البث المباشر الراديو 9090
محمد عبد المنعم
الرئيس البرازيلى الجديد يجعل من ترامب قديسا مقارنة به، فهو يمجد الدكتاتورية ويسعى إلى تدمير الأمازون ويعتقد بضرورة استخدام العنف مع الأطفال المثليين.

وكما حصل مع ترامب سابقا، أظهرت استطلاعات الرأى قبل الانتخابات بأنه لا يملك حظوظاً للفوز بالرئاسة، إلا أنه حقق فوزا كبيرا. ما جعلنا نتساءل عن سلاحه السرى الذى ضمن له هذا الفوز؟

والإجابة ببساطة هى: المعلومات الزائفة.

ترامب

استخدم مؤيدو بولسونارو حسابات زائفة من أجل إغراق وسائل التواصل الاجتماعى بأخبار كاذبة مصممة لإرباك الناخبين وزعزعة ثقتهم بجميع المرشحين المنافسين لبولسونارو.
وقد نجحوا فى ذلك! حيث تظهر استطلاعات الرأى اليوم، بأن الغالبية العظمى من ناخبيه يصدقون أكاذيبه. على سبيل المثال، معظم ناخبيه يصدقون بأن منافسه المباشر فى الانتخابات هو شخص يستغل الأطفال جنسيا، وهى كذبة روجها مؤيدو بولسونارو.

الأمر لا يقتصر على البرازيل وحسب. نحن جميعنا مستهدفون بغض النظر عن أماكن إقامتنا وعن توجهاتنا السياسية. وهذا أكبر تهديد جدى تواجهه الدول اليوم. ولكى نتمكن من التصدى له، علينا أن نفهمه جيدا.

الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو وزوجته

خمسة نقاط علينا معرفتها بشأن المعلومات الزائفة

1- تغذى الخوف بشدة وتنتشر بسرعة هائلة.

البشر مصممون ليتذكروا المعلومات السلبية أكثر من الإيجابية، لأننا نتعلم بهذا الشكل ونكتسب خبرة. "تجار المعلومات الكاذبة" يعلمون هذا جيدا. لذا هم يلعبون على المشاعر العميقة، ما يدفعنا فى معظم الأحيان إلى مشاركة هذه المعلومات ونشرها على حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعى، لتنتشر بسرعة أكثر بست مرات من المعلومات الحقيقية!

2- تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعى للوصول إلى مليارات الأشخاص.

كلما أمضينا المزيد من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعى، كلما ازدادت أرباحها. هم يعلمون أن المحتويات المتطرفة والصادمة تجذب اهتمامنا، لذا يقومون ببرمجة مواقعهم للترويج. لمثل هذه المحتويات لتصل إلى مليارات الأشخاص يوميا، فى حين أن أهم وأكبر الصحف فى العالم تبيع بضعة ملايين نسخة فقط.

3- هى سلاح يتم استخدامه ضدنا.

يعمد القادة المستبدون فى مختلف أنحاء العالم، مرورا من البرازيل إلى أمريكا إلى الصين، إلى استخدام سلاح المعلومات الزائفة لترسيخ حكمهم القائم على سياسة "فرق تسد" القديمة.

وتعد أمريكا من أكبر المجموعات المحتكرة لهذه الصناعة حاليًا بمواقع التواصل الاجتماعى والإعلام الجديد وتنافسها روسيا، حيث تقوم مصانعها الضخمة للمتصيدين الإلكترونيين "ترولز/trolls" بتوظيف جحافل من الناس لإنشاء ملايين الحسابات المزيفة من أجل نشر المعلومات الزائفة. وتعتبر قناة روسيا اليوم (وسيلة البروباجندا الروسية الرسمية) على موقع "يوتيوب"، من أكثر القنوات مشاهدة على الموقع بنسبة تقدر بمليارى مشاهدة!

4- تتسبب فى قتل الناس وتسميم الديمقراطية.

أثناء أحداث يناير فى مصر حينما استخدمها الإخوان فى موقعة الجمل وغيرها ببث أخبار كاذبة تثير الرأى العام وتحرك الشعب ضد الحكومة.

كما ساهمت المعلومات الزائفة فى إشعال فتيل العنف فى الهند والبرازيل، فهى تدمر ثقة الرأى العام بوسائل الإعلام الرئيسية والمؤسسات الديمقراطية والقادة السياسيين، وتخلق أرضا خصبة لصعود "الرجال الأقوياء" للسلطة، الذين لا يؤمنون بالمؤسسات الديمقراطية، بل بسلطتهم المطلقة. وبسبب المعلومات الزائفة باتت مواقع التواصل الاجتماعى الآن مصدر تهديد جدى للحكومات ببعض الدول.

5- ما من أحد بمنأى عنها.

يتم استهداف الناس من مختلف الأطياف السياسية بطريقة محددة، كجزء من استراتيجية معدة لخلق استقطاب شديد داخل مجتمعاتنا بغية تدميرها. قام جيش المتصيدين الروسى فى الولايات المتحدة بإنشاء صفحة مزيفة للناشطين الأمريكيين السود، فاق عدد المتابعين لها عدد المتابعين للصفحات الرسمية لحراك "حياة السود مهمة/ Black Lives Matter" قد نعتقد بأنه من غير الممكن خداعنا بمثل هذه الأمور، لكن الدراسات أظهرت بأنه حتى أكثر الناس تعليما أو ذكاء يميلون إلى تصديق الأخبار الكاذبة، بينما يميل الأشخاص فوق سن 65 أكثر إلى مشاركتها ونشرها.

تنشر المعلومات الزائفة الخوف وعدم الثقة والأكاذيب. لكن كلما ازداد وعينا وثقتنا فى القيادة ومعرفتنا بأهمية المعلومة كلما ازددنا قدرة على إيقافها.

Black Lives Matter

خمس نقاط لحماية أنفسنا من المعلومات الزائفة.

1- إن شاهدتم محتوى كاذبا، بلغوا عنه!

إن شاهدتم محتوى كاذبا، بلغوا عنه! لا تصدقوا كل ما تشاهدونه على الإنترنت. إن شاهدتم منشورات عشوائية على فيسبوك حيال وزارات بعينها او قرارات سيادية يصعب تصديقها ، لا تثقوا بصحتها، بل تأكدوا من الحقائق أولا من خلال مصادر موثوقة. وإن تأكدتم بأنها معلومات زائفة بلغوا عنها.

2- استمروا فى متابعة وسائل الإعلام الرئيسية.

تلتزم وسائل الإعلام الرئيسية بالتشريعات والقوانين والأخلاقيات التى تجعل منها وسائل قابلة للتصديق أكثر من منشور لأحد الأشخاص على فيسبوك. نحن نعلم بأن وسائل الإعلام الرئيسية ليست بالخيار الأفضل دائماً، لكنها غالبا ما تلتزم بنشر الحقائق لأنه بالإمكان مقاضاتها. الاشتراك بجريدة من النوعية الجيدة والتى تلتزم معايير الصحافة الحقيقية من أجل الاطلاع على الأخبار والحصول على المعلومات، هو الفعل الأكثر تأثيرا الذى يمكن لأى مواطن أن يقوم به اليوم.

3- شاركوا فى نشر الحقائق والتأكد من المعلومات قبل تداولها بوسائل التواصل الاجتماعى، من خلال نشر تصحيحات للأخبار والمعلومات الزائفة، تم التحقق منها بواسطة مصادر موثوق بها.

٤- لا تفقدوا الأمل بالدولة.

تهدف ثقافة الأعداء حاليا إلى خلق مناخ من عدم الثقة يدفع بالمواطن العادى بعيدا عن الإيمان بالدولة، ليتاح المجال أمام المتطرفين للسيطرة عليها. يجب علينا الإيمان بأهمية الدولة وأهمية سيادتها واستقلالها لأن الإيمان بهذه الفكرة يزيد من قوة الدولة وتماسك بنيانها.

٥- تمسكوا بالأمل فى الإنسانية والحياة.

تلعب المعلومات الزائفة على أوتار مخاوفنا العميقة، بطريقة تناسب طبيعتنا المبنية على الانحياز للسلبية ما يسمح بتوليد المزيد من الغضب وإظهار الجانب الساخر وغير البناء لدينا. لكن إن استطعنا أن نتعلم الانخراط فى النقاشات مع الأشخاص الذين لا يفكرون مثلنا، بمزيد من الانفتاح والتعاطف والحكمة، فسنستطيع التواصل معهم رغم اختلافاتنا. فما يجمعنا أكبر بكثير من الاختلاف لأن ثقافة الاختلاف التى يستخدمها العدو تكون بهدف خلق حالة من الانقسام وليست حالة من النقاش وشتان الفارق بين الطريقين. فإن اخترنا أن نثق بالإنسانية فالحياة ستكون مبهرة.

الروهينجا - صورة أرشيفية

وفى النهاية نسرد لثلاثة استخدامات المعلومات الزائفة فى عالمنا اليوم، وهى:

1- عندما تستخدم المعلومات الزائفة لتبرير وتغذية عمليات الإبادة.

انتشرت الأكاذيب لتغذية الكراهية ضد أقلية الروهينجيا فى ميانمار بسرعة هائلة على الإنترنت، مثل أنهم يأكلون لحوم البشر كما يروج البوست الموجود أعلاه، والذى انتشر بسرعة هائلة، واستخدمه الجيش كما الميليشيات المعادية للمسلمين لاحقا لتبرير جرائم التطهير العرقى. ارتكبت مجازر بحق الآلاف من عائلات الروهينجا المسلمة على يد القوات الحكومية، فضلاً عن اغتصاب النساء بعنف وحشى وحرق قرى الروهينجا وتسويتها بالأرض، ما دفع بالأمم المتحدة إلى الإعلان والاعتراف بحدوث إبادة جماعية.

2- عندما تستخدم الأخبار الكاذبة للهجوم على جماعات بأكملها، مثل المهاجرين.

شاهد نحو 10 ملايين شخص هذا الفيديو لمهاجرين يدمرون سيارة شرطة. لكن المشكلة كانت فى أن هذا الفيديو مزيف بالكامل. إنه مشهد مقتطع من فيلم، وجرى فضح هذه الكذبة منذ سنوات عدة. لكن ذلك لم يمنع مجموعات اليمين المتطرف فى إيطاليا ومختلف أنحاء أوروبا من مشاركة المقطع ونشره مرارا وتكرارا، وأخر مرة جرى إعادة نشره كانت منذ أسابيع قليلة، ولم يتحرك "فيسبوك"؛ لمنع انتشاره السريع الذى أشعل فتيل الكراهية والشك والعدائية تجاه المهاجرين.

3- عندما تستخدم المعلومات الزائفة لإشعال الغضب ونشر الخوف.

فى فرنسا، تم إعادة نشر رسالة مكتوبة بيد الممثل جيرارد لانفين أكثر من ربع مليون مرة، ينتقد فيها الرئيس ماكرون وحكومته، ليتبين لاحقا أنها مزيفة بالكامل، بعدما أعلن الممثل بأنه كان ضحية لعملية سرقة لهويته. إنه مثال واضح حول كيفية استخدام المعلومات الزائفة من أجل زرع بذور عدم الثقة بالحكومات لأسباب تافهة و تضليلية لا علاقة لها بالصالح العام، بل العكس هى تحول انتباه الرأى العام عن القضايا المهمة. ولذلك تعتبر المعلومات الزائفة أكبر تهديد للديمقراطية حاليا.

ثقافتنا الحالية وحضارتنا التاريخية هى النموذج الأكثر نجاحا فى تاريخ الإنسانية على عدة مستويات، مرورًا من حقوق الإنسان إلى الديمقراطية، فنحن على الطريق الصحيح فى النهوض بالدولة المصرية، ومن أجل ضمان مستقبل أفضل لنا ولأولادنا يجب أن ندرك جيدًا صحة المعلومات التى يتم تداولها والتأكد من مصادرها؛ لأن هناك قوى شر تستخدم المعلومات الزائفة من أجل إعادتنا بالزمن إلى الوراء وتدمير كل ما أنجزناه حتى الآن، وعلينا أن نجعلهم لا يحققون هدفهم المتمثل فى تخلينا عن النهوض والتقدم.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز