أحمد الطيب- شيخ الأزهر
فيما بلغت "قذارة" المعركة الإخوانية ضد الأزهر، أن تم الطعن فى مفاهيم العقيدة والدين المقدمة من قبل المؤسسة العلمية العريقة، ما يصب تلقائيًا فى إذكاء معتقدات الملحدين النافرين من الدين ممن يعتبرونه ورجاله مجرد كهنوت لاستلاب حريات البشر.
ولا ينتهج فقه المعاملات السياسية الإخوانية، إن جاز التعبير، لا سيما فى معاركه ضد معارضيه، إلا كتالوج التشويه المتعمد، غير أن مس الأزهر ورجاله عبر الألسنة التنظيمية المتجاوزة، إنما يتخطى مجرد الخصومة، ليصل إلى حد التشكيك فى المنهج الإسلامى الوسطى المقدم من قبل منارة علمية راسخة.
وقس على ذلك، فإذا كان نفر من المسلمين يطعن فى شرعية "الشرع الأزهرى"، الذى يفترض فيه السماحة والتعقل، فما بالنا بمناهج السلفية المتشددة، إن الملحدين يجدون ما يدعم معتقداتهم بشأن مزاعم زيف الأمر برمته.
ولأسباب سياسية بحتة اعتبرت الجماعة الإرهابية الأزهر الشريف عدواً لها لسنوات وسنوات، ومن ثم تعاظمت كراهيتها للإمام الأكبر الحالى، الدكتور أحمد الطيب.
وبالتوازى مع ذلك، حافظ التنظيم وأبواقه الدعائية والإعلامية على صيغة هجوم واحدة لضرب هيبة ومصداقية الشيخ ومن ثم مشيخته، فكان الالتزام بالزعم بأنهما من مشايخ السلطان.
من زاوية الملحد تبدو كل مصادر الدين مثيرة للقلق بل وهادرة لكل الثوابت، السلفيون والوهابيون وجماعات الإسلام السياسى والجهادى، جميعهم متشددون وغاية فى الظلامية، وأصحاب المنهج الوسطى كالأزهر، ووفق ادعاءات من دعاة ومشايخ تنتمى لفصائل وواجهات دينية، متهمون بأنهم يحابون للسلطة ويهادنونها ويفتون على مقاس رغباتها.
إذن، ومن وجهة نظر كارهى الدين، سيصبح العيب فى العقيدة ذاتها، وسينظر إليها من جانبهم بأنها تفتقد لرابط حيوى يجمع الكل على كلمة سواء، بدلًا من يترك الأمر لصراع ضارٍ لا نهائى.
وبالطبع فإن تواصل عمليات هدر سمعة الشيوخ والمساجد الأزهرية، بالتوازى مع استحواذ منتجات الظلام وفقه البارود والنار من جانب منابر السلفية والوهابية وداعش وأخوته، لن يؤتى إلا مزيدًا من النفور من الدين.
وعلى مدار السنوات التالية لأحداث 25 يناير 2011، قاد الإخوان ومن خلفهم السلفيون ونفر غير قليل من جماعات العنف المسلح، معارك ضارية لهدر سمعة الأزهر وتشويه منتجه الفكرى والعلمى.
فمثلًا لم تكن مظاهرات العنف والإرهاب، التى قادها طلبة الإخوان فى جامعة الأزهر، بعد عزل محمد مرسى، إلا للانتقام من الدكتور أحمد الطيب، عقابًا له على الانحياز إلى 30 يونيو، ومن قبلها ضربه مخطط التمكين الإخوانى فى المشيخة الجامع والجامعة.
كان الهدف المباشر للمظاهرات الإخوانية الضغط على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ودفعه إلى الاستقالة، فالتنظيم لا يترك ثأره أبداً، فى حين أن عداوته مع الإمام الأكبر تعود إلى نهاية العام 2006 وبداية العام 2007، حينما كان الأخير رئيسا لجامعة الأزهر آنذاك، ومن ثم لم يقف مكتوف الأيدى أمام العرض العسكرى الذى صنعته ميليشيات طلبة الإخوان داخل الحرم الأزهرى، واتخذ إجراءات تأديبية صارمة تجاه المشاركين فيه.
ولعل هذا يفسر محاولات الإخوان المستميتة طيلة فترة حكم مرسى لعزل شيخ الأزهر، وتمكين مفتى التنظيم الدكتور عبد الرحمن البر من موقعه، تارة بالتلويح بتغيير قانون الأزهر، وتارة أخرى بتضخيم وقائع تقديم وجبات عشاء ملوثة لطلاب المدينة الجامعية.
ومنذ اللحظة الأولى لتصدر الإخوان المشهد السياسى بعد أحداث 25 يناير، ثم فيما بعد صعودهم إلى سدة الحكم فى العام 2012، كان منصب شيخ الأزهر ومن ثم الاستحواذ على الجامعة والمشيخة، هو هدفهم الأكبر، وعلى هذا النحو فعل كل شىء للإطاحة بالطيب من موقعه.
فى البداية كانت ثورتهم عارمة ضد المجلس العسكرى على خلفية إصداره المرسوم بقانون رقم 13 لسنة 2012، بتعديل قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961، حيث تم منح شيخ الأزهر حصانة مطلقة من العزل وجعله منتخباً من هيئة كبار العلماء وليس معيناً من الرئيس كما كان يجرى فى السابق.
القانون سالف الذكر ضرب مخطط "تصعيد البر" فى مقتل، فبدأت حرب التضييق والشائعات والحصار والإهانة ضد الطيب، منذ اللحظة الأولى لحكم المرشد.
والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أهمها ما جرى يوم تنصيب مرسى رئيسًا فى خطابه الشهير بجامعة القاهرة، حيث تم وضع المقعد المخصص للشيخ فى صفوف خلفية، بينما احتل رموز الإخوان مقدمة المقاعد، فانسحب الشيخ معترضًا على "الحط من قدر ممثل الأزهر وشيخه الأكبر".
ورد محمد مرسى بتجاهل مصافحة الشيخ فى حفل أقيم بمناسبة تسليم السلطة للأول صيف العام 2012.
ووصلت كراهية الإخوان للمدى، حينما رفضت مشيخة الأزهر فتوى تكفير الخارجين على طاعة مرسى، وأكدت أن الاعتراض والتظاهر السلمى جائز شرعًا.
إن مثل تلك الحروب التى تقودها بغير شرف جماعات متشددة أو مغرضة محسوبة على الإسلام، ضد منابر دينية يُفترض أنها وسطية ومستنيرة وذات جذور تاريخية ثابتة، إنما تؤدى حتمًا لأن يتصيد كثيرون للعقيدة نفسها، ومن ثم يعلنون طلاقهم منها، بل وسيسخِّرون أنفسهم لضربها والطعن فيها، فإذا كان القيمون عليها فى صراع ضارٍ، وكل منهم يخوِّن ويكفر الآخر ويعتبر مفهومه الدينى هو الوحيد الصحيح والمنزه والمنزل من السماء، فلا أحد يلوم من يكفر بكل شىء.