
انفجار لبنان
أتى الخراب والدمار دفعة واحدة، انفجار هو الأضخم فى مرفأ بيروت، وحرائق تضرب عددًا من الدول العربية، وتحديدًا فى الإمارات والسعودية وتونس والجزائر، والخاسر هو المواطن العربى.
أقاويل هنا وهناك تتحدث عن فعل فاعل، واتهامات للحكومات بالتقصير والإهمال، والحقيقة تتأجل ليظل المواطن حائرًا بين سبب وآخر، ما يفتح الباب أكثر وأكثر لتسرب الإحباط والأزمات للنفوس.
لبنان المنكوب دائمًا
لا ينفك لبنان أن يخرج من أزمة حتى يقع فيما هى أسوأ منها.. انفجار هائل يضرب مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضى، ليخلف حتى كتابة هذه السطور أكثر من 137 قتيلاً، إضافة إلى نحو 5 آلاف من الجرحى.
سبق وقوع الكارثة حريق واسع فى مرفأ بيروت، وأظهرت مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعى سحابة دخان أبيض تخرج من العنبر رقم 12 فى مستودع يقع مقابل (صوامع) خزن حبوب ضخمة فى المرفأ.. كان هناك انفجار أولى كبير أعقبته سلسلة انفجارات صغيرة بدت بحسب الفيديوهات أشبه بالألعاب النارية.
وبعد نحو 30 ثانية، حدث انفجار هائل أرسل فى الهواء سحابة ضخمة على شكل فطر "عش الغراب"، لينتشر دويه فى كل أرجاء المدينة. أدى الانفجار إلى تدمير الأبنية الخاصة بالمرفأ والعمارات المجاورة له، وتسبب فى دمار وأضرار فى الكثير من أحياء العاصمة الأخرى، التى يقطنها نحو مليونى نسمة.
بعد وقت قليل امتلأت مستشفيات العاصمة اللبنانية بضحايا الانفجار من جرحى وقتلى، ليواجه البلد الجميل كارثتين، إحداها كورونا والثانية الانفجار.
توالت ردود الأفعال بعد ذلك، محافظ بيروت، مروان عبود، مثلاً قال إن عددًا كبيرًا من السكان يصل إلى 300 ألف نسمة باتوا بلا مأوى مؤقتًا، وقد يصل مجمل الخسائر إلى نحو 10 إلى 15 مليار دولار. بينما أكد الرئيس اللبنانى، ميشال عون، على أن سبب الانفجار هو وجود 2750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم، التى يقول إنها خُزنت بطريقة غير آمنة فى مستودع فى الميناء.
وكانت كمية مماثلة من مادة نترات الأمونيوم (المستخدمة فى الأساس كسماد زراعى) وصلت على متن سفينة شحن تحمل علم مولدوفا تدعى أم فى روسوس، وقد رست فى مرفأ بيروت فى عام 2013 جراء مشكلات تقنية أصابتها، وكانت فى رحلة من جورجيا إلى موزمبيق، وقد فتشت السلطات السفينة ومنعتها من المغادرة، وبعد فترة قصيرة تخلى عنها مالكوها، وأفيد لاحقا بمصادرة شحنة السفينة ونقلها إلى مستودع فى الميناء لأسباب تتعلق بالسلامة، وكان يجب أن تُعرض للبيع فى مزاد أو يتم التخلص منها.
الأزمة اللبنانية جعلت العالم كله يتحدث، فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، تحدث عن عمل تخريبى، فيما زار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بيروت، وتحدث إلى مواطنيها، فى حين أرسلت مصر مساعدات كبيرة إلى البلد المنكوب، ووضع مستشفى ميدانى تحت أمر السلطات اللبنانية لمداواة الجرحى.
فعل فاعل أم إهمال؟
بعد أقل من ساعة على انفجار المرفأ ظهرت أقاويل عن كون العمل تخريبياً، فقيل مثلاً إن السبب انفجار نووى، لكن خبراء الأسلحة سارعوا إلى نشر تقارير تنفى هذا الأمر، وأشاروا إلى أن الانفجار لو كان ناجما عن مواد نووية لكان قد ظهر وميض أبيض يعمى البصر، وكذلك ارتفاع فى الحرارة كانت ستحرق الناس بشدة.
كما أن السحب البيضاء التى تشبه "عش الغراب" لا تظهر فقط بسبب القنابل النووية.. ووفقًا للخبراء، فهى نتيجة لضغط الهواء الرطب، الذى يكثف الماء ويكون السحابة.
استمرت الادعاءات والأقاويل والصور والفيديوهات، وألقت بالمسؤولية على الولايات المتحدة تارة وإسرائيل تارة أخرى، وحزب الله تارة أخيرة.. لكن أبرز التحليلات التى خرجت عن الأمر كانت تلك التى ركزت على كون الهجوم كان إسرائيليا، إما بقنبلة أو ضربة صاروخية على مستودع أسلحة تابع لحزب الله، وظهرت فيديوهات (غير متحقق من مصادرها) تشير إلى هجوم صاروخى، إلا أن السلطات فى لبنان وإسرائيل رفضوا هذه الأقاويل.
نظرية المؤامرة لا تظهر فى الإمارات
انفجار لبنان، وما استتبعه من شائعات وأقاويل، لم يكن الحادث المؤسف الوحيد فى أسبوع ملىء بالحرائق فى الوطن العربى، بل بعده بيوم واحد اندلع حريق هائل فى الإمارات.
اندلع حريق ضخم فى سوق شعبى "السوق الإيرانى" بمنطقة الصناعية الجديدة، فى إمارة عجمان بدولة الإمارات، وأفادت بعض الصحف الإماراتية وقتها بأن وحدات الدفاع المدنى فى إمارة عجمان تعمل على إطفاء حريق ضخم فى السوق الشعبى بمنطقة الصناعية الجديدة.
نظرية المؤامرة وتحميل جهة ما مسؤولية الحريق فى هذا الشأن لم تظهر، والسبب هو سرعة كشف ملابسات الحادث، أذ كشف نائب مدير إدارة المراكز للدفاع المدنى الإماراتى، العقيد رائد عبيد الزعابى، تفاصيل الحريق الضخم الذى نشب فى السوق الشعبى بعجمان، المعروف باسم "السوق الإيرانى"، على مساحة بلغت 100 ألف قدم مربع.
وصرّح الزعابى بأنه "جرى العثور على مواد لحام داخل أحد المحال، بدون ترخيص، لأن السوق مغلق منذ 4 أشهر، إذ كان يستخدمها عُمال الصيانة، الأمر الذى أدى الى احتراق السوق بالكامل نتيجة وجود مواد سريعة الاشتعال، إضافة إلى وجود مواد بلاستيكية داخل المحلات والكراسى البلاستيكية والفحم وكل الأغراض المُستخدمة فى الرحلات".
وأوضح أنه تم تسخير التكنولوجيا للسيطرة على الحريق فى وقت قياسى، باستخدام طائرة بدون طيار "درون" تمكنت من نقل كل الأحداث وتصويرها إلى غرفة العمليات أولا بأول، وبالتالى توجيه فرق الدفاع المدنى وتحريكها، مشيرًا إلى مشاركة 3 مراكز من عجمان فى إخماد الحريق، مثمنا دور القيادة العامة لشرطة الشارقة والدفاع المدنى فى دبى والشارقة وأم القيوين، إضافة إلى بلدية عجمان والهيئة الاتحادية للكهرباء والماء.
ودعا الجهات والشركات إلى ضرورة الالتزام بالاشتراطات الأمن والسلامة التى حددتها إدارة الدفاع المدنى الإماراتية، وضرورة أخذ الموافقات المسبقة لأى نشاطات أو أعمال صيانة من الجهات المختصة فى الإمارة تفاديًا لوقوع حوادث مماثلة.
حرائق بالسعودية
حرائق أخرى شبت فى المملكة العربية السعودية، إذ شهد سوق أعلاف الماشية بمحافظة حفر الباطن فى المنطقة الشرقية بالسعودية، منتصف الأسبوع الماضى، حريق هائل كاد أن يتسبب فى كارثة مروعة، وباشرت فرق الدفاع المدنى والجهات الأمنية، موقع الحريق الذى التهم عشرات الشاحنات التى كانت متوقفة بجوار بعضها البعض ومحملة بالأعلاف، وسيطرت عليه.
وقدر عدد من المستثمرين والتجار فى سوق الأعلاف بحفر الباطن خسائرَهم، التى خلفها الحريق، بأنها تجاوزت المليون ونصف المليون ريال (7 ملايين ونصف من الجنيهات)، وحتى كتابة هذه السطور لم يُعلن عن سبب الحريق على لسان أحد المسؤولين هناك.
حريق حفر الباطن لم يكن الوحيد فى المملكة، ففى ليل الخميس اندلع حريق آخر داخل سور محطة قطار الحرمين بحى السليمانية بجدة، وهو المكان الذى شهد مطلع الأسبوع الحالى البدء فى عمليات الترميم عقب الحريق الذى شهده ذات الموقع منذ 11 شهرًا.
وأكد المتحدث الإعلامى للدفاع المدنى بمنطقة مكة المكرمة العقيد حمد بن عثمان القرنى، أنه فور تلقى البلاغ جرى تحريك الفرق اللازم والسلالم والمعدات المساندة للموقع، وبوصول الفرق اتضح أن الحادث عبارة عن اشتعال النيران فى عدد من البركسات المتخذة كمكاتب إدارية بساحة محطة قطار الحرمين بحى السليمانية بمساحة 1200 متر، إذ عملت الفرق على احتواء الحادث فى موقعه دون الانتشار للمواقع المجاورة.
النيران تمتد لتونس والجزائر
المغرب العربى لم يكن بمعزل عن الحرائق والانفجارات، فمنذ أيام اندلعت حرائق هائلة فى غابات بالجزائر، دمرت أكثر من 9 هكتارات من الغابات، بمتوسط 20 حادثًا يوميًا، حسب السلطات، إذ أمر الرئيس عبدالمجيد تبون، بفتح تحقيق فورى من أجل تحديد أسباب الحرائق التى التهمت مساحات شاسعة من الغابات، وبالفعل ألقت السلطات الجزائرية القبض على العديد من الأشخاص المتورطين فى إحداث تلك الحرائق الهائلة.
وقال وزير الداخلية الجزائرى كمال بلجود إن التحقيقات الأولى كشفت تورط عدة أشخاص فى الحرائق، موضحًا أنه تم توقيف ثلاثة من المشتبه بهم الـ15 الذين استدعتهم الأجهزة الأمنية.
أما فى تونس، فشب حريق هائل فى مصنع لتحويل الملابس المستعملة، فى محافظة بنزرت التونسية، وأكد مدير الحماية المدنية بالمحافظة مروان الغزوانى، أن أسباب الحريق لا تزال مجهولة، مشيرًا إلى ضرورة توفير تعزيزات هامة للسيطرة على الحريق.
ولفت الغزوانى إلى أن الحريق أكل حوالى 50 طنًا من بقايا الملابس المستعملة والصوف وغيرها من منتجات المصنع، دون تسجيل خسائر بشرية.، محملاً محافظ بنزرت، محمد قويدر، صاحب المصنع مسؤولية الحريق، وأن مستوى السلامة يكاد يكون معدوما داخله.
الأسباب
تعددت الأسباب، ولكن الكارثة واحدة، فباستثناء انفجار بيروت والذى لازالت أصابع الاتهام فيه حائرة، فإن معظم الحرائق المندلعة فى المنطقة العربية، وما جاورها فى إسرائيل وإيران على سبيل المثال، سببها قد يكون ارتفاع حرارة الجو وسلوكيات خاطئة لبعض المواطنين، منها ترك أوراق أو مخلفات فى مناور العقارات أو المبانى، وفى حالة اشتعال النيران يتفاقم الموقف أكثر وأكثر ويجب على المواطنين الانتباه لتعديل تلك السلوكيات.
كما أن كثرة تشغيل الأجهزة الكهربائية خلال فصل الصيف يسبب كذلك نشوب الحرائق وتكرار الأعطال الكهربائية أو وجود مواد سهلة الاشتعال بالقرب من أجهزة كهربائية، إضافة إلى سوء تخزين المخلفات أعلى أسطح المبانى، سواء مواد البناء أو الأوراق أو الأخشاب تتفاعل مع حرارة الشمس وبمجرد إلقاء أى مشتعل فإنه ينتج حريق على الفور.
وتتواجد أيضًا بعض المخلفات التى تحتوى على مواد عضوية وسريعة الاشتعال، مثل جراكن التنر والسولار والتى تتفاعل مع درجة الحرارة المرتفعة لينتج عنها حرائق، ويسبب ذلك خسائر فى المبانى التى تندلع بها، وتمتد إلى المجاورات عن طريق الشرز بفعل تيارات الهواء العالية فى هذا الوقت من السنة.
