البث المباشر الراديو 9090
جنازة الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى
بينما كان جثمان الرئيس التونسى الراحل الباجى قايد السبسى يُنقل من المستشفى العسكرى إلى قصر قرطاج، لبدء مراسم تشييع الجنازة الرسمية، كان هناك الآلاف من التونسيين يتجمعون فى الشوارع، مرددين النشيد الوطنى، يبكى بعضهم الرئيس، ويلوح الأخرون بالأعلام التونسية، ويلقى الجميع نظرة الوداع على السبسى الذى عاش لتونس، وكان رحيله برهانًا على أن وحدة شعبها وتراحمه.

ودع التونسيون رئيسهم محمد الباجى قايد السبسى، أمس السبت، إلى مثواه الأخير، بعد مسيرة سياسية حافلة، أكسبته الخبرة والتجربة، ولعل مواقفه التى كانت تنتصر لتونس قبل أى فصيل سياسى هى السبب الحقيقى وراء هذا الوداع الحافل الذى اتحد فيه التونسيون، مؤكدين أنهم "شعب استثنائى فى وطن استثنائى" كما وصفهم يوسف الشاهد، رئيس حكومة البلاد.

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

ذكاء سياسى يوحد التونسيين فى أحلك الظروف

ويؤكد من عملوا إلى جانب السبسى أنه كان سياسيًا يمتاز بـ"الذكاء السياسى الحاد والبراجماتية الاستثنائية"، عايش أكثر من جيل سياسى، ورجل دولة درس الحقوق فى العاصمة الفرنسية باريس، وامتهن المحاماة قبل السياسة، فكان مدافعًا عن الشعب التونسى، لا سيما حقوق المرأة التونسية.

كلفه الرئيس الحبيب بورقيبة بمهام فى ديوان الوزير الأول فى أول حكومة تشكلت بعد الاستقلال سنة 1956، وتدرج فى مسؤوليات عدة، وتولى 3 وزارات سيادية هى الداخلية (1965-1969) والدفاع (1969-1970) والخارجية (1981-1986)، وفى عهد الرئيس زين العابدين بن على، تولى قايد السبسى رئاسة البرلمان (1990-1991).

امتلك الباجى خبرة سياسية واسعة، مكنته من تولى منصب رئيس حكومة انتقالى فى 2011 فى فترة حساسة مرت بها تونس، وتمكن من الوصول بها إلى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى، التى فازت بها "حركة النهضة" الإسلامية.

عمل السبسى على أساس قاعدة التوافق مع حزب النهضة رغم الخلاف معه منذ 2015، إلا أنه أعلن نهاية هذا التوافق بحلول خريف 2018.

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

مؤسس «نداء تونس» وخصم الإخوان الأول

أسس الباجى حزب "نداء تونس" فى 2012، الذى فرض نفسه على الساحة سريعًا، ودخل به الانتخابات على قاعدة مناهضة للإخوان وتيارات الإسلام السياسى، وتمكن فعليًا من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان آنذاك وبرئاسة الجمهورية.

وهكذا، أصبح السبسى أكبر خصم علمانى لحركة "النهضة" الإخوانية، ودأب على توجيه انتقادات لاذعة لتلك التيارات الإخوانية، ووصفهم بـ"الرجعيين" و"الظلاميين"، وبأنهم "أكبر خطر على تونس" التى تعتبر من أكثر البلدان العربية انفتاحا على الغرب، لدرجة أنه قال فى أحد التصريحات الصحفية: "نريد دولة متطورة فى القرن 21، ويفصلنا 14 قرنا عن هؤلاء الناس".

واعتذر قايد السبسى فى وقت سابق، للتونسيين عما اعتبره "خطأ ارتكبه" عندما زكى قبل انتخابات 2011، إسلاميى حركة النهضة لدى الرئيس الأمريكى باراك أوباما، واتهم الحركة الإخوانية بالتراخى فى التعامل مع عنف المجموعات المتأسلمة المتطرفة التى ظهرت على أيديهم فى تونس.

جنازة الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

كان السبسى أول من يطبق سياسة تهدف إلى توحيد التونسيين، رافضًا أن تفرقهم أى تصنيفات سياسية أو أيديولوجية، وهو ما كان يبحث عنه التونسيون بالفعل، ففاز على منافسه محمد المنصف المرزوقى بنسبة أصوات بلغت 55.68%.

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

رئيس جمهورية ينتصر للمرأة

كانت مواقف الرئيس التونسى الراحل انتصارًا للمرأة التونسية، حتى فى المشروعات التى أثارت لغطًا وجدلاً واسعًا بين تيارات الإسلام السياسى المتشددة، والتى نعته أصحابها بالكفر، فقد اختار السبسى أن يسير على خطى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة فى تعاطيه مع ملف المرأة.

وكان من أبرز المشروعات التى طرحت فى عهد السبسى وحظيت بدعمه ملف المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة، وهو القانون الذى أثار جدلاً واسعًا فى البلاد والعالم الإسلامى كله، لكن السبسى بادر بالفكرة، مقترحًا أن تكون مسألة المساواة قانونًا.

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

وقد نعى الكثير من زعماء العالم الرئيس التونسى الراحل، مشيدين بـ"شجاعته"، ودوره فى قيادة تونس فى أصعب المراحل، وأبرزهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى وصفه بـ"صديق" فرنسا.

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

كما أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، به قائلة: "كان فاعلاً شجاعًا على درب الديموقراطية"، و"يستحق تكريما مشرفا"، وأعرب رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبى كونتى فى تغريدة عن حزنه الكبير إثر وفاة "رجل دولة تحلى بإنسانية كبيرة".

أما الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فقد توجه بالتعزية إلى الشعب التونسى، وقال البيت الأبيض: "الرئيس دونالد ترامب والسيدة الأولى ميلانيا ترامب ينضمان إلى الشعب التونسى فى الحداد على وفاة رئيسهم".

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

ونعى الرئيس الجزائرى الانتقالى عبد القادر بن صالح، فى برقية تعزية الرئيس الراحل، كما أشاد العاهل المغربى بـ"أحد رجالات تونس الكبار"، وكتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات، فى تغريدة، أن قايد السبسى "قاد تونس فى أحرج أوقاتها بحكمة وروية واقتدار، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه، وألهم شعبه وأهله الصبر والسلوان، وحفظ الله تونس وشعبها وأرضها دائما وأبدا".

كما نعى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط "فقيد الشعب التونسى والأمة العربية جمعاء فخامة الرئيس الباجى قايد السبسى رئيس الجمهورية التونسية والرئيس الحالى للقمة العربية".

كما تحدث الرئيس الفلسطينى محمود عباس عن الراحل، مشيدًا بتاريخه وإسهاماته الوطنية، وقال إنه حمى تونس واستقرارها وديمقراطيتها فى أصعب الظروف، مشيرًا إلى أن رحلة العودة الفلسطينية بدأت من تونس.

تأبين الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى

وعبّر فيليب السادس، ملك إسبانيا، عن وقوف بلاده إلى جانب تونس فى هذا الظرف العصيب، قائلاً سنواصل العمل معًا حتى نجعل من فضاء البحر المتوسط، فضاء سلام وحوار وإزدهار واستقرار.

وافت السبسى المنية عن عمر يناهز 92 عاما من العمر، مخلفا وراءه إرثا سياسيًا واسعًا، وشعبًا موحدًا خلف قيادته رغم الرحيل، وهو ما عبر عنه السياسيين التونسيين، قائلين: "الدولة ستستمر".

جنازة الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى
تابعوا مبتدا على جوجل نيوز