البث المباشر الراديو 9090
المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد
استضافت مدينة السلام شرم الشيخ أعمال المنتدى الأول لمكافحة الفساد فى إفريقيا على مدار يومين بمشاركة 51 دولة إفريقية، و4 دول عربية ضيوف شرف هى: السعودية والإمارات والكويت والأردن، بمبادرة مصرية أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى أثناء رئاسته وفد مصر بمؤتمر قمة رؤساء الدول والحكومات للاتحاد الإفريقى، ليأتى البيان الختامى لهذه الفعالية متوجا لجهود وعاكسا لرؤى واضحة ومحددة بشأن مكافحة الفساد على جميع المستويات.

ومع التأكيد على ما طرحه الرئيس السيسى فى خطابه من أن الفساد يعوق التنمية المستدامة، بات واضحا أن المكافحة صارت مسؤولية والتزاما وليست ترفا أو اختيارا، خصوصا مع تبنى الدول خططا تنموية مستدامة مستقبلية على اختلاف مسمياتها وفتراتها الزمنية.

مشاركة الرئيس السيسى فى المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد

إن من أهم تجليات هذا المنتدى التى نستطيع استخلاصها تلك الحاجة الماسة إلى اتباع الأسلوب العلمى فى التخطيط الاستراتيجى عبر تحليل رباعى الأبعاد يقوم على تحديد عناصر القوة والضعف، فضلا عن الفرص والتهديدات التى تضمها البيئة المحيطة، والفساد وفق التحليل الرباعى للتخطيط الاستراتيجى أحد التهديدات الأساسية التى يتعين تضافر الجهود لمواجهتها سواء على مستوى الدولة أو المجتمع، فالدولة بتشريعاتها وأجهزتها المختلفة للرقابة وإنفاذ القانون مدعوة إلى ممارسة دورها الحتمى، والمجتمع بتكويناته المتعددة وقواه المختلفة شريك أساسى فى عملية المواجهة عبر قنوات رفع الوعى المختلفة والتخلى عن الممارسات السلبية أو الداعمة لصور الفساد المختلفة.

مشاركة الرئيس السيسى فى المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد

ولعل القراءة السريعة فى بنود البيان الختامى الصادر عن المنتدى تكشف عن كثير من الدلائل وتبعث بالعديد من الرسائل نوجزها فيما يلى:

- إن مواجهة الفساد ليس قضية وطنية فحسب – رغم وجوبها – لكنها أضحت واجبا قاريا يستدعى تبنى استراتيجية متكاملة يتم تعميمها على دول القارة، وتشمل جميع مجالات الحياة من تعليم وصحة وغذاء وإعلام وبحث علمى وموارد بشرية وغيرها من مجالات الحياة التى تتوخى خطط التنمية المستدامة استهدافها لصالح الأجيال الحاضرة مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة.

- إن المواجهة الموضوعية للفساد تحتم قياسا علميا له عبر بناء مؤشرات قياس إفريقية تراعى أوضاع دول القارة وتبايناتها من ناحية، وتستطيع رصد التجاوزات والمخالفات وصولا إلى آليات مكافحتها.

- إن متابعة إجراءات مكافحة الفساد هى مقوم أساسى لمواجهة فعالة وتتسم بالكفاءة المطلوبة، فكثير من القوانين والسياسات والإجراءات تتراجع كفاءتها مع غياب المتابعة، فضلا عن دور المتابعة فى تقييم السياسات والإجراءات وإمكانية تصويبها أو تعديلها بمرونة تعكس رؤية واضحة للتخطيط الاستراتيجى للتنمية، وهو ما تم التأكيد عليه من ضرورة إجراء مراجعة مستمرة لآليات مكافحة الفساد والعمل على تطويرها للتماشى مع
خصوصية الدول التى ستطبق فيها مع التأكيد على الأهداف المشتركة للدول الإفريقية فى تحقيق مستوى عالٍ من الشفافية على أن يتم ذلك فى المؤتمر السنوى لاتحاد هيئات مكافحة الفساد.

بات تحقيق التشبيك والتنسيق بين الأجهزة المعنية فى بلدان القارة السمراء شرطا ضروريا – وإن كان غير كاف – لمكافحة الفساد الذى ضرب قطاعات متعددة فى مختلف الدول وتجاوز السلوك الفردى إلى ممارسات مؤسسية تستدعى ضرورة تطبيق عناصر الإدارة الرشيدة فى مختلف الكيانات حكومية وغير حكومية، ومن هنا تأتى التوصية بتدشين منصة قارية من خلال نقاط اتصال وطنية تتولى متابعة تطورات الفساد ونتائج جهود المكافحة ومتابعة التزام دول القارة الموقعة على اتفاقيتى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى، من حيث قيام كل دولة باتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات وفقا لنظامها القانونى ومبادئها الدستورية لضمان الحد من ظاهرة الفساد على أن تجتمع سنويا وتعلن نتائج عملها وتوصياتها.

المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد

- إن تكنولوجيا المعلومات باتت طرفا أساسيا فى تعزيز الفساد من ناحية، ويمكن الاستفادة منها كعنصر فاعل فى مكافحته عبر إعداد آلية إلكترونية مؤمنة للتبادل الفورى للمعلومات عن جرائم الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب بين الدول ذات الاهتمام المشترك مع التوسع فى نشر جهود أجهزة مكافحة الفساد المختلفة فى الدول الإفريقية لتوعية المواطنين عامة وتحفيزهم على الإبلاغ عن الفساد بكل صوره.

ـ إن المؤسسات التشريعية معنية فى المقام الأول بمجالى التنمية المستدامة ومكافحة الفساد، فحرص تلك المؤسسات على توفير والاستجابة للاحتياجات المجتمعية فى صورة تشريعات تحقق المصلحة العامة للمواطنين يترافق معه حتما تأمين استمرارية الوفاء بتلك الاحتياجات ووصولها إلى مستحقيها عبر تشريعات فعالة واجبة النفاذ تكافح الفساد المحتمل وهو ما يستدعى تنسيقا عالى المستوى بين برلمانات القارة ووضع تلك التوصيات تحت بصر البرلمان الإفريقى لتحقيق التنسيق المطلوب، وهو ما أكده المشاركون من أهمية إنشاء آلية قانونية للتعاون بين الدول الإفريقية قد تأخذ شكل بروتوكول ملحق بالاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد، على أن تكون قرارات هذه الآلية ملزمة لجميع الدول الأطراف فى الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد.

المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد

- إن الفساد وسبل مواجهته يرتبط فى الأساس ببناء وتعزيز قدرات الأجهزة المسؤولة عن الرقابة فى دول القارة، وهنا تتجلى مسؤولية الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد المصرية كصرح تدريبى متميز فى استضافة العناصر الإفريقية المتدربة ونقل الخبرات المصرية فى مجال منع ومكافحة الفساد ونشر قيم النزاهة والشفافية، فدور الأكاديمية يأتى هنا استشعارا بأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقها إزاء تأهيل الكوادر المصرية والعربية والإفريقية تأهيلا علميا يواكب أحدث المستجدات فى مجال العلوم الرقابية والإدارية والقانونية والاجتماعية باعتبارها الركيزة الأساسية فى مكافحة الفساد الذى تطورت أساليبة ووسائله.

تبقى الإشارة إلى أن إقامة المؤتمر فى مصر يأتى إيمانًا بأهمية تعزيز العمل الإفريقى المشترك وتبادل الخبرات فى هذا المجال والذى أصبح يحتل أولوية متقدمة على مستوى الجهود الوطنية، وكذا أجندة أعمال الاتحاد الإفريقى وبات يحتاج بلا شك إلى تكاتف جهود الجميع بشكل منسق فى المجالات السياسية والتشريعية والقضائية والرقابية لمكافحة آفة الفساد التى تنخر فى اقتصاديات الدول ونشر الوعى بمفهومها وبيان أخطارها، ولعل مصر بقيادتها الواعية كانت الأسبق والأسرع فى مجال مكافحة الفساد بجميع صوره وأشكاله، خصوصا خلال السنوات الأخيرة وقطعت شوطًا كبيرًا عبر إجراء البحوث والدراسات واستطلاعات الرأى بهدف تعقب أسباب الفساد والوقوف على قياسات حقيقية له، واكتسب الاهتمام المصرى بهذا الشأن وضعية خاصة فى ضوء التأكيد الدستورى على مبدأ التزام الدولة بمكافحة الفساد وفرض التزام الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ضمانًا للحفاظ على المال العام وتحقيقًا لحسن إدارته وتنظيم الاستفادة منه لصالح الشعب بالمقام الأول.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز