البث المباشر الراديو 9090
الإخوان وداعش
فى مذبحة مسجد الروضة شمال سيناء، نوفمبر الماضى، كانت المشاهد مفزعة للغاية. 235 مصليًا تم نحرهم بلا ذنب.. مصيبتهم الوحيدة أنهم تجمعوا فى لحظة إيمانية خالصة حولها تنظيم أنصار بيت المقدس وقتلته إلى حفل دماء جماعى مفتوح.

صدمة الفاجعة دعت كثيرين، ليسوا بالضرورة من قليلى الإيمان، للتساؤل مشدوهين: لماذا يقتل مسلمون مسلمين مثلهم؟.. ما سر كل تلك الكراهية المقيتة التى انتهكت حرمة بيوت الله واستحلت أرواح عباده؟.. أى شريعة أو دين يجيز ذلك الإجرام الوحشى؟..

غياب الإجابات الشافية على تلك الأسئلة، تحول من صدمة إلى كفر بكل شىء..

إن الصعود الجنونى العنيف لتيارات الإسلام السياسى والجهادى بقيادة الإخوان على وجه التحديد، تارة إلى سدة المشهد المصرى بعد أحداث 25 يناير 2011، وتارة أخرى إلى واجهة مشاهد الدم والإرهاب والعنف بعد 30 يونيو 2013، إنما ارتد فى صورة موجات متلاحقة من الفرار من العقائد إن جاز التعبير.

هؤلاء تاجروا بالدين فى صناديق الانتخابات وميادين الحراك الاجتماعى والسياسى، ثم ما لبثوا أن تاجروا بالدين ثانية لكن هذه المرة ليستحلوا الأرواح..

صراعهم لقنص كرسى الحكم دعاهم بلا وجل إلى لىِّ آيات الله، ليصبح من ليس معهم، عدوًا لا يستحق وفق شريعة الغابة الحاكمة لعقولهم وغرائزهم، إلا الإعدام الفورى.

هل يتذكر أحد كل هذا الغل والتحريض والدعوات إلى القتل والتفجير والفوضى وغيرها من أناشيد منصات رابعة الشهيرة، حيث وقف قادة إخوان وزعامات جهادية سابقة يتوعدون المصريين، مسلمين ومسيحيين، على الهواء مباشرة..

وقبلها، وحين يتم الاحتفاء بالقتلى على طريقة آل الزمر، فى ستاد القاهرة فى عهد محمد مرسى وإخوانه، وتحديدًا فى ذكرى انتصار أكتوبر الذى يتواكب مع ذكرى اغتيال ضحيتهم، الرئيس الراحل أنور السادات، فإن ردة الفعل التقليدية أن يكفر المتلقى بكل الثوابت والمرجعيات والقيم.

من الإخوان إلى أنصار بيت المقدس، وببساطة شديدة، فقد تبارى الجميع لأجل طعن دين الله فى الظهر.

من جانبها، وفى فبراير من العام 2015، وفى ذروة انتشار الظاهرة وتمدد خلافتها بين سوريا والعراق، أصدرت دار الإفتاء المصرية تقريرًا عن "تنامى ظاهرة الإلحاد فى عدد من الدول الإسلامية".

التقرير بدا ساعتها كإنذار خطر منوهًا إلى "ارتفاع نسب الإلحاد فى الدول الإسلامية التى تمر بمتغيرات سياسية واجتماعية عميقة"، قبل أن يوجه اتهامًا صريحًا للجماعات الإسلامية المتشددة بالتسبب فى تفاقم تلك الظاهرة، عبر "تبنيها صورة وحشية وخاطئة عن الإسلام تعتمد على الترهيب والعنف والقتل، وتدفع إلى النفور من هذا الدين".

ولفت التقرير إلى "المنحى الذى تتبناه اليوم عدد من صفحات مواقع التوصل الاجتماعى فى عدد من الدول العربية، خصوصًا فى مصر وتونس والجزائر والمغرب. والتى يتبنى أصحابها مواقف معادية للإسلام، والتى تروج لفكرة الإلحاد بعد ظهور تنظيمات إسلامية متشددة يتقدمها تنظيم أنصار بيت المقدس فى المشهد العام العربى والإسلامى اليوم"، معتبرًا أن "تبنى مثل هذه التنظيمات المتطرفة نهجاً متشدداً للإسلام، وارتكابها فظاعات باسم الدين الإسلامى تعتمد أشد أنواع العنف والقتل والتعذيب، صدم جانبًا كبيرًا من الرأى العام العربى والإسلامى، فيما رأى آخرون فى هذه الممارسات تطبيقًا حرفيًا لما جاءت به هذه الديانة، ولا يرون فى ذلك مغالاة ولا تطرفًا".

وفى دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب صادرة فى مارس 2018، حملت عنوان "أين ذهبت عناصر داعش"، بدت الإشارة جلية إلى رصد عمليات انتشار واسعة للإلحاد بين الناس فى المناطق التى كانت تسيطر عليها داعش، إذ أن كثيرًا من الشباب فى مناطق النزاع توجهوا إلى الإلحاد فى تلك المناطق كالرقة والموصل، وألحدوا شكا فى الدين عمومًا وفى قدرة المتدينين على مواجهة داعش، وقدرة تماسك الدين الإسلامى أمام تلك الظواهر الإرهابية".

وجاء فى دراسة منشورة للكاتب والروائى العراقى سلام حربة، بعنوان "داعش والإلحاد، أن "خطاب داعش المتطرف، وباسم الاسلام، وما ترتكبه من قتل واغتيالات وتفجيرات ومسلسلات دم لها أول وليس لها من آخر، فى العراق وسوريا، حيث اشتُقَ اسمها من هذين البلدين وفى بعض البلدان الإسلامية والأوروبية، هذا التعطش للدم قد خلق حالة من الذعر ليس فى العالم الاسلامى بل فى كل مدن العالم الأخرى، مسيحية كانت أم ديانتها أرضية لا سماوية أم مجتمعات لا دينية.. المصيبة أن حجة داعش فى فتكها بالآخرين وتخريبها للمدن فقهية تستند مرجعيتها إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية بتأويل تلك النصوص بما ينسجم مع سياساتها العدوانية وأعمالها الإجرامية"..

وتابع: "لقد أسقطت داعش أحلام يقظة المسلمين بإقامة دولة إسلامية الآن وفى المستقبل، ليس هذا فقط بل دفعت الكثير من الشباب المسلم إلى فك ارتباطهم بالدين وإعلان إلحادهم"..

وفى موضع آخر كتب يقول "لقد غسل مواطن المجتمعات الإسلامية يديه من طروحات داعش وكل التيارات الدينية التى تريد أن تطبّق شرع الله فى الأرض، لأنها حين تجد الفرصة سانحة فإنها لا تملك سوى العنف والقتل ومصادرة حرية الآخر، ووضع المجتمعات تحت الوصاية والإقامة الفكرية والعودة إلى جحور العصر الحجرى وأنماط عيش الإنسان الخرافى بحجة أنهم الورثة الشرعيون للدين الإسلامى.. لقد أسقطت داعش وإلى الأبد مفهوم الإسلام العصرى، دين قبول الآخر والتعايش معه، دين بناء روح الإنسان وتهذيب أخلاقه.. تطرف داعش دفع الكثير إلى الهروب من الدين وإعلان العصيان عن كل ما هو سائد وأنهم ملحدون أو لا دينيون، والإحصاءات الأخيرة لهذا الارتداد مخيفة ويجب التوقف عندها.. داعش وأخواتها من أحزاب وتيارات الإسلام السياسى المتطرفة لم تخرب الأوطان والحياة فيها فقط، بل أعلنت عن موت الإسلام الذى يتاجرون ويبشرون به، ومهدت إلى عصر جديد من الإلحاد والكفر ونبذ كل ما تؤمن به داعش والإسلام السياسى المتطرف".

المعادلة المنطقية تقول إن ما يسرى على أنصار بيت المقدس سيسرى على الإخوان أيضًا.. فكلاهما ينهلان من نفس معين التطرف، ومن ثم فالكفر بأحدهما سيتطور للكفر بهما وبمن يسير على نهجهما، ثم الكفر بما يدعونه أنه دينًا حصريًا لهما..

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز