات الطارئة التى قد تنتج عن الدراسة، وعقد تأمين لدى إحدى شركات التأمين لتغطية الأضرار التى تنتج عن الدراسة للمتطوعين".
أول مركز تكافؤ معتمد
وطبقًا لحديث دكتورة هالة عدلى، مدير المركز الدولى للإتاحة الحيوية والبحوث الصيدلانية، وهو أول مركز تكافؤ حيوى فى مصر يحصل على شهادة الاعتماد الدولى للإتاحة والتكافؤ من مجلس التعاون الخليجي، قالت إن "مراكز التكافؤ الحيوى أحد أهم إجراءات تسجيل أى دواء فى مصر حتى تتمكن أى شركة من إنتاج الدواء فى مصر أو استيراده.
وأضافت أن هناك مشاكل تواجهها تكمن فى عدم اعتمادها عالميا وبالتالى تمثل عائقا أمام صناعة الدواء المصرية خاصة فى التصدير للخارج، لأن أى شركة دواء تسعى إلى تصدير منتجها للخارج لابد أن تكون أجرت دراسة التكافؤ الحيوى فى مركز معتمد عالميا، وتتراوح تكاليف الدراسة فى الخارج من 60 إلى 100 ألف دولار".
وأوضحت أن دراسة التكافؤ الحيوى عبارة عن قياس نسبة وجود الدواء فى الدم على مدى فترة العلاج لإثبات كفاءة الدواء المثيل، وأنها تساوى كفاءة الدواء الأصلي، وفى حال رغبة شركة دواء مصرية فى تصنيع مضاد حيوى آخر بنفس المادة الفعالة فتجرى دراسة تكافؤ الحيوى على كفاءة العقارين، والتأكد من كفاءتهما المتساوية، وهى أحد متطلبات أوراق إخطار تسجيل المستحضر ولن تتم بدونها لكل الأشكال الصيدلانية سواء أقراصا أو كبسولات أو شرابا معلقا.
طرق اختيار المتطوعين
وحول وضع المتطوعين وألية الرقابة، أوضحت أن الدراسة تجرى على متطوعين أصحاء لقياس نسبة الدواء فى الدم، وهناك شروط محددة فى اختيارهم منها ألا يكونوا مدخنين، كما تجرى للمتطوع تحاليل كاملة ويتم إبلاغ إدارة الصيدلة بأسماء وبيانات المتطوعين حتى لا يدخل المتطوع فى دراستين معا فى مركزين مختلفين، ويتم إخطار إدارة الصيدلة بوزارة الصحة بموعد إجراء الدراسة، وبعد نجاح الدراسة تأخذها الشركة وتتقدم بها إلى وزارة الصحة لاستكمال إجراءات تسجيل الدواء، ولا تشكل الدراسات من هذا النوع خطورة لأن الدواء مجرب دوليا وحاصل على موافقة هيئة الدواء الأمريكية وتتم تجربته على متطوعين غير مصابين بأى أمراض".
وقالت دكتورة هالة عدلى إن المراكز قد ترتكب مخالفات مثل عدم تسجيل بيانات المتطوعين أو أنه مدخن أو مريض وهو ما يخالف هذا النوع من الدراسات.
مراحل تجارب الأدوية
وكشف دكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، أن مراحل تجارب الدواء المرادف المستورد تتم عبر إحضار مجموعة من الأصحاء لإجراء التجارب للتأكد من الأعراض الجانبية للدواء وطرق إعطائه سواء عن طريق الفم أو الحقن ويتم تحديد الجرعات وإعطاؤه بكميات متدرجة ولا بد أن يكون الطبيب الذى يقوم بإجراء هذه التجارب ذا خبرة كبيرة وتجرى هذه التجارب فى مركز بحثى مجهز تجهيزا عاليا وموثوقا به، ويبلغ عدد الأصحاء الذين تجرى عليهم تلك التجربة من 10 لـ30 ويكونون تحت المراقبة 24 ساعة، ويتم البدء فى المرحلة الثانية والبحث عن المرضى المصابين بالمرض وعددهم يتراوح من 100 لـ300، وتتم التجربة على مجموعتين إحداهما مجموعة حصلت على الدواء القديم والأخرى تحصل على الدواء الجديد، وتأتى المرحلة الثالثة والتى تطبق على نطاق واسع قد يصل عدد المشاركين فيها لـ3000 مريض فى عدة مراكز بحثية، ويقدم لوزارة الصحة لتسجيله".
وأضاف أن المرحلة الرابعة، تبدأ بعد نزول العقار إلى السوق وتجرى أبحاث على نطاق واسع وتسمى دراسات ما بعد التسويق، وقد تظهر هنا بعض الأعراض الخطرة التى تؤدى إلى سحب الدواء وهذا يفسر لماذا هناك أدوية كثيرة قد تم إلغاؤها وسحبها بعد نزولها إلى السوق؟
آلية سلامة المتطوعين
وحول ألية التعامل مع المتطوعين للتجارب وضمان سلامتهم قال إنه يتم تجهيز المتطوعين بعد إجراء التحاليل المطلوبة للتأكد من الحالة الصحية لهم وفقا للضوابط الواردة من وزارة الصحة، وبعدها يحصلون على الدواء، وإذا كانت النتائج مرضية يتم إعداد تقرير بصلاحية العقار ويرسل مباشرة لوزارة الصحة لتقييمه واتخاذ الخطوات المقبلة، وإذا غير مرضية، تتم مخاطبة الشركة المنتجة لمعرفة السبب وتعديل التركيبة الخاصة بالدواء، موضحا أنه تم رفض أدوية بتركيبات معينة لكثير من الشركات لحدوث بعض الأعراض الجانبية للمتطوعين.
سلامة المتطوعين
وحول حماية وسلامة المتطوعين، قال رئيس شعبة الدواء بالغرفة التجارية: "نحن لا نجرب عليهم أدوية جديدة بل هى أدوية لمادة فعالة حصلت على موافقة وزارة الصحة ومن قبلها منظمة الأدوية الأمريكية، ولكن هذه المادة يتم استخدامها بشكل واسع جديد تابع لشركة جديدة، ويوقع على إقرار بمعرفته الدواء الذى سيحصل عليه وذلك وفقا للقواعد العالمية المتبعة فى هذا الشأن، ويحصل على معلومات من المسؤولين بالمركز بشرح طبيعة الدواء الذى سيحصل عليه وطبيعة وأسلوب الدراسة، وأيضا مدة الاستضافة، وعدد عينات الدم المسحوبة، والفاصل الزمنى بين كل سحبة وأخرى، ويشترط أن يجيد القراءة والكتابة لإطلاعه على الإقرار الذى يُوقع عليه، بحيث يكون على علم بأنه قد يتعرض لآثار جانبية بسيطة خلال فترة الدراسة، ويحصل على مقابل انتقالاته خلال تلك الفترة".
تجارب الأدوية الجديدة
ولعل الأمر الأخطر هو النوع الثانى من التجارب السريرية للأدوية الحديثة وهو الذى وضعت لجنة أخلاقيات البحث العلمى بعض المعايير له لغياب وجود تشريع داخل مصر، وطبقا لقرارات اللجنة "يحظر نهائيًا إجراء أى تجارب سريرية إلا بعد موافقة لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة، وبعد استيفاء الأوراق المطلوبة من بروتوكول الدراسة والدراسة السابقة والتأثيرات الجانبية، علاوة عن بوليصة تأمين على المبحوثين تصل بنصف مليون جنيه على الأقل، والإخطار بالجهة التى تدعم البحث، والموافقة المستنيرة التى بموجبها يوافق المبحوث أو الشخص المريض أن تجرى عليه مثل هذه التجارب، كل ذلك لا يتم إلا بعد أن يكون الباحث، قد انتهى من إجراء التجارب المعملية، وتسمى مرحلة ما قبل التجارب، وهى التى تجرى فى المعامل المتخصصة وعلى الحيوانات وفئران التجارب.
الإجراءات الدولية
دوليا، قبل أن يحصل أى دواء على موافقة (FDA), يجب أن يثبت أنه آمن وفعال، وتعد هذه مسؤولية مصانع الأدوية، ويجب أن يمر الدواء بعدة مراحل من التجارب والاختبارات, تبدأ من المختبر وتحليل التركيب الكيمائى, ومن ثم تمر بالتجارب على الحيوانات ثم التجربة على مجموعة محدودة من البشر, وتنتهى بطرحه للتداول ومتابعة الدواء.
رقابة "أخلاقيات البحث العلمى"
وطبقا لتصريحات الدكتورة عزة صالح، رئيس الإدارة المركزية للتنمية والبحوث الصحية القومية، ومقرر لجنة أخلاقيات البحث العلمى، حيال الأدوية الجديدة داخل مصر، فإن من يقوم بعمل أبحاث على البشر لا بد له من الحصول على موافقة من الجهة التابع لها سواء كان مركزًا بحثيًا أو جامعة، ولا يمكن إجراء أى تجارب سريرية إلا بعد موافقة لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة، بعد استيفاء الأوراق المطلوبة، وبعد دراسة التأثيرات الجانبية للعقار، علاوة على توفير بوليصة تأمين على المرضى المشاركين فى التجارب، والموافقة المستنيرة من المتطوعين".
رقابة "الصحة"
كشفت صالح عن وجود لجنتين بالوزارة إحداهما "العليا" لأخلاقيات البحث العلمى لوضع الإستراتيجيات الخاصة بالبحث العلمى برئاسة وزير الصحة ووزير البحث العلمى، واللجنة الفرعية التى تقوم بمراجعة الأبحاث الإكلينيكية السريرية التى تجرى بمصر، وهذه اللجنة الفرعية تجتمع أسبوعيًّا ودورهم مراجعة الموافقة المستنيرة ولدورهم أهمية كبيرة فى التأكد من وضوح المعلومات التى تعطى للمشارك من خلال الموافقة المستنيرة.
الموافقة المستنيرة
وأوضحت أن "الموافقة المستنيرة"، هى حق من حقوق المريض ولكى توافق لجنة أخلاقيات البحث العلمى على البحث يجب أن ترفق به الموافقات المستنيرة للمرضى شاملة الضرر والمنفعة، ولا يجوز أن يطلع أحد على نوع المرض المصاب به والعلاج وإلا يكون عرضة لتسريب المعلومات الشخصية إلا بإذنه، وأيضا تشمل بنود الموافقة المستنيرة، التعويض ضد مخاطر البحث، وتضم بنود الموافقة المستنيرة رقم تليفون أحد أفراد الفريق البحثى، وكذلك مقرر أو رئيس لجنة أخلاقيات البحث العلمى التى أقرت إجراء البحث حتى يستطيع المبحوث عليهم التقدم بشكوى بالإضافة إلى بند واضح وهو أن البحث طواعية ولم يجبر المريض".
وتوضح مقرر لجنة أخلاقيات البحث العلمى أنه إذا لم تشمل الموافقة المستنيرة كل تلك البنود ترفضها لجنة أخلاقيات البحث العلمى وترفض البحث، وعلى الباحث إكمال الموافقة المستنيرة الخاصة بالبحث، وتراقب اللجنة الموافقات المستنيرة على كل العينات حتى لو كانت مخزنة منذ فترة، وفى حال التجاوز يتم رفض البحث ومطالبة الباحث بتعديله وفق القواعد السليمة، ولا يوجد عقوبات، ولكن وفق تطبيق قانون التجارب السريرية الجديد إذا لم يلتزم الباحث بالقواعد ستصل العقوبات إلى الغرامة المالية وربما السجن أيضا".
وطالبت بالسعى لشن حملة قومية للتوعية بالموافقة المستنيرة وأنها حق من حقوق أى مواطن كفلها له الدستور حيث نص على أنه لا يجوز إجراء أى تجربة طبية إلا بعد موافقة المشارك بالموافقة الحرة والرضا التام لأنه حق أصيل له.
تاريخ القانون
ولعل ما يحدث من تجاوزات داخل مراكز التكافؤ الحيوي، وحيال المتطوعين للتجارب السريرية، يرجع لعدم وجود قانون، رغم قواعد لجنة أخلاقيات البحث العلمي، إلا أنه لا يوجد عقوبات للتجاوز، وهو ما دفع للمطالبة بسن تشريع للتجارب السريرية، ويرجع بدايات مشروع قانون التجارب السريرية إلى عام 2006، حيث ظهرت أول مسودة له فى 18 مادة ثم تأجلت مناقشته وعرضه للحوار المجتمعي، وعاد وظهر فى 2009، وتأجل طرحه مجددًا حتى خرج عام 2014، ثم عاد إلى الظهور من جديد فى أواخر 2017.
ملامح القانون الجديد
ولم يتم الإعلان عن بنود القانون الجديد كاملة، لكن "مبتدا" رصد أبرز المواد وهى أنه يتضمن تشكيل مجلس أعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، يتكون من 3 أساتذة جامعات، وممثلين عن "الدفاع- والمخابرات العامة- والداخلية"، وتصل فيه العقوبات للحبس، وغرامة 500 ألف جنيه، فى حالة المخالفين لبنود القانون، وتجرى الأبحاث على 4 مراحل، أولاها تطبق على 40 إلى 80 شخصا، والثانية على 100 إلى 200 شخص، ولا يجوز أن تطبق المرحلتان الأولى والثانية على بلد آخر غير بلد الباحثين، أما المرحلتان الثالثة والرابعة، فيجوز فيهما إجراء الأبحاث خارج الدولة التى تعمل على هذه الأبحاث، ويلزم القانون الباحثين الحصول على موافقة مستنيرة للمبحوث عليه، ولها مواصفات معينة لتقنين هذه الأبحاث.
وكشف الدكتور أيمن أبوالعلا، وكيل لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، أن التجارب السريرية ستساعد على توفير أدوية غاية فى الأهمية لعدد من الأمراض الخطيرة، مثل ضمور العضلات، وباتت هناك ضرورة ملحة لضمان عدم استغلال المصريين من قبل شركات الأدوية العالمية.
الحق فى الدواء
وحول موقف المركز المصرى للحق فى الدواء، أفاد محمد فؤاد بأن "مصر فى حاجة شديدة لقانون التجارب السريرية لما له من أثر إيجابى على صناعة الدواء وزيادة فرص الاستثمارات فيها وحافز للشركات العالمية لاستثماراتها فى مجالات الأبحاث الدوائية التى تخطت 360 مليار دولار عام 2016، والمركز ألزم مجلس النواب بضرورة الحرص الشديد على حظر الأطفال والمرضى النفسيين من الخضوع للتجارب ومراجعة جميع الفئات التى يتضمنها القانون وأن تكون بعيدة تمامًا عن الإغراءات المادية وتجرى فى مؤسسات حكومية فقط وجامعية، وتشدد العقوبات على المخالفين، فضلا عن قيام الشركات بعمل التجربة الأولى والثانيه فى بلد المنشأ لتفادى التجارب غير القانونية وغير الأخلاقية"
موقف الأطباء
فيما رأى دكتور أشرف الخولى، عضو رابطة الشركات متعددة الجنسيات "فارما" أن "مصر تحتل المركز 24 من 28 دولة فى مؤشرات التنافسية للأبحاث السريرية، وما ينفقه العالم على البحث العلمى يتخطى 163 مليار دولار، يبلغ نصيب مصر منه صفرا ومصر دولة بها 100 مليون نسمة، والأمراض تحاصرنا، وشركات الأدوية وممثلوها ينتظرون بفارغ الصبر هذا القانون".
وقال إن 80% من الأدوية المجازة فى الأسواق العالمية تم إجراء تجاربها فى دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه العملية تتم بثقة وفقا لنظام شفاف ومعايير دولية، لضمان عدم تعرض المرضى لأى أخطار، وتأخر مصر فى إصدار قانون الأبحاث الطبية تسبب فى عزوف مراكز الأبحاث العالمية عن السوق المصرية، وسن القانون سيجعل الباحثين المصريين جزءا من الاكتشافات العلمية الحديثة، واكتشاف الدواء الواحد تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار.
ويرى الدكتور علاء غنام مسؤول لجنة الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن مصر من الدول ذات الدخل المتوسط، وترتفع بها معدلات الفقر، ما يجعل المرضى بها فريسة للشركات متعددة الجنسيات؛ لإجراء تجارب على الأدوية الجديدة، خاصة أدوية علاج السرطان والأمراض المزمنة وأمراض الكبد، ولهذا لابد من تطبيق القانون فى مصر، ولا يحتمل تأخيرا أكثر من ذلك، لانه سيحمى حقوق المرضى، ويعمل على التوعية بحقوقهم فى إجراء التجارب، إضافة إلى توقيع العقوبات على الباحثين، وشركات الدواء التى تجور على حقوق المبحوثين.
توصيات للبرلمان
وأوضح غنام أنه تم تقديم العديد من التوصيات للبرلمان قبل سن ومناقشة التشريع ومنها ضروة إنشاء إطار موحد تشريعى للتجارب السريرية، معزز بنظام مراقبة فعال ومستقل، وتنظيم تمويل التجارب السريرية ومراقبة الإجراءات وإجبار شركات الأدوية على إعلان نتائج البحث بشفافية وأن تقر بمسؤوليتها القانونية وبخاصة تجاه المشاركين، وتنظيم كيفية الحصول على موافقة المشاركين بالتجارب السريرية وحصولهم على المعلومات وتحديد المسؤولية القانونية حال انتهاك القانون على الشركة الراعية للتجارب وليس الباحثين، مع وضع معايير تشريعية وتنظيمية لضمان حصول المرضى على العلاج بعد انتهاء التجربة، والتأكد من منع إجراء التجارب السريرية تحت رعاية الشركات متعددة الجنسيات إلا إذا تم الترخيص التسويقى للدواء المختبر فى البلد المصنع له، واتخاذ إعلان هلسنكى والمبادئ التوجيهية لمجلس المنظمات الدولية للعلوم الطبية كمرجع.
وتابع غنام: على الجهات الرقابية توفير قاعدة بيانات شفافة، دقيقة وشاملة للتجارب السريرية التى تتم فى مصر ونشرها على شبكة الإنترنت، وأيضًا وضع ضوابط لاختيار وتشكيل مجالس المراجعة المؤسسية (IRBs)، وضرورة اعتماد وثيقة وطنية لحقوق المرضى فى مصر على أن تنص بوضوح على حقوق المرضى المصريين بشأن الموافقة المستنيرة، وتمكين المجتمع المدنى من لعب دوره فى كشف الممارسات غير الأخلاقية للتجارب السريرية فى مصر.
دور الأطباء
فيما استنكر الدكتور رشوان شعبان، أمين عام مساعد نقابة الأطباء، مشاركة بعض الأطباء فى التجارب على المرضى دون التنسيق مع لجنة أخلاقيات البحث العلمى، موضحا أنه فى حال ثبوت الجريمة على الطبيب يحال على الفور للجنة آداب المهنة، ويتم عقابه بالجزاء بداية من اللوم وحتى الشطب النهائى من نقابة الأطباء.
انتقاد "الصحة"
موقف وزارة الصحة من أزمة التجارب السريرية، أوضحه دكتور أحمد عماد الدين، قائلا إن القرارات الوزارية التى كانت تصدر لا تسمح بمعاقبة من يُعد هذا البحث بشكل غير مقنن، والقانون الجديد سيقضى بأن تكون هناك دراسة طبية قبل البحث، وسيعمل على تفعيل الدستور المصرى بنص المادة رقم 23 بأن تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، والمادة 60 والتى حرمت الاعتداء على جسد الإنسان أو تشويهه.