رجب طيب أردوغان
لا يخفى على أحد أن عين الرئيس التركى على غاز المتوسط، لهذا تثور ثورته دائما مع كل إعلان مصرى عن كشف جديد فى المنطقة، ومع كل لقاء يجمع الرئيس عبدالفتاح السيسى، بنظيريه القبرصى واليونانى، لمناقشة آفاق التعاون خصوصا فى مجالات التنقيب على غاز المتوسط، لهذا ذهب أردوغان ليقيم شراكة مع حكومة السراج الليبية لزعزعة الاستقرار فى منطقة المتوسط، رغبة منه فى نيل جزء من ثروات باطن البحر.
لم يكتف أردوغان بما سلبه أسلافه قديما، ولم تكتف تركيا بمئات العاملين المهرة الذين رٌحلوا من مصر إكراها إلى مركز الدولة العثمانية، ليكونوا تحت إمرتهم، وإمرة طواغيتهم، فيقول ابن إياس فى كتابه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور"، إن السلطان العثمانى سليم الأول، نقل أمهر العمال وأرباب الحرف فى مصر إلى إسطنبول، مما سبب الخراب وتوقف الصناعات التى اشتهرت بها مصر، حتى انقرضت 50 حرفة.
نهب الثروات كان ضمن خطة كبيرة من الممكن أن تسمى حاليا بـ"عثمنة مصر"، حيث اختفى منها العلم والعلماء بعدما عزلهم العثمانيون عن العالم والتطورات، واقتصر هم العثمانيون على جباية أموال وخيرات الأمة المصرية، وبدأ المؤرخ ابن إياس الذى توفى عام 1523، يدون الأحداث والمصائب والمذابح التى قام بها العثمانيون، التى فاقت الخيال، حتى وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو، الذى كان يعقد فيه اجتماعات المماليك، وتخريبهم ضريح السيدة نفسية.
لقد كان الترك يجاهرون بشرب الخمور فى الأسواق بين الناس، كما كان أغلبهم لا يصوم ولا يصلى فى الجوامع إلا قليلا منهم، ووفقًا لابن إياس، فإن 10 آلاف من المصريين سقطوا قتلى فى يوم واحد.
يبدو أن نهب الثروات ومحاولة "عثمنة" الولايات التى احتلوها قديما، والتى يريدون احتلالها حاليا، هو نهج الأتراك على مر العصور.
ما حدث فى مصر حدث فى ليبيا، حيث أكد مدير التوجيه المعنوى للقوات المسلحة الليبية خالد المحجوب، فى أكثر من ظهور على الفضائيات، أن ليبيا كان لها تجربة سيئة مع الدولة العثمانية من الإذلال ونهب الثروات والاحتلال الغاشم، وبعد ذلك باعت تركيا ليبيا لإيطاليا مقابل 200 ألف ليرة وبعض الجزر.
يكفى أنه فى كل عام تحيى فيه قبلية الجوازى فى برقة شرق ليبيا، الذكرى السنوية لوقوع 10 آلاف فرد من أبنائها قتلى على يد الحاكم العثمانى حينها "القرمانللى"، ففى عام 1816 نفذ العثمانيون مجزرتهم لرفض شيوخ الجوازى التعامل مع الاحتلال التركى للبلاد، بل رفضوا دفع الجزية والضرائب المفروضة عليهم وقاوموا جنود الاحتلال والانكشارية بضراوة واستبسال.
ودبر العثمانيون المذبحة فى نهار شهر رمضان وذبحوا العشرات من أبناء القبيلة وهم صائمون، بعد خلاف كبير بين الوالى العثمانى يوسف باشا القرمانللى وابنه محمد.
لقد عانى الشعب الليبى تحت الاحتلال التركى أشد المعاناة، إذ يقول المؤرخ الطاهر أحمد الزاوى، فى كتابه "ولاة طرابلس، من الفتح العربى إلى نهاية العهد التركى" إن المواطن الليبى الذى كان يعجز عن دفع الضريبة للعثمانيين، كان يُحمل على ظهر جمل أو يجر فى ذيل حصان، ثم يساق إلى السجن، أما إذا أفلت من هذا العذاب وفر من جنود الوالى، ففى هذا الحالة يقوم الجنود بإلزام جاره بدفع ما عليه من ضريبة.
هكذا كان الحال فى مصر وليبيا وغيرها من البلاد المنهوبة على يد السلطة التركية القديمة، هكذا كان يريد الإخوان أن يحدث فى مصر، وهكذا تريد بعض الفصائل السياسية فى ليبيا، فهل من المعقول أن لا نقرأ التاريخ جيدا، لنعرف ما حدث، وما قد يحدث فى المستقبل إذا تركنا السلطان التركى الجديد يعود إلى "مانيفستو" ما كان يفعله آباؤه وأجداده فى الولايات التى غزاها بالسيف.
التاريخ فى الكتب، والحكايات كثيرة، فقط تنتظر من يقرأها ليعرف منهج أردوغان وأسلافه.