انتخابات
يجيد الإخوان، عمومًا، النفاذ إلى الفراغات البينية، وفى عهدهم تفاقمت دومًا معدلات الفقر والأزمات الاقتصادية، وبدت الأرضية ممهدة لتنظيم "ثرى" لاستغلال الفرصة وربط الجماهير بهم، لا عبر مشروع سياسى اجتماعى أو فكرى حضارى حقيقى، لكن من خلال "الانتهازية".
فعل الإخوان ذلك بتصميم تام على استخدام الجماهير لتحقيق طموحاتهم السياسية، ولو كان ذلك على حساب الدين نفسه، الذى يدعون أنهم حراسه الأمناء.
فالجماعة التى تصف قادتها وكوادرها وأعضائها بـ"الربانيين"، كيف لها أن تلجأ إلى رشاوى الزيت والسكر والأرز والشاى والسمن، لأجل توسيع قاعدتها الجماهيرية الهشة؟
صحيح أن خطابها الدينى الصاخب إنما يؤمن لها مريدين كُثر، إلا أن زجاجة زيت واحدة، وفى ظل المعاناة الاقتصادية والمالية لشرائح عدة من المصريين على مدار عقود، إنما تؤتى ثمارًا أكثر وأسرع.
على هذا النحو يمنح الإخوان كارهى الأديان والنافرين منها، كالملحدين واللادينيين، الفرصة للطعن فى العقيدة، فإذا كان من يزعم أنه تقيًا لا يتبع تعاليم الكتاب فى الدعوة للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم ما يلبث أن يستغل الإسلام لأهداف سياسية، ويدخل لعبة الانتخابات بأساليب قذرة أقلها الرشاوى المالية، فإن ذلك لا يعنى من وجهة نظر أنصار الطلاق من العقيدة، إلا زيف تلك الأخيرة.
أضف إلى ذلك أن الخطاب المزدوج للإخوان، وفى ظل إصرارهم أنهم والإسلام وجهان لعملة واحدة لا ينفصلان، لا يرتد إلا طعنًا فى الدين ذاته.
فحين كان يطالعنا محمد مرسى فى خطاباته المملة الجوفاء من حين إلى آخر مطالبًا المصريين بالتقشف و"شد الحزام"، وتوفير السلع وترشيد الاستهلاك، فيما أنه ومرشده ورجال تنظيمه يرتادون أفخم المطاعم، وأغلى الأماكن الترفيهية، فهذا لا يعنى إلا أن رجال ذلك التنظيم يعيشون على ضلال الازدواجية.
الجميع يتذكر تلك المواجهة الصاخبة التى تعرض لها المرشد العام للجماعة، محمد بديع، فى مطعم شهير بمدينة نصر على يد شاب راعه أن يجلس فى مكان يمكن وصفه بـ"الغالى"، فيما أن جماعته تدعى الزهد والتقشف من جهة، ومن جهة أخرى تدفع صوب الفوضى والتقاتل الأهلى فى الشارع.
والجماعة اكتسبت شهرتها بعد التأسيس الثانى لها فى نهاية سبعينيات القرن الماضى، عبر تبنى قضايا إسلامية كبرى عابرة للحدود، كالدعوة إلى مساندة المسلمين فى أفغانستان أو البوسنة أو كوسوفو أو الصومال، ثم أخيرًا في العراق وسوريا وميانمار.
على مدار الثمانينات والتسعينيات، اجتاحت النقابات المهنية التى كانت تخضع فى أغلبها لسيطرة الإخوان، المئات من معارض بيع السلع دعمًا لـ"المجاهدين" فى شتى بقاع الأرض، ولنصرة الأسر المسلمة ونسائها وأطفالها من التشرد والضياع والاغتصاب.
هكذا كانت تدور الدعاية الإخوانية الضخمة المروجة لتلك المعارض، بحيث يرى كل من يشترى منها أنه لا يفوز فقط بثلاجة أو راديو أو مكنسة بسعر معقول، ولكنه يشترى حسنات عبر التضامن مع إخوانه المسلمين المعذبين.
كانت تلك المعارض تُقام فى الأغلب تحت رعاية مباشرة من رجل التنظيم القوى، خيرت الشاطر.
غير أن المفاجأة أن أغلب إيرادات تلك المعارض كانت تذهب لخزينة التنظيم للصرف على أنشطته، أى أن "الإسلام" كان مجرد واجهة للابتزاز المالى وتحقيق الثراء "السهل" للجماعة.
فإذا كان من يصفون أنفسهم بالدعاة لا يترددون فى إقحام الدين فى ألعاب سياسية غير مسؤولة، فمن البديهى أن يشعر "الملحدون" بأنه لا فائدة من فكرة العقيدة، بل ويعلنون حربًا على الإسلام إن لزم الأمر.