الملك رمسيس الثانى
تبدأ الحكاية فى عام 1958م، بعد نجاح الدكتور محمد عبد القادر فى استخراج رديم معبد الأقصر الذى ضم تمثالين للملك رمسيس الثانى كانا قد تحطما فى وقت سابق من القرن الرابع أو الخامس الميلادى إلى أكثر من 66 قطعة، ولم يبق من التمثال سوى 60% من حجمه الأساسى، والباقى مفقود.
وأسفرت عمليات الحفر التى تمت بدعم من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن استخراج حطام التمثالين ورفعهم على مصاطب حجرية، وكافأ الرئيس عبد الناصر الأثرى الكبير بمنحة قدرت بعشرة آلاف جنيها مصريا وهو مبلغ ضخم فى ذلك الوقت، واستطاعت الأيادى المصرية ترميم واحدا من التمثالين واحتفلت بإعادته لموقعه الأصلى فى 18 أبريل الماضى فى حفل عالمى.
وتشهد الأقصر غدا الجمعة الموافق العشرين من أبريل الجارى احتفالية ضخمة بنجاح بعثة المرممين المصريين فى إعادة تجميع وترميم تمثال رمسيس الثانى ورفعه من جديد على واجهة معبد الأقصر، الواقع فى الطرف من ممر الكباش، والذى تنقل لنا الصور التاريخية أنه كان يتزين بـ 6 تماثيل للملك العظيم، الذى لقب ببناء مصر العظيم، ويعد رمسيس الثانى أحد أهم ملوك الأسرة الثامنة عشر، وتولى حكم مصر لمدة 67 عاما بدأت من عام 1304 حتى 1237 ق.م، ويعد رمسيس الثانى من أعظم ملوك مصر الذى استطاع تشييد أعمال معمارية فى كل أرجاء مصر، حتى استحق لقب بناء مصر العظيم.
التمثال المصنوع من الجرانيت الأسود والذى يزن 60 طنا، بطول 11.7 متر، كان يقف ضمن 6 تماثيل تزين الصرح الامامى الموجود أمام المعبد، بالإضافة إلى مسلتين و 4 ساريات اعلام، ويصور التمثال الملك فى فترة شبابه، حيث أبدع المصرى القديم فى نحت وتصوير التمثال والذى يظهر فيه الملك رمسيس الثانى بزيه العسكرى.
واستطاع فريق من المرممين المصريين بقيادة الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ورئيس البعثة الأثرية المصرية التى قامت بترميم التمثال ضمن مشروع إحياء واجهة معبد الأقصر الرئيسية والتى تهدمت منذ أكثر من 1600 عام، والتى تضم 6 تماثيل، عثر على نصفها فقط على واجهة المعبد، فيما عثر على التمثالين الأخرين بعد الحفريات التى أجراها عبد القادر فى خمسينات القرن الماضى.
تطلبت عملية الترميم مجهود كبير لتجميع القطع الأثرية وترميمها وتركيبها بما يراعى التطابق وانتظام الكتابات والحروف وتجميع تلك القطع المتواجدة على مصاطب مختلفة، وهو مجهود كبير بسبب ضخامة أحجام تلك القطه وتشابهها الكبير.
واللافت للانتباه أن عملية جمع تلك الأحجار استغرقت 3 أشهر فقط، فيما استمر العمل لثلاثة أشهر أخرى لتجميع وترميم تلك القطع وتركيبها لتظهر فى الصورة النهائية للتمثال، بيقف من جديد على واجهة المعبد، تماما كما كان منذ 1600 سنة، بأيدى مصرية خالصة وللمرة الثانية على التوالى بعد نجاحهم فى ترميم التمثال الثانى فى العام الماضى.
وتضمنت عملية الترميم مرحلة التوثيق الأثرى وتصوير كل الكتل، وتنظيف من الأتربة والعوالق، وتقوية الأجزاء الضعيفة من التمثال، بعدها تمت عملية التجميع بتركيب كل كتلتين متجاورتين معا، ولصقهما بمادة أيبوكسية تليها مرحلة التسليح بأسياخ الإستانلستيل.
عملية الترميم التى بدأت من الرأس من حيث الترميم، والتى مثلت الجزء الأسهل من التمثال بسبب العثور عليها فى حالة جيدة شبه متماسكة ومرفوعة على مصطبة، لكن الأمر لم يكن بنفس الصورة فيما يخص باقى جسم التمثال والذى عثر على 60% منه فقط، فيما استعانت البعثة بمونة مناسبة لطبيعة حجر الجرانيت الأسود لاستكمال ترميم جسم التمثال، والذى بدأت أعمال ترميمه من أسفل إلى الأعلى مدعومة بالعثور على جزء من القدم والتى ساعدت على استكمال عملية الترميم.
وتكلفت عملية ترميم التمثال 250 ألف جنيه مصرى، والذى يعد مبلغا زهيدا مقارنة بحجم العمل الذى تم إنجازه، سواء من الناحية الفنية أو الناحية التاريخية التى تحدد قيمة هذا الأثر، واعتمدت على عملية الترميم على وسائل ومون حديثة معمول بها فى جميع أنحاء العالم.
قصة جديدة تجمع ملوك الماضى بعظمة وعبقرية الأحفاد، ممن يسطرون التاريخ بأحرف مضيئة تجمع عظمة وعراقة الماضى، وتستشرف المستقبل بعيون وأنامل مصرية.