سيد شعبان
ولم تظهر دار تشكيل صدفة، إذ كان سيد شعبان مديرًا للنشر الأدبى فى دار العلوم، وخلال سنتين أصدر 50 ديوان شعر عامية، وهو ما اعتبره الكثيرون جنونًا، وعندما أسس شعبان دار تشكيل أصدر خلال العامين السابقين 40 ديوان عامية. ومع ذلك، فإن الدار تدخل هذا العام تحدٍ كبير حيث تشارك فى معرض القاهرة للكتاب بـ12 رواية وهى الخطوة التى يراها شعبان مهمة كى لا تنحصر الدار فى شكل واحد.
دار تشكيل موجودة منذ عامين فقط ولكنها حققت نجاحًا كبيرًا فى نشر شعر العامية وخلال دورتين سابقتين من جائزة أحمد فؤاد نجم فازت سبعة دواوين صادرة عنها، كأكثر دور النشر فوزًا بالجائزة.. حدثنى عن فلسفة تشكيل فى النشر؟
للأمر أكثر من بعد، فأنا شاعر قبل أن أكون ناشرًا ولدى عين خبيرة بعض الشىء فى الرهان على من يمكن أن ينافس ومن ينتظره مستقبل بعد سنوات، كما أننا نراعى فى اختياراتنا مسألة التنوع سواء فى شكل الكتابة أو فيما يخص التوزيع الجغرافى، بحيث يصبح لدينا عدد من الدواوين التى تعبر عن أكثر من شكل، ومن مناطق جغرافية مختلفة. نشرنا 90 عنوان خلال سنتين منهم 40 ديوان عامية ولكن هذه الدواوين لم تنشر خلال معرضى الكتاب السابقين فقط بل على مدار السنتين، سواء فى شهرى أبريل ومايو أو فى نهاية الصيف، لأننا نهتم بالعمل على ما ننشر ونروج له ولا نكتفى بأن ننشر كتابًا ثم ننساه.
يمكن أن نعتبر أن نشر شعر العامية هو مشروع الدار؟
هذا صحيح إلى حد بعيد ولكن أيضًا نهتم بنشر كتابات أخرى، وبكل الأحوال لن نحصر أنفسنا فى شكل واحد أو استراتيجية واحدة، لدينا هدف أن نصبح دار نشر كبيرة ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربى. أنا منحاز لشعر العامية وكان هدفى من البداية إتاحة النشر، ومجانًا، لكل شاعر موهوب. طبعًا نرفض أعمالًا كثيرة، تقريبًا 90% مما يعرض علينا نرفضه، ولكن لأسباب لا تتعلق فقط بضعف المحتوى، ولكن قد يكون الديوان المعروض مثلًا يشبه ديوانًا عندنا، أو أن هذا الشاعر ينتمى لنفس مدرسة الكتابة التى خرج منها أحد شعراء الدار، وهذا لا يقلل من موهبته طبعًا. رفضنا هنا لا يتعلق بالمحتوى بقدر ما يعبر عن فلسفة الدار التى لا تنشر كتابين متشابهين وتسعى للاختلاف دائمًا، وأنا سعيد جدًا للثقة الكبيرة التى منحها إيانا الشعراء الشباب وأعتذر لكل من لم ينجح فى أن ينشر عندنا.
أريد أن أشير أيضًا إلى أن هناك مواهب جبارة فى شعر العامية المصرية، ويعود جزء كبير من الفضل للتمهيد لانتشار هذا اللون الأدبى إلى هشام الجخ الذى أسس لفكرة أن يكون عندك حلم أن تصبح شاعرًا بعد أن رسخت فى الذهنية العربية صورة مغلوطة عن الشاعر كشخص له شعر أشعث يرتدى ملابس بالية غير مهتم بهندامه ولا مظهره، ويمشى بين الناس لتتساقط منه الإكليشيهات والجمل المتقعرة. الشاعر ليس هكذا على الإطلاق.
ماذا نشرت تشكيل غير شعر العامية؟
نشرنا 25 رواية، ونفس العدد من الكتب المتنوعة. مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه الأرقام تشمل عناويننا خلال معرض القاهرة للكتاب المقبل.
هل فكرت فى النشر المترجم؟
فكرت ونفذت. اتفقت مع الدكتورة حنين عمر على ترجمة كتاب عبارة عن مختارات من الشعر الفرنسى ليعبر عن الفترة من عام 1800 وحتى عام 1900. اختارت 100 قصيدة ويصدر الكتاب بعنوان "ميموريام" بعد أيام فى معرض الكتاب.
من اللافت أن كتاب الدار شباب وعدد كبير منهم يدخل مجال النشر لأول مرة...
نحن نقصد ذلك. أذكر عندما أصدرت كتابى الأول عام 2010 كانت مشكلتى ومشكلة جيلى من الكتاب الشباب هى أن النشر يحتاج مقابل مادى، وكنا فى مرحلة عمرية لا تسمح لنا بتوفير ما يسمح لنا بنشر كتاباتنا، وحين بدأت عملى بدار العلوم أردت أن أسمح لكل كاتب موهوب أن ينشر كتابه بلا مقابل، وعندما أسسنا تشكيل وضعنا هذا الهدف أمام أعيننا: أن ننشر لكل كاتب موهوب بلا مقابل مادى.
تنشر بلا مقابل مادى وفى نفس الوقت لا تستهدف شباب الكتاب المنتشرين على السوشيال ميديا لضمان مبيعات جيدة للكتاب وباستثناء عمرو حسن لا يوجد عندك كتاب مشهورين.. لماذا؟
أنشر بلا مقابل، وسأظل كذلك، لأنى أريد أن أن أمنح الفرصة لكل كاتب شاب موهوب. هذه نقطة. وفكرة أنى لا أستهدف الكتاب المشهورين على مواقع التواصل الاجتماعى تعود لأنى أراهن على النص وعلى بقائه لأطول فترة ممكنة. أعمل على خلق كيان اسمه تشكيل بحيث تتكون علاقة ثقة بين الدار والقارئ، أريد للدار أن تبيع باسمها لا باسم الكاتب، وأن يصبح اللوجو الخاص بها علامة مسجلة على الجودة، ومؤخرًا تلقيت اتصالًا من أحد القراء الذى هاتفنى، دون معرفة سابقة، ليشكرنى على رواية "باريس لا تعرف الحب" التى قرأها وأعجبته جدًا. سألته إن كان يعرف مؤلفها محمد طارق، غير أنه أجابنى بالنفى. هذا ما حاولت أن أصنعه، وهذه المكالمة تثبت، لى على الأقل، أنى فى الطريق الصحيح.
أعود لسؤالك. وأجيبك بخصوص الربحية وكيف ننظر للمسألة من الناحية التجارية، نحن دار نشر هادفة للربح طبعًا، ولكننا لا ننظر للمسائل بسطحية، ولا ننشغل بالمكاسب فى الوقت الحالى، ونعلم جيدًا أن النشر سيدر علينا مكاسب طائلة، ولكن خلال الفترة الحالية أسعى بشكل أساسى لتكوين فريق كتاب للدار، كتاب حقيقيون يعرفون معنى وقيمة الكتابة ويحسبون لها حساباتها ويدركون خطر المسئولية التى يفرضونها على أنفسهم باتخاذ خطوة النشر. هذا ما يشغلنى أكثر من أن أكسب بعض الأموال التى ستأتى حتمًا خلال سنوات مقبلة.
بالحديث عن كتابك الأول.. أنت شاعر ولك ثلاثة دواوين وكتاب ساخر ولكن على ما يبدو أن النشر أبعدك كثيرًا عن الكتابة وعطل مشروعك.. ماذا يعنى أن تكون كاتبًا يعمل بالنشر؟
مشروعى تعطل كثيرًا، ولم أعد أجد وقتًا لأكتب. النشر أثر سلبًا على كتابتى وأتمنى ألا يستمر الأمر كثيرًا لأنى ابتعدت جدًا وأتمنى أن أعود قريبًا للكتابة، ولكن على ما يبدو أن العودة ستتأخر. من مساوئ عمل الكاتب بالنشر هو الكم الكبير من النصوص الرديئة التى تعرض عليه، هو يتأثر بها ويسعى جاهدًا كى لا تتوه ذائقته فى هذه الكتابات السيئة.
أنت إذن لا تخطط للكتابة؟
أؤمن أن الكتابة فعل إبداعى يفسده التخطيط. الفكرة تبحث عن صاحبها وتفرض نفسها، ولكن هناك عوامل ومحفزات وجو عام لا بد أن يحيط الكاتب. أذكر عندما كنت أكتب أنى لم أترك لقطة واحدة أثناء سيرى فى الشارع مثلًا إلا وخزنتها فى ذاكرتى لأكتب عنها، كنت فى جو عام يسمح بالكتابة ويجبرنى على أن أنبش فى كل ما حولى لأكتب، أما الآن فاختلف الأمر واستحوذ النشر على كل وقتى، النشر عمل شاق ولكنه ممتع أيضًا.
هناك دار نشر سعودية لها نفس الاسم.. لماذا لم يتم التواصل بينكما؟
هذه الدار سرقت اسمنا وحتى ألوان اللوجو وطريقة التصميم. تواصلت معهم وأخبرتهم وطلبت تفسيرًا ولكنهم وضعوا النقاش فى سياق توارد الأفكار وأن المسألة تمت بدون قصد، واتفقنا وقتها على التواصل مجددًا لإيجاد حل، ولكنهم لم يتصلوا بى، وعندما حاولت أن أفعل لم أتلقَ أية ردود. فى الحقيقة هذا أمر بالغ الخطورة، وهناك كتاب يذهبون لهم باعتبارهم تشكيل المصرية، والعكس أيضًا، لقد أربكونا وأربكوا أنفسهم أيضًا، وما فعلوه يفتقر إلى المهنية.