البث المباشر الراديو 9090
ترامب
يتطلع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الشهر المقبل، لكن الأمر يبدو أنه مجرد تطلعات يصعب تحقيقها فعليا على أرض الواقع.

تطلعات ترامب التى عبر عنها على "تويتر" قبل ساعات ما هى إلا تنفيذ فعلى لاعتراف الولايات المتحدة فى 6 ديسمبر الماضى، بالقدس عاصمة لإسرائيل، فى خطوة مخالفة لجميع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصفة القانونية للقدس.

يمكن القول أن ترامب يعلم جيدا عواقب قرارته، لذلك فهو يمهد لنقل السفارة بعدة حيّل وردت على لسان مسؤول بالخارجية الأمريكية منذ فترة ففى البداية ينقل السفارة لمقر مؤقت ليتحسس الأمور فى الجتمع العربى، بينما هو يجهز مكان للسفارة محصن بأحدث الوسائل والطرق التى يحمى أعضاء السفارة من أى عمليات إرهابية قد تقع فى المستقبل.

مبنى مؤقت

ويريد ترامب أن يؤكد للعالم أنه قال وفعل، لكن فى الوقت ذاته يخشى عواقب قرارته، وهو ما بدا فى تصريح أدلى به مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، لشبكة "CNN" الإخبارية فى فبراير الماضى، إذ قال "إنه من المتوقع أن تنقل الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس فى مايو المقبل، وذلك بعد قرار ترامب، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن السفارة ستنتقل إلى مقر مؤقت فى القدس وهو عبارة عن منشأة أمريكية تكفى السفير وفريق صغير، وأن هذه المنشأة الأمريكية ستصبح مقر السفارة إلى أن يتم اختيار موقع دائم وإعداد التصاميم للمبنى الجديد".

وحتى قبل تصريحات المسؤول الأمريكى للـ"CNN" فكان وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون صرح بأن تصميم وبناء المقر الجديد للسفارة قد يستغرق سنوات، إذ قال فى ديسمبر الماضى "إننا مازلنا بحاجة لموقع لوضع خطط بناء، وتأمين التصريحات اللازمة ومن ثم بناء السفارة."

طريق الهروب

وعلى صدر صفحتها الأولى قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن أعمال البناء فى مقر السفارة الأمريكية الجديد فى القدس، تواجه عراقيل بسبب عدم منح الحكومة الإسرائيلية التصريح اللازم لبناء جدار حولها، طلب تشييده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مشيرة إلى أن هذا الإجراء قد يؤجل افتتاح السفارة الأمريكية فى إسرائيل، المقرر فى 14 مايو المقبل.

ومن أبرز العقبات التى تواجه بناء السفارة الأمريكية هو أن الأمريكيين طرحوا بعض المطالب الأمنية، من بينها شق طريق هروب بطول 750 متر وعرض 7 أمتار، وبناء جدار حول السفارة ارتفاعه 3 أمتار، وذلك قبل انتقال ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة فى إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس.

عقبات فنية

ولم تكن صحيفة "هآرتس" أول صحيفة تشير إلى العقبات التى تواجها السفارة الأمريكية لنقلها إلى القدس فقد ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أنه من المحتمل أن يتم تأجيل موعد نقل سفارة أمريكا إلى القدس المقرر لها، فى مايو، لأسباب فنية، حتى بالرغم من التعهدات التى تعهد بها رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى وقت سابق، بأن يتم التغلب على الإجراءات الروتينية المتعلقة بأعمال التشييد قبل الموعد المقرر لنقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس فى 14 مايو المقبل.

وبالرغم من أن الحكومة الإسرائيلية أعفت السفارة من كافة التكاليف والتصاريح اللازمة للبناء فى مقر السفارة الجديد، فإن شركة "موريا لتطوير القدس"، التى تتولى تنفيذ المشروع لم تحصل على خرائط بناء للجدار المقترح من ترامب حتى الآن وهو ما يعنى أن السفارة الأمريكية ستنتقل إلى مقر مؤقت فى القدس.

مخالفات دولية

أدار الرئيس الأمريكى للعالم أجمع ظهره وتجرأ وأعلن القدس عاصمة لإسرائيل، بالرغم من أنه يعلم جيدا أن دولة الاحتلال استولت على القدس الغربية فى أعقاب حرب العام 1948، والقدس الشرقية فى حرب العام 1967، ولم تحظَ أى من عمليتى الاستيلاء العسكريتين باعتراف دولى، لكنه انساق وراء قرار الكونجرس الأمريكى الذى تبنى عام 1995 "قانون سفارة القدس"، والذى يعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل غير قابلة للتقسيم، ولم يتعلم من سابقيه فهو يعلم كل العلم أن جميع الرؤساء الأمريكيين أجلوا قرار نقل السفارة الأمريكية منذ صدور القرار للحفاظ على مصالح الأمن القومى، لكن ضرب بالمصالح عرض الحائط ووافق على قرار نقل السفارة.

ويعارض ترامب أيضا بهذه الخطوة قرار التقسيم التى اتخذته الأمم المتحدة عام 1947 لجعل القدس منطقة دولية، وإبقائها مفتوحة أمام الأديان السماوية الثلاثة، كما يناقض اتفاقية أوسلو لعام 1993 ومن ثم ستبقى قضية القدس إحدى القضايا الرئيسية الخمس الواجب تسويتها فى مفاوضات السلام النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

تصعيد العمليات

من المتوقع أن توسع هذه الخطوة الهوة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فبعد انتهاء مؤتمر باريس حول السلام بالشرق الأوسط، أعربت فيديريكا موجيرينى، رئيسة الشؤون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى عن قلقها من أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيكون له عواقب وخيمة، ونصحت إدارة ترامب بعدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقالت إنها قلقة من أن يثير ذلك اضطرابات شعبية فى أنحاء العالم، هذا فضلا عن أنه سيقوّض عملية السلام، وسيتسبب فى تصعيد العمليات العسكرية فى القدس بين العرب والإسرائيليين.

الدعم العربى

ومن المتوقع أن تؤدى خطوة نقل السفارة إلى إلى تراجع الدعم من قبل الأنظمة العربية المؤيدة للأمريكيين على غرار الأردن والسعودية والمغرب ومصر، وهى دول تحتاجها الولايات المتحدة كحلفاءٍ لها فى حربها ضد الإرهاب وضد تنظيم داعش الإرهابى، وربما يؤدى هذا القرار إلى استهداف المصالح الأمريكية فى المنطقة العربية، ويزيد من عزلة الولايات المتحدة فى العالم العربى، وهو ما أوضحه ملك الأردن عبد الله الثانى خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، قائلا لترامب إن "نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يهدد حل الدولتين ويزيد من حدة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى"، كما أن هذه الخطوة قد تولّد اضطرابات فى الشارع العربى، مقوضه بذلك التعاون الخجول بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة.

حرب الأديان

وهناك مخاوف من أن تكتسى هذه الخطوة أبعادًا دينية عميقة فى العالمين الإسلامى والمسيحى، ففى العالم الإسلامى، ستعتبرها الجماهير جزءًا من الحرب التى تشنها إدارة ترامب على الإسلام، مما قد يدفع بالكثيرين إلى دعم أيديولوجية تنظيم "داعش"، وبدلًا من اجتثاث الإرهاب الإسلامى المتطرف من على وجه الأرض، كما تعهد ترامب في خطاب تنصيبه، ستؤدى تلك الخطوة إلى تقويته، أما فى العالم المسيحى، فستُعتبر تلك الخطوة تنازلًا عن القدس لصالح الديانة اليهودية، كما ستشكل تجاهلًا لحقوق المسيحيين الدينية ومراكزهم الدينية فى المدينة المقدسة، وبالتالى ستشعل هذه الخطوة الأوضاع فى المنطقة.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز