البث المباشر الراديو 9090
ترامب وروحانى
تبقى كل السيناريوهات مفتوحة فى حوادث استهداف ناقلات البترول فى مياه الخليج العربى وخليج عمان وقبالة مضيق هرمز.

- استهداف ناقلات النفط فى الخليج يهز صورة الرئيس الأمريكى كرجل قوى

- ترامب لا يزال يراهن على التصعيد العسكرى المسقوف لتحقيق مكاسب اقتصادية

- سيناريوهات جدية عن وقوف أطراف أمريكية داخلية خلف "ضرب" السفن

الآلة الإعلامية الأمريكية، ومن قبلها أعمدة سياسة كبيرة داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، تلقى باللائمة فى تلك الوقائع الملتبسة المثيرة للجدل على إيران، بيد أن الأخيرة لا تزال تسخر من الاتهامات، وتعتبرها لا ترقى حتى إلى مستوى استحقاق الرد، وأنها مجرد وسائل دعائية رخيصة لتبرير الحرب الاقتصادية التى تشنها واشنطن على طهران بسبب الملف النووى للثانية.

ولا يخفى على أحد أن نفوذ طهران الممتد فى الخليج وسوريا والعراق وغزة ولبنان، والمتماهى فى جزء كبير منه مع البوصلة الروسية، فيما إنه يهدد وبعنف المصالح الأمريكية وكذا الإسرائيلية هناك، إنما يدفع واشنطن إلى مزيد من التضييق على دولة الملالى بهدف تحييدها تارة، واستنزافها وحرق أعصابها، إن جاز التعبير، اقتصاديًا وسياسيًا تارة أخرى، وقبل هذا وذاك أضعاف موقفها وأدواتها، وحرق كروت التأثير فى يديها، بحيث يمكن إملاء شروط تفاوضية عليها مجحفة، سواء فى الملف النووى أو فى أى ملف سياسى أو أمنى أو عسكرى ملتهبة فى الشرق الأوسط.

ترامب لم ينسحب بطريقة أحادية من الاتفاق النووى الإيرانى الموقع فى العام 2015 بين طهران من جانب، وواشنطن والاتحاد الأوروبى فضلًا عن كل من روسيا والصين من جانب آخر، لا نكاية فى شركائه الغربيين، ولا لكى ينغص الأجواء على منافسيه اللدودين (موسكو وبكين)، ولا حتى لاستعداء طهران لدرجة تشعل حربًا مثلُا، لكنه وبالأحرى قرر تمزيق توقيع سلفه باراك أوباما على الصفقة، وأعقب ذلك بحملة تضييقات اقتصادية صارمة ضد الجمهورية الإسلامية، بحيث يجبرها على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط واشنطن فقط، ومن ثم يصبح إذعانها لا مفر منه.

ترامب فى اليابان

 

ولا يخفى على أحد أن هناك انقسامًا ما داخل إدارة ترامب بشأن التعاطى مع حوادث استهداف ناقلات النفط فى الخليج، والتى تُتهم فيها إيران على نحو مباشر، ناهيك بالتردد فى حسم الموقف من إعلان الأخيرة أنها لم تعد ملتزمة ببنود عدة فى الاتفاق النووى بما فى ذلك معدلات تخصيب اليورانيوم.

فى هذا الشأن، لا يميل ترامب إلا لسياسة التصعيد المسقوف، بحيث يتم النفخ فى الأزمة وإيصال الأمر إلى محك الانفجار المدمر، ثم، وفى اللحظة المناسبة، يتم لجم كل شئ لإعلاء كلمة المفاوضات، التى يتخيل حاكم البيت الأبيض أنها ستكون أقرب إلى الإملاءات منها إلى الاتفاقات.

بيد أن صقورًا نافذين كمستشار الأمن القومى، جون بولتون، يرون عكس ذلك، وهم يتشاركون فى الرأى مع قوى خليجية، كالسعودية والإمارات، وكذا مع إسرائيل، بضرورة تركيع طهران بضربة عسكرية.

على هذا النحو، يجر هؤلاء، ترامب لساحة الحرب ربما مجبرًا، وهو ما عبر عنه الأخير مرارًا خلال الفترة الماضية، ومفاده أن عناصر مؤثرة فى إدارته تعمل على خط مضاد لنهجه السياسى وخططه الاستراتيجية الخاصة بطهران.

هجوم استهدف ناقلة نفط

 

وفق تلك المعطيات، فربما الأقرب ولو كانت طهران، وهو أمر غير معتاد، صادقة فى نفى تورطها وحرسها الثورى فى استهداف شاحنات النفط، فإن أطرافًا داخل إدارة ترامب، أو حلفاءها فى الخليج، ربما يحاولون استدراج ترامب للحرب عمدًا عبر وقائع الهجوم المريبة على السفن وإلصاقها بدولة الملالي.

وقد يزيد من رغبة أطراف داخلية أو خارجية فى سحب ترامب لخوض حرب منفردًا مع إيران، أن كل أعداء الأخيرة لا يريدون المشاركة فى المعارك ضدها مباشرة أو بأيديهم. هم يعولون على واشنطن وحسب فى هذا الشأن.

السعوديون ربما يمولون المعارك، لكنهم لا يتحملون فتح جبهة عسكرية جديدة موازية للجحيم اليمنى، فيما أن الإماراتيين يخشون بطبيعة الحال استهداف طهران لموانئهم الحيوية، كما هو الحال فى دبى، أما تل أبيب فهى مأزومة سياسيًا على خلفية فشل بنيامين نتانياهو فى تشكيل الحكومة، واستعداده لانتخابات تشريعية مبكرة وجديدة حاسمة فى سبتمبر المقبل، كما أنه يخشى من أن إشعال المنطقة بحرب فى ذلك التوقيت الحساس قد يعطل تمرير صفقة القرن التى تنسف عملية السلام فى الشرق الأوسط، وكذا تنسف حل الدولتين وتضيع حقوق الفلسطينيين ربما إلى الأبد.

ترامب وبوتين

 

عشاق فقه المؤامرات، يتحدثون عن أصابع روسية تريد توريط واشنطن فى حرب جديدة منهكة، نظريًا، ربما، الجميع إذن يدفعون ترامب دفعًا لمغامرة عسكرية، هو نفسه غير مستعد لها، فهل سيرضخ للضغوط؟

من جانبه، يقول كبير المراسلين الصحفيين فى مجلة دير شبيجل الألمانية، رولاند نيلس، إن الرئيس الأمريكى ترامب، قد أصبح فى ورطة كبيرة بسبب التصعيد غير المسبوق فى الخليج العربى.

واتهمت واشنطن رسميًا الخميس، وعبر وزير خارجيتها، مايك بومبيو، إيران بالوقوف خلف استهداف ناقلتى نفط، إحداهما يابانية والأخرى نرويجية، فى بحر عمان بعد شهر من استهداف أربع سفن أخرى قبالة سواحل إمارة الفجيرة الإماراتية.

وكتب نيلس فى افتتاحية الموقع الرسمى للمجلة الألمانية العريقة، الجمعة، إن الأزمة تكمن فى أن ترامب يعرف جيدًا أن ناخبيه لا يريدون حقاً صراعًا عسكريًا مع إيران، كما أنه هو نفسه لا يرغب فى ذلك، وهو ما قد أكده مرارا وتكرارا فى الأسابيع الأخيرة.

وتابع: "لكن عليه الآن أن يدافع عن سمعته كرجل قوى، وهو المحك الذى يجعل الأمور خطيرة للغاية، فأى انتقام من قبل الأميركيين ضد إيران يمكن أن يؤدى بسرعة إلى حرب كبرى".

الحرس الثورى الإيرانى

وفى تقرير ألمانى رسمى داخلى، تم تسريب بعضًا من فحواه قبل ساعات قليلة، يفترض خبراء من الحكومة الفيدرالية فى برلين أن هناك "استفزازًا خطيرًا"، لكنهم يحذرون من أى "نزاع عسكري"، حسب "شبيجل".

وحذرت الأمم المتحدة وألمانيا وبريطانيا من التصعيد فى الشرق الأوسط على خلفية الاستهدافات المتكررة لناقلات النفط فى الخليج، وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن "العالم لا يستطيع تحمل مواجهة كبيرة فى المنطقة".

فى السياق نفسه، يرى الصحفى الألمانى، رولاند نيلس، أن الوضع يزداد سوءًا بعد الهجوم على ناقلتين، فقد أرسلت الولايات المتحدة المدمرة "يو إس إس ماسون" إلى المنطقة.

من جانبها قالت شركة هامبورج للملاحة، وهى الشركة الألمانية المالكة للناقلة كوكوكا كاريجيس، والتى تقوم بتشغيلها وإداراته شركة الشحن اليابانبة كوكوكا سانجيو، إن السفينة قد أصيبت فوق سطح الماء، بواسطة جسم طائرة، ما أدى إلى اندلع حريق فى غرفة المحرك، نافية أن تكون قد أصيبت بطوربيد. وقال ممثل عن الشركة لوسائل إعلام أمريكية وعالمية، إن السفينة تعرضت للهجوم مرتين خلال ثلاث ساعات "بنوع أشبه بالقنابل اليدوية".

وقد تم انقاذ البحارة الفلبينيين الـ21 العاملين على متن السفينة، حيث أصيب واحد فقط بجروح طفيفة، فيما تأكد إعادة جميع أفراد طاقم الناقلة إليها فى وقت لاحق بعد الانفجار، وذلك بعد استعادة نظام الطاقة على متنها.

ناقلة نفط

 

فى السياق ذاته، تؤكد شركة التكرير التايوانية التى استأجرت السفينة النرويجية الثانية "Front Altair"، أنها أصيبت عبر هجوم بالرصاص أو بطوربيد، قبل أن يتم نفى شائعات تم بثها فى وسائل الإعلام الإيرانية بأن الناقلة قد غرقت، بينما تم التأكيد فى الوقت ذاته على إنقاذ جميع أفراد الطاقم، بعضهم بمساعدة قوات البحرية الأمريكية المتمركزة فى المنطقة.

هكذا هو الوضع فى الخليج المتوتر، بيد أن القوى الغربية وعلى رأسها ألمانيا لا تزال تراهن على الدبلوماسية، ولا يزال ترامب يراهن على تحقيق المكاسب الاقتصادية بالتصعيد العسكرى غير الجاد، فهل تمر الأزمة وفق تلك الأمنيات والخطط القلقة، أم أن المستقبل القريب يحمل مفاجآت مجنونة أكثر قسوة؟

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز