حقوق الإنسان
وقد شاركت مصر منذ اللحظات الأولى فى صياغة ذلك الإعلان العالمى، بمشاركة السفير محمود عزمى، مندوب مصر لدى الأمم المتحدة آنذاك، إذ لم تكن الحركة الحقوقية المصرية وليدة اللحظة، إنما مرت بعدة مراحل حتى وصلت إلى شكلها التنظيمى المؤسسى فى 1989، ومراحل تطور نوعية وفى مستوى الأنشطة إلى أن ظهرت منظمة حقوق الإنسان المصرية.
توجهات سياسية معادية للدولة
إلا أن تاريخ انخراط التوجهات السياسية داخل العمل الحقوقى، إضافة إلى ما أعقبه من قضايا التمويل الأجنبى لتلك المنظمات وصل بها إلى مستقبل يكتنفه الغموض، وحالة تحتاج إلى فورة تصحيح بأجيال حقوقية محايدة بعيدًا عن الإصرار على معاداة الدولة.
وقد يؤكد الوضع على الأرض أن هناك ثمة إنذار بثورة تصحيح لمسار العمل الحقوقى فى مصر فى ظل تطلع حكومة البلاد إلى عملية البناء على كافة المستويات، الاقتصادية والأمنية والسياسية والقيادية وحتى على مستوى بناء الإنسان المصرى نفسه.
مصر فى قلب الحراك الحقوقى العالمى
وإذا كانت الحركة الحقوقية قد بدأت فى دول أوروبا وأمريكا مبكرًا، إلا أن مصر لم تكن بمنأى أبدًا عن تطور التنظيم الحقوقى العالمى، حتى بالرغم من ظروف الاحتلال ثم انشغال الرئيس جمال عبد الناصر بعملية البناء فى الستينات وأوائل السبعينات، ثم الدخول فى حرب الكرامة لاسترداد الأرض التى احتلتها إسرائيل حتى 1973، وبدءًا من مشاركة مصر فى عصبة الأمم للمناداة بالاستقلال حتى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948 كانت مصر فى القلب من الأحداث والتشكيلات الحقوقية العالمية.
على أية حال ظلت مصادقة مصر على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان مؤجلة إلى أن أنهت معركتها مع إسرائيل وإتمام عملية السلام، وببداية الاستقرار النسبى للدولة المصرية فى نهاية الثمانينيات بدأت مصر بالتصديق تباعًا على الاتفاقيات المعنية بضمان الدولة لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على السواء.
تأسيس أول منظمة حقوقية عربية فى مصر
وفى عام 1983 كانت دعوة من قيادات الفكر اليسارى والقومى أنداك لتأسيس أول منظمة عربية لحقوق الإنسان، وكاتن فى مقدمتهم محمد فايق رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان حاليًا، وكان مؤتمر التأسيس فى مدينة ليما سول بقبرص، واتخذت المؤسسة من القاهرة مقرًا رئيسيًا لها.
وكانت تلك المنظمة المصرية فاتحة التأسيس لمنظمات وطنية فى بلاد عربية معنية بحقوق الإنسان، كان من بينها «الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان» ١٩٨٣، و«المنظمة السودانية لحقوق الإنسان» ١٩٨٤ فى السودان، و«الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان» ١٩٨٤ فى الجزائر، و«المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» فى مصر١٩٨٥، وفى لبنان «الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان» ١٩٨٥.
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.. ولكن!
تم تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التى ترأسها الراحل محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية الأسبق، وضم مجلس أمنائها أغلبية قيادات اليسار والناصريين، وفى الحقيقة كانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فرصة لظهور جيل ثان من الحقوقيين بعيدًا عن سطوة وكاريزما جيل الرواد، إلا أن الجيل ذاته ضم حقوقيين عملوا بتمويلات أجنبية، وهنا بدأت المنظمات الحقوقية التى تنامى عددها إلى قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار فى أى لحظة، خصوصًا مع توافر الأمراض التى ولدت بها هذه الحركة.
ووفقًا لخبراء حقوقيين، فقد كانت الحركة الحقوقية تحمل فى طياتها أمراضها السياسية بكل مظاهرها وفقًا لطبيعة نشأتها، من شلليه وانحياز لفصيل معين على حساب أخر، والتخوين والتآمر وحب الظهور، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وغيرها من الأمراض السياسية الشائعة، ولم يكن هذا غريبًا فقد نشأت الحركة فى ظل سياق سياسى إقليمى ومحلى مرتبك، فقد كانت الحرب الأهلية فى لبنان من ناحية والصراع بين جنوب وشمال السودان من ناحية أخرى، هذا بالإضافة إلى معارك مصر الداخلية فى الحرب على الإرهاب والجماعات الإسلامية المتطرفة عقب اغتيال الرئيس أنور السادات.
كل هذه الأمور دفعت المنشغلين والمشتغلين بالسياسة للبحث عن نافذة للعمل العام بعيدا عن الصراعات السياسة الدائرة من ناحية وبعيدًا عن القوانين التى كانت تفرض بعض القيود على ممارسة العمل السياسى والعام بحرية من ناحية أخرى، فكانت المنظمات الحقوقية ملجأً للعديد منهم.
وعلى عكس الحركة الحقوقية التى قادها حقوقيون ضد الشيوعية والشمولية التى تتنافى مع حقوق الإنسان، بدأ الحركة الحقوقية فى مصر اليسار والشيوعيون، ثم انضم إليهم الإخوان، ممن أسسوا مراكز خاصة فيما بعد، رغم أن المبادئ الحقوقية تتنافى مع مبادئهم تمامًا.
حرب الخليج والتمويل الأجنبى
وعلى مدار خمس سنوات تمكن الجيل الثانى من ممارسة نشاطه، ومن داخل غرفة بمقر المنظمة العربية لحقوق الإنسان استحدثوا وحدة بعنوان "العمل الميداني"، أو "وحدة التوثيق والرصد"، إلا أن حرب الخليج عام 1991 بين العراق والكويت وانقسام الآراء بين مؤد ومعارض تسبب فى توقف التمويل الكويتى للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وبالتالى للمنظمة المصرية، وهنا كانت حرب الخليج سببًا فى توجه الحركة نحو التمويل الأجنبى.
وكان فى مقدمة جيل الوسط من الحقوقيين أنذاك هشام مبارك المحامى والناشط اليسارى، ومعه المحاميان الناصريان: ناصر أمين وحافظ أبو سعده.
شروط التمويل
وبدأت مراحل الانقسام الأولى بين فريقين من الحقوقيين، أحدهما يرى ضرورة التوجه للحصول على التمويل الأجنبى، بينما الفريق الآخر يرفض بشدة فكرة التمويل الأجنبى!
وتزعم الحقوقى عبدالله خليل والمرحوم محمد السيد سعيد ـ وقد تم انتخابهما كعضوين لمجلس أمناء المنظمة المصرية منذ 1991 حتى 1994 ـ وجهة النظر الوسطية، وهى قبول التمويل المشروط بثلاثة شروط، أولاً: عدم قبول التمويل الأجنبى من الحكومات، وثانيًا: أن تكون الجهة المانحة مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطينى فى استعادة أراضيه، وثالثًا: أن يتم الإعلان عن مصادر التمويل، وهى الشروط التى لم يلتزم بها السواد الأعظم من المراكز الحقوقية فيما بعد، بل واتجهت للحصول على تمويلات من منظمات صهيونية أو إسرائيلية مستترة كما كان واضحًا فى حالة مركز ابن خلدون الإخوانى ومديره سعد الدين إبراهيم الذى سافر إلى إسرائيل مرات عديدة.
وفتحت المنظمة المصرية أبوابها للتمويل الأجنبى لأول مرة، وحصلت المنظمة فى ذلك العام على منح من كل من المنظمة الهولندية للتعاون الإنمائى «نوفيب»، وهيئة الكنيسة السويدية، ومنظمة «أوكسفام»، والصندوق الأوروبى لحقوق الإنسان، ومؤسسة «جلوبال» للنساء، والمركز الدولى لحقوق الإنسان وتنمية الديمقراطية، والصندوق السويدى لتمويل المنظمات غير الحكومية.
فى تلك الفترة وقبلها بقليل كان كل من أعضاء المنظمة شكلوا مراكزهم الخاصة للعمل بالتوازى مع المنظمة المصرية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وحتى تكون منافذ توزيع للمنح الأجنبية التى جرى تلقيها فى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
وفى يناير 1994 كانت الحركة الحقوقية على موعد مع أول انقسام سياسى بين قيادات وأعضاء المنظمة من الشيوعيين والناصريين وفى الجمعية العمومية تلك استطاع فريق الناصريين السيطرة على الموقف، وآثر اليساريون الابتعاد عن المنظمة المصرية وعاد كل منهم إلى مركزه الخاص.
10 سنوات من الصراعات السياسية
وبعد 10 سنوات من الخلافات والانقسامات التى كان ظاهرها العمل الحقوقى، بينما باطنها وأصلها صراعات سياسية ضيقة، بدأ التمرد من الجيل الثانى فى مواجهه جيل الرواد، ثم دب الصراع بين الجيل الثانى وبعضهم البعض، إذ كانوا من التياران "الشيوعى والناصرى"، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد كانت حقبة التسعينات تربة خصبة للصراع الخفى بين الأجنحة الناصرية داخل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
وكان الصراع تحديدًا بين مجموعة الناصريين "الميثاقيين"، وكان يمثلهم فى ذلك الوقت نجاد البرعى وأحمد عبدالحفيظ وناصر أمين وحافظ أبوسعدة، وبين مجموعة "المنهجيين" التى كان يتزعمها المحامى محمد منيب والإعلامى الدكتور محمد بسيونى، وانتهت بضربة قاصمة من مجموعة حمدين، أجبرت خلالها مجموعة ضياء الدين داوود على تقديم نجاد البرعى لاستقالته، وتولى محمد منيب منصب الأمين العام والإعلامى دكتور محمد بسيونى منصب الأمين العام.
السياسة تقلب الطاولة
المتابعون عن كثب وبحياد يصفون الموقف بأنه كوميديا سوداء، فرغم تعارض نظريات ماركس والفكر الشيوعى مع العمل الحقوقى الذى يعلى من قيمة الفرد وحرياته، إلا أن شباب اليسار والشيوعيين تسارعوا وتكالبوا على المنظمات الحقوقية بمنطق الانتهازية، وللأسف بنفس قناعاتهم السياسية ونفس العداء الذى يكنه هؤلاء السياسيون للدولة بنظريات الكتب!
حقًا كوميديا سوداء، دفع العمل الحقوقى ثمنها غاليًا، فقد مارس اليسار الذى سيطر على مراكز ومنظمات حقوق الإنسان العمل الحقوقى بنفس قناعاته الراسخة برفض فكر الدولة والنظرة الدائمة لها على أنها أكذوبة اخترعها أصحاب رؤوس الأموال للسيطرة واستغلال الطبقات الكادحة.
ويؤكد سعيد عبد الحافظ، أحد أبرز الحقوقيين، أنه بمنطق لا يخلو من الانتهازية انخرط اليساريون فى العمل الحقوقى الممول من الأمريكان رمز الإمبريالية الاستعمارية فى تناقض واضح مع ما زعموه من مبادئ، مؤكدًا أن ذلك لم يكن أبدًا حبًا فى الدفاع عن حقوق الإنسان بل من أجل حلمهم المنشود فى إقامة دولة البروليتاريا أو الثورة الاشتراكية.
واشتعلت مظاهر الصراع الذى بدأ فى الثمانينات بين حاملى لواء العمل الحقوقى، وتزايد اشتعالاً فى التسعينات، إذ شهدت تلك الفترة خروج هشام مبارك وزملاؤه من اليساريين من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تمامًا، وتحول بمجموعته فى مركز المساعدة القانونية إلى التنافس مع المنظمة فيما يشبه حربًا باردة، ثم لم يلبث الأمر إلى خلاف جديد بين مجموعة هشام مبارك نفسها بسبب خلافات المصالح هذه المرة.
وحتى فى وقت تنفيذ أول حملة لمراقبة الانتخابات التشريعية فى مصر عام 1995، ظهر الخلاف مجددًا بين المنظمة المصرية ومركز المساعدة، وأصدر كل منهما تقريره المنفصل دون تنسيق، وتعمق الخلاف بينهما أكثر، ولم تهدأ حدة الصراع إلا بعد الموت المفاجئ للمرحوم هشام مبارك مدير مركز المساعدة.
فى تلك الفترة ظهرت كيانات حقوقية عديدة، كما حدثت حركة تنقلات لأسماء حقوقية من مركز لأخر، وكله حسب التوافق السياسى ولم يكن فى الحقيقة للعمل الحقوقى صلة بالأمور.
حقوقيون فى خدمة الخارجية الأمريكية
بوصفها الأقرب للصواب لم تكن حركة حقوقية معنية بمبادئ حقوق الإنسان بقدر ما كانت حركة سياسية أميبية، تنقسم كل يوم لتتولد خلية جديدة أو منظمة جديدة، وإذا كانت تلك المنظمات صدقت فعلاً فى أن هدفها المواطن ورفاهيته، فلم تكن تلك الانقسامات مبررة!
وهنا يشير الباحث الحقوقى، سعيد عبد الحافظ، إلى أن تلك الفترة ذاتها هى التى أطلق فيها كولن باول وزير الخارجية الأمريكية مبادرته التى عرفت بمبادرة الشرق الأوسط الكبير، والتى رصد لها 30 مليون دولار للمنظمات الحقوقية بالمنطقة، للقيام بما أسمته المبادرة الأمريكية بالإصلاح السياسى فى الدول العربية، وهو ما يفسر أسباب تركيز الحركة الحقوقية فى مصر على الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية، وإهمالهم الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين فى مصر.
تخريب وتآمر باسم «حقوق الإنسان»
وهنا تحولت الحركة الحقوقية إلى مظاهر واضحة لتخريب الأوطان، فالتمويل والجوائز الدولية، والسفر المتعدد خارج البلاد، والعلاقات مع أعضاء فى دول الاتحاد الأوروبى والكونجرس الامريكى، كانت جميعها جواز مرور لاهتمام الناشط بالعمل فى مجال الحقوق المدنية والسياسية، وهو ما يفسر أيضًا أسباب تحول المنظمات الأمريكية من مجرد مانح للمنظمات المصرية إلى منظمات موجودة بمصر ولها مكاتبها، بل وتعمل بيديها، واقتصر دور المنظمات المصرية حتى صاحبة الخبرة منها على دور المنسق أو الميسر لعمل المنظمات الأجنبية فى مصر!
إن أسوأ ما ارتكبته تلك المنظمات الحقوقية كان نشر سمومها بين الشباب والأجيال الجديدة، فأصبحت مؤتمراتها ومنتدياتها وورش العمل المتعددة ـ بتمويل من الغرب ـ تستهدف الشباب، وتخلق لديهم دوافع عدائية ضد الوطن، وتصويره دائمًا بأنه العدو الأول الذى يجب محاربته، فأصبحت الأيديولوجية السياسية لتلك المنظمات حاضرة طوال الوقت داخل قاعات المحاضرات التى وجتهتها للشباب، بل وتجاوز الأمر ذلك إلى خلق مبادرات شبابية تعادى الدولة قبل 25 يناير، وهى المبادرات التى ظهرت على السطح بعد ذلك التاريخ، وكان من أبرزها حركة 6 أبريل وكفاية وغيرها.
وأصبح واقعًا مفروضًا على الأرض المصرية أن تكون وجوه المعارضة السياسية هم أنفسهم وجوه الحركة الحقوقية، وكذلك أبرز حقائب التمويل الأجنبى!
إعادة تشكيل الخريطة
استفاقت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، وأصبح لزامًا عليها التصدى لمحاولات التخريب، وهى فى نفس الوقت تسعى لترسيخ حقوق الإنسان وتعزيزها بين مواطنيها، فكان عليها أن تسهم بدورٍ جاد فى إيجاد حركة حقوقية حقيقية وجادة تضع مصر على خريطة العالم الإنسانية، وبدأت تلك المحاولات بإعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان، وإن لم يكن التشكيل الجديد أتى بثماره داخليًا حتى اللحظة.
المجلس القومى لمكافحة الإرهاب وحق المواطنة
وكان إعلان الرئيس السيسى عن حق جديد من حقوق الإنسان وهو مواجهة الإرهاب والتصدى له بمثابة إشارة بدء لتشكيل المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، وهو بدوره يسعى لإيجاد آليات تخلق أجيالاً جديدة تحارب التطرف وتنبذ العنف والتعصب بكافة أشكاله، كمبدأ أساسى لحقوق المواطنة والتمكين السياسى والاقتصادى لأجيال قادمة دون تفرقة.
قانون يكشف العورات
وهنا جاء القانون الجديد الذى أقرته الدولة المصرية لتنظيم عمل المجتمع المدنى، وهو ـ وفقًا لخبراء وحقوقيون ـ قانون كاشف وليس منشئًا، فهو لا ينشئ ولا يقيد حقا أصيلا للجمعيات فى القيام بدورها، ولكنه قانون يكشف عورات بعض الناشطين ممن وصلوا بالعمل الحقوقى إلى هذه المنطقة داكنة السواد، ذلك القانون الذى يحمل نشطاء وحقوقيون من الجيل الأول والثانى والثالث مسؤوليتهم التاريخية تجاه العمل الحقوقى بحجمها الكارثى، فبدلاً من أن يكون لمصر حركة حقوقية تقود العالم العربى والشرق الأوسط بدت مصر نفسها بلا أرضية حقوقية سليمة وصحية يمكن البناء عليها، وبات لزامًا على الدولة التدخل بمراكزٍ تنشأ من رحم الحكومة لتصحيح هذا المسار.
الخطايا السبعة لحاملى لواء الحركة الحقوقية
وعلى هذا كله يمكن أن نعدد أخطاءًا أساسية، أوردها الباحث سعيد عبد الحافظ فى مقالات متفرقة بالمواقع المصرية، وهى الخطايا التى ارتكبها الحقوقيين وهددت فى لحظات حرجة بنسف العمل الحقوقى فى مصر من جذوره، لاسيما وأنه جذور سياسية أكثر منها حقوقية أو تعنى بعموم أبناء القطر المصرى، وإنما مجرد دعم مستتر لفصيل سياسى يعادى الدولة مهما كان مسماه
الخطيئة الأولى
كانت نشأتها سياسية فى عام 1983 على أيدى القيادات اليسارية والناصرية، ومنها وعلى أيدى سياسيين فقط انطلقت الحركة الحقوقية المغموسة بأمراض السياسة، فغلب عليها الشلليه والانحياز لمصالح الفصيل والتيار السياسى على حساب المصلحة العامة والانغلاق والتآمر وتخوين الآخرين غير المتوافقين فى الرأى، والأهم وضع السلطة السياسية فى دور الخصم طوال الوقت، رغم أن الحقوقى يكون فى خصومة مع منتهكى حقوق الإنسان ويتعاون بطبيعة عمله مع الدولة لكشف المتورط!
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد انتهج رعيل العمل الحقوقى الأول والثانى نفس فكر التنظيمات السرية السياسية، فلجأوا لكيانات غير قانونية لخدمة أهدافهم، وهو ما عمق جراح الحركة الحقوقية.
الخطيئة الثانية
ولم يتورع الحقوقيين من العمل عمدًا على تشبيك علاقاتهم بالمنظمات الدولية والهيئات الدولية، ليس لتقوية العمل الحقوقى، وإنما للاستقواء الشخصى والذاتى بها فى مواجهة الحكومات المصرية المتعاقبة، متنصلين من أى احساس بالانتماء أو القومية، ولم يكن غريبًا أن يتبنى هؤلاء الحقوقيون أجندات تخدم الأفكار والمصالح الخارجية ضد بلدهم، وكله مقابل التمويلات الباهظة!
وهو ما يفسر كيف اندفعت منظمات مصرية للدفاع عن حقوق الشواذ والمثليين، أو منظمات تعمل على توفير حياة صحية لمرضى الإيدز أثناء العلاقات الشاذة، ومنظمات تدافع عن حقوق المثليين فى أماكن التعليم الجامعى.
ومؤخرًا كان لافتًا للانتباه تلك المنظمات التى تدافع عن حقوق الإرهابيين، وفى الوقت نفسه تصمت عن أى حقوق تتعلق بالشهداء، أو حتى حقوق المواطن البسيط وهمومه، وصمت أذنيها عن انتهاك الحق فى الحياة لضباط الشرطة أو الجيش أثناء جهودهم لمكافحة الإرهاب.
الخطيئة الثالثة
فى الوقت الذى تحصلت فيه المنظمات الحقوقية على مليارات الدولارات لمطالبة الدولة بممارسة الشفافية، كان أصحاب هذه المنظمات يمارسون العمل بمنطق التنظيمات السرية ومرة يعملون بكيانات غير قانونية، وحتى القانونى منهم لم يمارس الشفافية داخله يومًا، ولم تعلن يوما هذه المنظمات عن ميزانيتها على الرأى العام رغم أن التمويل قرين الشفافية، والمفترض أنه إذا حصلت المنظمة على تمويلات أجنبية دون الإفصاح والكشف عنها للرأى العام فحدث ولا حرج!
ويزداد السؤال عن شفافية تلك المنظمات إلحاحًا عندما نرصد تحولات اجتماعية واقتصادية هائلة لرواد هذه المنظمات، وعموما كان حجم التمويلات المذكورة فى القضية 173 بملايين الدولارات صادمًا للرأى العام
الخطيئة الرابعة
وكان مثيرًا للانتباه أن بعض المنظمات المصرية تصر على العمل كمراسلين أو مندوبين لبعض المنظمات الدولية لإمدادهم بالمعلومات المغلوطة عن حالة حقوق الإنسان فى مصر، وكلما زادت التقارير سوءًا وذمًا فى مصر والدولة المصرية كلما ارتفع الثمن والتسعيرة، بل وصل الأمر بمنظمات كالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان باستضافة منظمات أجنبية فى مقراتهم ومكاتبهم دون تصريح من الجهات المختصة، فى استقواء علنى بالخارج!
وهنا نذكر أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية استضافت مؤسسة الكرامة القطرية المشبوهة بمكتب المبادرة بجاردن سيتى، كما استضافت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مؤسسة هيومن رايتس ووتش بمكتب الشبكة بوسط البلد.
الخطيئة الخامسة
كذلك عمدت بعض هذه المنظمات على مخالفة القانون بتأسيس منظماتهم فى شكل شركات، إما تضامنًا وإما توصية بسيطة أو شرطة ذات مسئولية محدودة، فى تحايل صريح للحصول على المنح والأموال دون رقابة والصرف من تلك المنح دون الحصول على إذن من الوزارة المعنية وهى وزارة التضامن.
وتحايل بعض هذه المنظمات على القانون ووفق أوضاع منظمته طبقا لقانون الجمعيات 2002، ولكنه احتفظ بالمركز الخاص به أو شركته للحصول على تمويل أيضًا، ولم ينتبه أحد إلى الأسباب التى تدفع بحقوقى أو ناشط لامتلاك جمعية والإبقاء على مؤسسة أو شركة فى الوقت ذاته، وهذه إحدى العورات التى يتصدى لها القانون الحالى للجمعيات، فلا وقت للإفلات من القانون فى الدولة المصرية الجديدة.
الخطيئة السادسة
ورغم عملها بمنطق الدفاع عن حقوق الإنسان التى تقر المساواة بين المواطنين، إلا أن المنظمات الحقوقية تبنت قضايا صحفيين أو نشطاء تابعين لليسار، وغضوا الطرف عن أولئك المؤيدين للدولة فى مواقفها، فى حالة انتقائية شبه عنصرية.
الخطيئة السابعة
وبطبيعة النشأة السياسية للحركة الحقوقية، كان خلط الأوراق واضحًا لدى المنظمات الحقوقية المصرية بين العمل السياسى والحقوقى، وباتت الحركة الحقوقية المصرية مدخلاً لمصطلحات ومرادفات سياسية لا علاقة لها بأدبيات الاتفاقيات الدولية أو إصدارات ومراجع الأمم المتحدة.
وعمدًا فى التغليف السياسى للمسألة أطلقت بعض هذه المنظمات على نفسها لفظ المنظمات "المستقلة"، لتوحى للغرب الممول بأنها وحدها مستقلة وما عداها تابعة للسلطة التنفيذية، وسعت تلك المنظمات للغرب على أنها الصوت المعارض، وسعى الغرب إليها طعنًا فى الحكومات المصرية واستقرار البلاد، مرة لإرساء دعائم "الفوضى الخلاقة" التى أعلنت مستشارة الأمن القومى الأمريكى كونداليزا رايس، ومرة أخرى لإرساء ما أسموه بالشرق الأوسط الكبير، ومازالت تلك المنظمات ومدرائها يتبارون لتقديم أنفسهم للغرب كمتمردين ضد الحكومة للحصول على مزيد من التمويلات والمنح والجوائز!