
صبرى موسى
الكاتب والروائى والصحفى والسيناريست صبرى موسى، الذى رحل عن عالمنا اليوم، ولد بمحافظة دمياط عام 1932، عمل مدرسًا للرسم لمدة عام واحد، ثم صحافيًا فى جريدة الجمهورية، وكاتبًا متفرغًا فى مؤسسة "روزاليوسف"، وعضوًا فى مجلس إدارتها، ثم عضوًا فى اتحاد الكتاب العرب، ومقررًا للجنة القصة فى المجلس الأعلى للثقافة.
له العديد من الأعمال الأدبية والفنية، إذ قدم المجموعات القصصية "القميص، وجهًا لظهر، مشروع قتل جارة، والروايات "حادث نصف المتر، فساد الأمكنة، السيد من حقل السبانخ"، وفى أدب الرحلات قدم "فى البحيرات، فى الصحراء، رحلتان فى باريس واليونان"، وكتب للسينما سيناريو وحوار "البوسطجى، قنديل أم هاشم، الشيماء، قاهر الظلام، رغبات ممنوعة، رحلة داخل امرأة، حادث النصف متر، أين تخبئون الشمس".
فى كتابه "فى البحيرات"، الذى قدمه ضمن سلسلة الكتاب الذهبى فى مؤسسة روزاليوسف عام 1965، تناول بحيرات مصر، وتاريخ نشأتها، ودلتا مصر وتاريخها وكيفية تكونها وتطورها، أما كتاب "فى الصحراء"، الذى نشره فى نفس المؤسسة عام 1964، فقدمه قائلًا: "هى رحلة ساذجة.. الهدف منها أن أعذبكم.. أن أغسلكم بالشمس.. أن أضع كلا منكم أمام نفسه ليتفرج عليها ويكتشفها".
الكتابان اللذان ينتميان لعالم أدب الرحلات سبقتهما مجموعته القصصية "القميص"، التى قدمها عام 1958، وخرجت بواقعية تلمس شخصيات عادية جدًا بشكل غير عادى، من تفاصيل حياتية مرهفة نعبر عليها يوميًا، لكن صبرى موسى لا يجعلنا نعبر عليها مرور الكرام، ويجعل تأثرنا بها كأننا نراها لأول مرة.
أما "السيد من حقل السبانخ"، روايته التى نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1987، فتعد مأساة محكمة لعالم فقد السيطرة على نفسه فسمح للآلة أن تستعبده، ونجد أن الصراع الحقيقى يبدأ وينتهى قبل زمن الرواية، بل قبل زمن الحرب الإلكترونية الأولى.
ولا تتحدث روايته الشهيرة "فساد الأمكنة" عن فساد الأمكنة، لكنها تتحدث عن فساد النفوس، وقال عنها الدكتور على الراعى: "هذه رواية فذة، كتبها روح شاعرى، يتمتع بحس اجتماعى وسياسى مرهف، وروح تنفذ إلى ما وراء الأشياء، وتستحضر روح الطبيعة والإنسان معًا، وتكتب هذا كله بلغة مشرقة، أنيقة ورصينة وجميلة، وهى بهذا علامة بارزة فى الأدب العربى".
وعن "فساد الأمكنة" قال الدكتور غالى شكرى: "راح صبرى موسى يبحث فى صبر وجمال عن رؤى تخترق أحشاء الواقع، فتصل إلى نبوءة جمالية عميقة لأخطر الهزائم وأبقاها فى كياننا الروحى"، كما قال عنها الدكتور محمد بدوى: "لقد أحدثت فساد الأمكنة دويًا فى الحياة الأدبية، إذ تكثفت فيها خبرات موسى المتنوعة وتآزرت لتقدم نصًا روائيًا بالغ العمق".
ويقول الراحل فى روايته الشهيرة: "إن مئات الخطايا الصغيرة التى نرتكبها بسهولة ويسر فى المدينة ضد أنفسنا وضد الآخرين تتراكم على قلوبنا وعقولنا ثم تتكثف ضبابًا يغشى عيوننا وأقدامنا فنتخبط فى الحياة كالوحوش العمياء. فالمدينة زحام، والزحام فوضى وتنافس وهمجية. ولكنهم فى الصحراء قلة، والخطايا الصغيرة تصبح واضحة تطارد من يرتكبها، ويصبح ضبابها على النفس أشد كثافة وثقلًا، بينما تحتاج دروب الحياة فى الصحراء إلى بصيرة صافية نفاذة لتجنب أخطارها. إن الفضائل تمنحهم قدرة على الصفاء، فيمتلكون حسًا غريزيًا مشبعًا بالطمأنينة، يضىء فى عقل البدوى حين يضيع منه الطريق فى رمال الصحراء الساخنة الناعمة فيهتدى فى طريقه، وتجعل قلبه يدق له إنذارًا بالخطر وهو نائم فى ليل الصحراء السحرى حينما يقترب من جسده عقرب أو ثعبان".
حصل صبرى موسى على جائزة الدولة للسيناريو والحوار فى مصر عام 1968، وجائزة الدولة التشجيعية فى الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1974، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله القصصية والروائية عام 1975، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى تكريمًا من رئيس الجمهورية فى عيد الإعلاميين 1992، وجائزة بيجاسوس الدولية من أمريكا، والميدالية الذهبية للعمال الأدبية المكتوبة بغير اللغة الإنجليزية عام 1978، وجائزة الدولة للتفوق فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 1999.
وتوفى اليوم فى منزله بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 86 عاما، بعد تعرضه لغيبوبة نُقِل إثرها إلى مستشفى الهرم.
