البث المباشر الراديو 9090
صلاح جاهين
تمر، اليوم الثلاثاء، ذكرى رحيل صاحب الرباعيات، الفنان الشامل صلاح جاهين، حيث ولد جاهين فى ديسمبر عام 1930، وتوفى فى 21 أبريل من عام 1986.

مواهب جاهين كانت متعددة، حيث تألق فى الأدب والشعر ورسم الكاريكاتير، وحاول جاهين، الذى نشأ وتربى فى شبرا أن يثقل مواهبه، التى ظهرت مبكرا بالدراسة، فالتحق بكلية الفنون الجميلة، لكن والده المستشار بهجت حلمى، رفض أن يكمل ابنه فى الفنون الجميلة، وطالبه بالالتحاق بكلية الحقوق، ونزولا على رغبة والده، ترك جاهين الفنون الجميلة، والتحق بكلية الحقوق، لكن ذلك لم يقف أمام طريقه لتحقيق حلمه، وإثبات موهبته للجميع.

علاقة صلاح جاهين بالفن بدأت عندما كان طالبا فى الثانوية العامة، حيث التحق بفرق التمثيل والمسرح بالمدرسة، وكان مدرس التمثيل له وقتها هو الفنان صلاح منصور، الذى دعمه كثيرًا، وأشاد بموهبته.

بدأ جاهين حياته العملية بجريدة "بنت النيل"، ثم انتقل بعدها لجريدة التحرير، التى كان يعمل من خلالها فى قسم التوضيب، وهو ما منحه مساحات صغيرة ليقدم رسوماته بتعليقات، حيث نصحه زملائه وقتها بالاتجاه إلى رسم الكاريكاتير، لما له من موهبة واضحة فى هذا النوع من الفن، وبالفعل بدأت مسيرته مع رسم الكاريكاتير.

انتقل بعد ذلك إلى مجلة روز اليوسف، التى كانت فاتحة الخير والأمل والحياة عليه، فهناك توطدت علاقته بصديقه الكاتب أحمد بهاء الدين، أول من أعطاه مساحة لرسم ما يريد فى صفحته الخاصة، وهناك أيضا تعرف إلى أول حب فى حياته، وهى زميلته سوسن ذكى، التى أنجب منها ابنته أمينة وابنه بهاء.

من روز اليوسف انتقل جاهين ليكون واحدًا من مؤسسي مجلة "صباح الخير"، ومنها إلى الأهرام، وهناك بدأت شهرته تتزايد بفضل شخصياته الكاريكاتيرية الشهيرة، والتى كان يسلط من خلالها الضوء على هموم المواطن والأزمات الاجتماعية والسياسية أيضا، لذلك لقب جاهين بفيلسوف الفقراء، خصوصًا أنه كان دائما وأبدا منحازا لهذه الطبقة الكادحة الفقيرة والمظلومة دائمًا فى رأيه وكتاباته.

حب صلاح جاهين للفن وانصياعه لموهبته فى الكتابة والتأليف، جعلته يتجه لكتابة السيناريوهات السينمائية، بل أنه أنتج عددًا من الأفلام، كان منها "أميرة حبى أنا" و"عودة الابن الضال"، وكان لفيلم "خلى بالك من زوزو" نقلة فى حياته، على الرغم من الانتقادات التى وجهت ضده من قبل كثير من الحركات الطلابية فى الجامعات المصرية وقتها، إلا أن الفيلم حقق إيرادات لم تصل لها السينما وقتها، واستمر فى دور العرض لأكثر من 56 أسبوعًا، محطمًا بذلك كل الأرقام القياسية للأعمال التى سبقته.

من نجاحات جاهين أيضًا رباعياته، التى جمعها فى كتاب، وباعت فى أقل من أسبوع 125 ألف نسخة، وهى مبيعات لم تراها الهيئة العامة للكتاب من قبل.

كأى مبدع يقترن الجنون أحيانا بالسمات الشخصية فى تركيبته الإنسانية، هكذا كان صلاح جاهين، ومن أبرز مواقفه التى تدل على اختلافه، وجنونه أحيانا، أن طلاقه من زوجته الأولى سوسن جاء بعدما اعترف لها بحبه للسيدة منى قطان اللبنانية، وكان جاهين قبل زواجه من سوسن قد اتفق معها أن الصراحة ستكون عنوان حياتهما معا، وهو الوعد الذى صدقه، وذهب إليها ليعترف بحبه لمنى، وما كان منها سوى أن طلبت الطلاق والانسحاب من حياته، لكنها عادت إلى عصمته، خصوصًا بعدما اكتشف جاهين، الذى لم يقطع علاقته بها، أنها لا زالت تحبه، وتكن له كل مشاعر الحب والعشرة والصداقة، فكان قراره بإعادتها لعصمته مرة أخرى.

أيضا فقد كان معروفا عن جاهين اختفائه الدائم، بعد أى موقف صعب يمر به، وذات مرة عندما أصيب والده بمرض السرطان وساءت حالته، قرر أن يختفى، ومرت الأيام التى وصلت لـ10 أيام دون أن يظهر جاهين، فتوجهت شقيقته لمنزل العندليب عبدالحليم حافظ لتسأله عن جاهين، وأكد لها حليم أنه لا يعرف عنه أى شىء، لكنها لم تصدق، فوعدها حليم أنه سيعثر عليه، ويأتى به غدا لمنزلهم، وبالفعل تصرف حليم بشكل أكثر جنونا، حيث نشر إعلانا فى اليوم التالي فى الأهرام، كتب فيه "ارجع يا صلاح.. أهلك بيدوروا عليك"، فعاد فى اليوم التالى إلى منزل والده، واكتشفوا أن كان يختبئ من أحزانه فى الإسكندرية.

عمله كصحفى ورسام كاريكاتيرى، وطد علاقته بالسياسة، فكان مغرما بثورة يوليو، وقائدها جمال عبدالناصر، بل أخذ على نفسه عهدًا بأن يوضح للناس مفهوم الثورة وأهميتها، من خلال رباعياته البسيطة، ليصل للمواطن البسيط، الذى يجهل تعقيدات المصطلحات السياسية المعقدة.

وكان جاهين هو شاعر الثورة الأول، كتب أغنيات حماسية احتفاءً بالثورة، وكان حليم هو صوت الثورة، وكمال الطويل هو ملحن أغنياتها، حيث قدموا "صورة، بالأحضان، إحنا الشعب، يا أهلا بالمعارك، وناصر يا حرية"، وعلى قدر حماسه وحبه للثورة كانت هزيمته وانتكاسته بعد هزيمة 67، عندما تغير حال جاهين وانقلب رأسا على عقب، اختفى واكتئب ومرض، وكان يعيش وقتها بذنب أنه هو من شارك فى بيع الكذب للمصريين وإشعال حماسهم خداعا دون فائدة حتى وصل بهم للنكسة، حتى وصل الأمر بجاهين إلى أنه سافر ليتلقى علاجا فى مصحة نفسية خاصة فى روسيا، ليعود بعدها متمردا على كل الأفكار التى روج لها من خلال أغنياته.

وفى عهد السادات كان جاهين من أكثر المناصرين له، بل أنه فقد كثيرًا من شعبيته، بسبب دفاعه عن معاهدة السلام، وهجومه على كل من يقف ضدها، ويقال أن هذا الأمر قارب بينه وبين الرئيس السادات على المستوى الشخصى.

وفى آواخر أيامه، عانى صلاح جاهين من اكتئاب نفسى حاد، غير من كل شىء فى حياته، ووصل لدرجة أصابت السندريلا سعاد حسنى بالاكتئاب هى الأخرى، بسبب عدم تحملها لرؤيته فى هذه الحالة، خصوصًا أنها كانت ترى فيه أباها الروحى، وصديقها الذى لا يعوض.

وتوفى صلاح جاهين فى 21 أبريل من عام 1986، واختلف كثيرون على حقيقة وفاته منتحرا أم أنه توفى بشكل طبيعى.

وفى عام 2009، فتح الكاتب سمير فريد مجالًا للجدل، بعدما أكد فى أحد مقالاته أن جاهين انتحر، لأنه كان مريضا بالاكتئاب، ومريض الاكتئاب يجد فى الموت نجاة، وشبهه بمن يلقى بنفسه من الطابق العاشر خوفا من حريق نار، أكد سمير فريد من خلال مقاله أنه كان شاهد عيان على تناول جاهين لأقراص حتى ينتحر.

كما قال المنتج حسين القللا إنه أرسل ليحضر مضادات للأقراص، التى تناولها جاهين من سويسرا، لكنها وصلت متأخرا بعد أن لفظ جاهين أنفاسه الأخيرة، لتظل وفاته علامة استفهام كبيرة، تتساءل كيف لشاعر الحياة والفيلسوف العارف بتفاصيلها، أن يغط فى اكتئاب يودى بحياته فى النهاية.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز