البث المباشر الراديو 9090
أردوغان
لا شك أن فوز أردوغان برئاسة تركيا، يعد فصلا جديدًا من الديكتاتورية وتوتر المنطقة بأسرها، لا سيما بعد أن منح لنفسه فى الدستور المعدَّل صلاحيات تقهر البرلمان وتسيطر على الجيش وتقضى على المعارضة..

وفاز الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على منافسيه فى الانتخابات الرئاسية المبكرة التى دعا إليها، خلال الجولة الأولى منها، حاصدا أكثر من نصف عدد المصوتين بقليل، ليمنح الرئيس التركى نفسه صلاحيات دستورية مطلقة أتاحها له الدستور "المعدَّل"، والذى دعا أيضًا، لتعديله، ومن ثمَّ تمت الموافقة عليه.

تلك الصلاحيات المطلقة كان يفكر فيها أردوغان بالفعل بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عليه خلال عام 2016، كى يضع كل مقاليد الحكم فى يديه، فلا يترك نافذة لمحاولة تصحيحية أخرى للمسار غير الديمقراطى الذى رسمه الرئيس القريب من جماعة الإخوان الإرهابية منذ فترة.

"سيتمكن رئيس الجمهورية من تعيين أكثر من نائب واحد له".. هذا من ضمن التعديلات التى خرجت أصوات تركية لتؤكد أنه بهذا يرسَّخ لحكم الفرد لا لحكم المؤسسات الأخرى، وهو انقلاب واضح على أسس الدولة التى وضعها أتاتورك فى أوائل القرن الماضى.

ربما يستخدم أردوغان مواد تعديل الدستور فى الانضمام بشكل رسمى إلى حزبه ذى الهوية الإخوانية "العدالة والتنمية"، حيث نصت التعديلات على إعطاء الحرية للرئيس للانضمام إلى أى حزب يوافق هواه، وتنص المواد على إلغاء القانون الذى يقضى بقطع صلة رئيس الجمهورية المنتخب عن الحزب السياسى الذى ينتمى إليه، وبهذا من الوارد جداً أن يخرج أردوغان قريباً لكى يعلن للعامة أنه بات رئيساً لحزب "العدالة والتنمية" بشكل رسمى، وليس من وراء ستار كما كان حادثًا من قبل.

تدخلات أردوغان فى تعيينات الجيش، والقضاة، والسلك الدبلوماسى، وما إلى آخرها من مناصب حيوية يجعل هناك عدم فصل واضحا بين السلطات، حيث كان ذلك مسار اعتراضات للمعارضة التركية التى أقمعها أردوغان خلال الفترة القصيرة الماضية، فأخرس الألسنة، وكمم الأفواه الإعلامية والصحفية إما بالمصادرة، وإما بالقبض على القائمين عليها، فلم تصبح هناك دولة ديمقراطية مثلما يتشدق الكثيرون، بل صارت هناك دولة قمعية، والدليل على ذلك ما يحدث لعملتها المحلية، والتى صارت على وشك الانهيار.

تبدأ ولاية أردوغان عقب تنصيبه وتستمر لمدة 5 سنوات ويحق له الترشح إلى ولاية جديدة فى عام 2023، ما يعنى أن فرص بقائه حتى 2028 ستظل قائمة، وفقًا للتعديلات، كما أن فوزه يعنى أن فى يده صلاحية إلغاء منصب رئيس الوزراء، وكذلك يحق له تعيين الوزراء وإصدار مراسم تشريعية وهى سلطة كانت مطلقة للبرلمان، الذى حصد حزبه أغلبية كذلك.

ويحق لأردوغان أيضًا، حل البرلمان، كما يتولى إعداد الموازنة السنوية، إضافة إلى صلاحية تعيين أو عزل رئيس هيئة الأركان، وعمداء الجامعات، وبعض أرفع القضاة، إضافة إلى فرض حالة الطوارئ.

الأنباء التى تواترت، والتى أوردها الصحفى جهاد الخازن فى مقال سابق له يناير الماضى، أكدت أن 70 صحفيًا مثلوا أمام المحاكم فى أسبوع واحد، بعد أن تحول الحكم فى تركيا من ديمقراطية صاخبة إلى ديكتاتورية، ومنهم أوغز غوفن، رئيس تحرير الموقع الإلكترونى لجريدة "جمهورييت"، عندما نشر مقالاً يهاجم فيه أردوغان ويشبهه بـ"كلب الصيد الإنجليزى"، والنتيجة أن أردوغان ثار ولم يهدأ بعد، حتى إن غوفن يُحاكم الآن بتهمة الإساءة إلى الرئيس، وهى تهمة موجودة بالفعل فى القوانين التركية التى وضعها أردوغان.

آمال الكثيرين فى تنحية أردوغان باتت فى مهب الريح، بعد فوزه "المتوقع" الأخير، إذ ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، أن الانتخابات التركية، كانت فرصة ذهبية للشعب التركى من أجل كبح جماح الديكتاتور، وأن الناخبين كانت أمامهم فرصة لوقف استبداد الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان وإسقاط سلطته الظالمة، فى انتخابات أجريت قبل موعدها الرسمى بنحو عام ونصف العام.

وأضافت الصحيفة البريطانية أن أردوغان رغب فى إرباك المعارضة بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية، وكذلك أراد التشويش على الانهيار الاقتصادى للبلاد، والسيطرة على الحكم قبل وقوع الأزمة الاقتصادية، وتزايد الخلافات مع دول العالم الخارجى.

فعل أردوغان كل شىء حتى لا يخسر هذه الانتخابات، حيث إنه قبل انطلاق السباق الانتخابى أغلق جميع الصحف المعارضة، وسجن عددًا كبيرًا من الصحفيين، وقادة المعارضة، كما شنَّ حملات عسكرية فى سوريا والعراق بزعم محاربة الإرهاب لحشد الأصوات، وبالفعل تحقق له ما أراد.

فوز أردوغان لا يعنى سوى ترسيخ للحكم الديكتاتورى فى أنقرة، وإنذار بانهيارات أكثر على الجانب الاقتصادى، وزيادة فى توترات المنطقة لما لتركيا من دور واضح فى زعزعة استقرار المنطقة، وتحديدًا فى الحرب الدائرة رحاها فى سوريا، والوضع القائم فى العراق.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز