محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة
الكتاب يستهدف بناء رؤية فكرية عقلانية يرتكن إليها العقل المسلم فى سعيه إلى التفاعل الإيجابى مع معطيات العصر؛ وهى رؤية ترتكز على العودة إلى المنابع الصافية للكتاب والسنة المتواترة وتحفيز العقل النقدى وتعظيم أدواره كوسيلة للتعامل مع الموروث من ناحية ومستجدات الواقع من ناحية أخرى.
ويتبنى الدكتور الخشت فى كتابه الجديد رؤية مبتكرة وسط الدعوات والجهود التقليدية المبذولة حالياً فى سياق تجديد الخطاب الدينى، ترى أن الجهود المبذولة فى مجال التجديد أشبه بعملية ترميم لبناء قديم، وتذهب إلى أن الأجدى من ذلك هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة دون تفريط فى القرآن الكريم ولا تخلى عن السنة المتواترة الثابتة بيقين إذا أردنا أن الوصول إلى خطاب دينى جديد فى حدود الواقع والعقل النقدى.
ويحدد "الخشت" نقطة البدء فى التأسيس لعصر دينى جديد فى تعزيز العقل النقدى القادر على القيام بمهمة الشك المنهجى التى قام بها إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام وهو يتلقى الأفكار الموروثة أو المتناثرة فى الواقع. فالشك المنهجى هو الوسيلة الأهم للخروج من دوامة التضليل وفوضى الأفكار إلى وضع أساس للتفكير الدينى المنضبط، وهو التفكير الذى يلح عليه القرآن الكريم، وتشرح قواعده أدبيات التفكير العلمى المنهجى، ويكون الخروج من حالة الشك المنهجى بدليل برهانى أو بدليل استدلالى تجريبى أو سلطان حسى مبين، وليس بقول "ولى" أو "داعية" أو "أمير جماعة".
ويؤكد المؤلف أن الشك المنهجى يتخذ من المراجعات العقلية منهجاً للوصول إلى "الحقائق الواضحة والمتميزة"، ولكى نصل إلى ذلك لابد من القيام بعملية تفكيك للخطاب الدينى البشرى التقليدى، واستكشاف المعتقدات الضالة التى تسربت إلى العقل المسلم من خلال كتب تزعم أنها كتب دينية، بما فى ذلك عقل بعض العلماء الذين سقطوا فى براثن الإسرائيليات والحكايات الموضوعة والروايات الضعيفة، بل سقط فيها أيضا بعض المفسرين والفقهاء مثل الطبرى والغزالى وابن تيمية وابن كثير والسيوطى وغيرهم.
ويعد الدكتور "الخشت" رائدًا لعلم فلسفة الدين فى العالم العربى، وذلك منذ ظهور كتاباته الأولى التى أسست لهذا التخصص منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، حيث مهد كتابه مدخل إلى فلسفة الدين (1993) لذلك، واستطاع التمييز بين العناصر العقلانية وغير العقلانية فى الأديان، مُستندًا إلى المنهج العقلانى النقدى فى كتبه: المعقول واللا معقول فى الأديان، تطور الأديان، ونحو تأسيس عصر دينى جديد، والعقل وما بعد الطبيعة،وتجمع مؤلفاته بين التعمق فى التراث الإسلامى والفكر الغربى، وتقديم رؤية جديدة لتاريخ الفلسفة الغربية تتجاوز الصراع التقليدى منذ بداية العصور الحديثة، كما تتميز بالجمع بين المنهج العقلى والخلفية الإيمانية، وغزل منهج جديد فى فنون التأويل يرتكز على التعمق فى العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية وتاريخ الأديان والفلسفة.