البث المباشر الراديو 9090
تقرير عن الشهادة زور
يقف القضاء حائط صد في وجه الظلم، يحمي العدالة التي هي من أسس بناء المجتمع المستقر والآمن. يوازن بين حقوق الأفراد وواجباتهم. يعزز الثقة بين المواطنين والسلطات. فالمجتمعات العادلة توفر الشعور بالأمان والاحترام، وتبقى شهادة الزور جريمة تهدد كيان العدالة، وتفتح الباب أمام الإفلات من العقاب أو إدانة الأبرياء.

ورغم تجريم القانون المصري لهذه الجريمة، إلا أن بعض الخبراء يرون أن العقوبات الحالية لم تعد رادعة بما يكفي في ظل تزايد الحالات داخل ساحات المحاكم.

تعريف الشهادة الزور في القانون المصري

يُعرف القانون الشهادة الزور بأنها الإدلاء بأقوال كاذبة أمام القضاء بعد حلف اليمين، بقصد تضليل المحكمة أو التأثير على سير العدالة.

وتنص المادة (294) من قانون العقوبات المصري على أن:
"كل من شهد زوراً لمتهم في جناية أو عليه، يعاقب بالسجن المشدد أو السجن".

وفي بعض الحالات، قد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا ترتب على الشهادة الزور الحكم بالإعدام وتنفيذه بحق المتهم.

رأي قانوني: جريمة مزدوجة الأذى

يقول المستشار القانوني محمد الروبي، المحامي بالنقض: "الشهادة الزور ليست جريمة عابرة، بل تمس جوهر العدالة، لأنها قد تبرئ مجرماً أو تظلم بريئاً. العقوبة الحالية مناسبة من الناحية النظرية، لكن الإشكالية تكمن في صعوبة إثبات تعمد الشهادة الكاذبة".

ويضيف الروبي: "في قضايا كثيرة، نكتشف لاحقاً أن الشهود كذبوا تحت ضغط أو مقابل مادي، ولا يُحاسبون إلا في حالات نادرة، ما يشجع على تكرار الأمر".

قضية حديثة تعيد النقاش

خلال مارس الماضي، تداولت وسائل الإعلام قضية شاب أُدين بناءً على شهادة زور من أحد أصدقائه، قبل أن تظهر أدلة جديدة تبرئه.

الواقعة أعادت إلى الواجهة مطالبات بتفعيل نصوص القانون بصرامة، وملاحقة الشهود الزور بنفس الحزم الذي يُلاحق به الجناة.

رؤية قانونية لمواجهة الشهادة الزور: حلول من أرض الواقع

وأشار الدكتور أحمد البدري، أستاذ القانون الجنائي، إلى أن المواجهة الحقيقية لجريمة الشهادة الزور لا تقتصر على النص القانوني فقط، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تتعامل مع الجريمة من جذورها.

وقال البدري: "أرى أنه يجب البدء بالتوعية، لأنه يوجد الكثير من الناس في ساحات القضاء، يشهدون الزور بدون أن يكون لديهم العلم بتعريض أنفسهم للسجن، أو يجلبون الإيذاء لإنسان قد يكون بريء، فالأول التوعية، سواء في الإعلام أو في المدارس والجامعات".

ويضيف: "ضروري يكون هناك تدريب مُخصص للقضاة وأعضاء النيابة لكي يميزوا بين الشهادة الحقيقية والزور، من خلال قراءة الانفعالات وتناقض الأقوال.. لدينا أدوات علمية وتقنيات حديثة يمكنها المساعدة، مثل تحليل نبرة الصوت وتعبيرات الوجه".

قاعدة بيانات إلكترونية

ويتابع: "ومن الأفكار التي يمكن أن تصنع الفارق فعلاً، إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تضم الشهود الذين يظهرون بشكل متكرر في القضايا، وحينما يجد القاضي نفس الاسم يتكرر في أكثر من قضية، يجب وضع علامة استفهام على هذا الشخص".

ويختم الدكتور البدري حديثه قائلًا: "أنا أيضا من أنصار تخصيص نيابة مختصة بالشهادة الزور، وتفعيل صلاحيات المحكمة في إحالة أي شاهد للتحقيق فورًا إذا تمت إدانته بالكذب".

وأوضح: "يجب أن يشعر الناس بهيبة المحكمة وانها ليست مكانا للعلب واللهو، وإن الكلمة التي نقولها تحت القسم يمكنها هدم حياة إنسان وتحدد مصيره".

الشهادة الزور ليست مجرد تفصيل قانوني، بل جريمة تهدد أرواح الأبرياء وثقة المواطنين في العدالة. وفي ظل تكرار القضايا التي تثبت فيها خطورة هذه الجريمة، يصبح من الضروري أن يتحرك المجتمع القانوني والدولة معاً لتطويقها، حفاظاً على ما تبقى من قدسية المنصة القضائية.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز