أردوغان
التناقض واضح بين تصريحات الرئيس التركى التى خرجت بشكل رسمى فى ديسمبر 2015 للتغنى بمزايا التطبيع مع إسرائيل، وبين تصريحاته فى 2015، وهو ينتقد إعلان الإمارات للتعامل مع إسرائيل مقابل وقف ضم الأراضى الفلسطينية، مهددًا بسحب سفيرة من أبو ظبى.
أردوغان يتغنى بالتطبيع التركى مع إسرائيل
ففى ديسمبر 2015، كان أردوغان يتغنى بالتطبيع التركى مع إسرائيل الذى يخدم مصالحه التجارية على حساب القضية الفلسطينية، وقال حينذاك فى تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الرسمية والعالمية إن التطبيع مع إسرائيل مفيد لإسرائيل، معلنًا عزم تركيا على تعزيز مكانة إسرائيل بالغاز!
أما بعد إعلان الإمارات عن اتفاق السلام وبدء التعامل مع إسرائيل مقابل وقف ضم الأراضى الفلسطينية، أطل علينا أردوغان بفصل جديد من مزايداته التى لا تنتهى على الدول العربية، مغازلا شعبه وغيره من المغيبين بنغمة الخليفة، ومهددا بسحب سفير تركيا من الإمارات، وتعليق العلاقات، ومتجاهلاً فى الوقت ذاته وجود سفيره فى إسرائيل، وعلاقات بلاده بها التى تعتبر عاملا مهما فى بناء إسرائيل سياسيا واقتصاديا.
ميثاق الشبح .. تركيا أول من يعترف بإسرائيل
الغريب أنه فى ظل "ميثاق الشبح"، تتنامى العلاقات الإسرائيلية التركية على كافة المستويات الاقتصادية والأمنية، وهو الميثاق الذى تم توقيعه فى خمسينات القرن الماضى، لتصبح بموجبه إسرائيل أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل فى عام 1947، وترجم هذا الميثاق إلى واقع اتفاقات إستراتيجية واقتصادية وأمنية، وهو ما بقى زواجًا سريًا بين إسرائيل وتركيا لأكثر من 50 عاما حتى عام 1996، عندما وقعت أنقرة وتل أبيب اتفاق الشراكة الاستراتيجية علنا، وشمل الاتفاق بنود عدة تتراوح بين تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون العسكرى والتدريب.
العدالة والتنمية تعلن التطبيع رسميا
إلى أن جاءت حكومة "العدالة والتنمية" الإخوانية بزعامة أردوغان، لتعلن تركيا رسميًا تطبيق العلاقات الكاملة مع إسرائيل فى 2002، واستمر الحزب بالاتفاقات السابقة مع تل أبيب، على الرغم من بعض الانتقادات الإعلامية، خاصة مع اندلاع الانتفاضة الثانية.
وبدأ التوتر فى العلاقات بين أنقرة وتل أبيب عام 2009، إثر العدوان الإسرائيلى على غزة، وبلغ التوتر ذروته عام 2010، مع الهجوم الإسرائيلى على سفينة "مافى مرمرة"، لكن هذا التوتر لم يمتد إلى اتفاقات بيع الأسلحة والتبادل التجارى.
ويبلغ حجم التبادل التجارى بين تركيا وإسرائيل ما معدله 3 مليارات دولار سنويا، وازداد فى السنوات الخمسة الأخيرة إلى أضعاف هذا الرقم بدخول بلال أردوغان، نجل الرئيس التركى، وشركاته الخاصة منسقًا فى العلاقات التجارية بين إسرائيل وتركيا.
ازدواجية أردوغان
وعلى الرغم من كل هذا التاريخ، انتقد الرئيس التركى الاتفاق الإماراتى الإسرائيلى الذى يقضى بإقامة علاقات ثنائية مباشرة، وهى الصفقة التى تم التوصل إليها بوساطة أمريكية مقابل وقف ضم إسرائيل للأراضى الفلسطينية، من أجل بدء مفاوضات لها خطوات تنفيذية على أرض الواقع، بما يؤدى إلى إحلال سلام شامل وعادل فى المنطقة.
إلا أن مزايدات أردوغان وانتقاداته لم تجرؤ على المساس بإسرائيل، وتجاهل تمامًا وجود سفيره فى تل أبيب، كما تناسى العلاقات الاقتصادية القائمة بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلى، فى إقرار واضح من أردوغان بأنه يكيل بمكيالين ويسعى لإقامة علاقات دبلوماسية مع كافة أطراف النزاع فى الشرق الأوسط.
ومضت وزارة الخارجية التركية فى مسارها الغير منطقى، وقالت إن الإمارات العربية المتحدة ليس لديها سلطة التفاوض مع إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين، فى الوقت الذى أكدت فيه الإمارات أن مبادرتها تسعى إلى تهيئة الأجواء لبدء التفاوض مجددا، وأن القرار النهائى يظل بيد الفلسطينيين أنفسهم.
وعلى نطاق واسع، جاءت الردود الفعل العربية والعالمية مرحبة بالاتفاق الإماراتى الإسرائيلى، وسط تفاؤل دولى بأنه قد يخلق فرصا للسلام الشامل والفعلى بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفى المنطقة ككل.