البث المباشر الراديو 9090
مجدى نجيب
فى عام 1966، أنتجت الإذاعة المصرية أغنية "قولوا لعين الشمس" التى غنتها الفنانة الراحلة شادية، وكتب كلماتها الشاعر مجدى نجيب، ولحنها بليغ حمدى.

الصدفة، وليس شىء آخر، هى التى قادت مجدى نجيب لتأليف الأغنية، وهو الذى كان يعتبر كتابة الأغانى نوعًا من العار، إلى أن قابل بليغ حمدى فى حديقة معهد الموسيقى بصحبة الكاتب الصحفى عبد النور خليل. وقتها، دار حديث بين مجدى وبليغ، عبَّر خلاله الأخير عن طموحاته فى مجال التلحين، وكيف يحلم بتفجير الأرض بالديناميت.

يقول مجدى نجيب فى كتابه "صندوق الموسيقى.. زمن الغناء الجميل": "فى تلك الأمسية الناعمة هرش رأسه كأنه يحاول القبض على أفكاره وبدأ يتحدث عن حلمه: أريد أن أفجر الديناميت فى الأرض الميتة، أقصد إحياء موروثنا الشعبى، الموسيقى والغناء فى كل الوطن العربى لكى لا نستيقظ يومًا فنجد أنفسنا قد فقدنا جذورنا".

فى نهاية اللقاء، طلب بليغ من مجدى نجيب أن يكتب له أغنية، غير أن الأخير صُدم من الطلب وشعر بخوف ورهبة، فهو لم يتصور يومًا أن يترك الشعر والرسم والصحافة ليكتب الأغانى: "كنت مقتنعًا أن تأليف الأغانى هو نوع من العار بالنسبة للشاعر لأنه بالضرورة سيتنازل عن بعض الأشياء التى قد تضره كمبدع عندما يبتعد عن اللعب على الورق بمفرده".

يحكى نجيب أنه وافق، فى غير حماس، مكتفيًا بهز رأسه دليلًا على موافقة جاءت بسبب إصرار بليغ من جهة وخجل مجدى منه من جهة أخرى. بعد أسابيع، تقابل الاثنان وطلب بليغ كلمات الأغنية، وتحت إلحاحه سلمها له مجدى نجيب بعد أيام، ولكن بليغ بدأ يدندن لحنًا خاصًا به، لا يشبه كلمات الأغنية أو لا يليق عليها. اندهش مجدى، الذى طلب منه بليغ أن يكتب وفقًا للحن الذى سمعه منه. لم يرحب مجدى، لأنه شعر أن الأمور ستكون أكثر تقييدًا لحريته فى الكتابة، كان على وشك الرفض، إلا أن بليغ استفزه، تحداه، ابتسم له ابتسامة لئيمة وأمطره بنظرات مستفهمة عما إذا كان يتحجج لعدم قدرته على الكتابة: "ألم تفكر أن تدخل فى تحدٍ مع نفسك؟ حاول أن تجرب فقط، فلن تخسر شيئًا".

وافق مجدى نجيب وصمم على الكتابة وفق اللحن الذى صنعه بليغ: "كتبت أى كلمات لنفسى على إيقاع الموسيقى اللحنى لكى أتذكر ما سأكتب عليه، ثم وعدته أن تكون الأغنية جاهزة خلال أيام".

لم تكن التجربة سهلة على الإطلاق، وبحسب كلام مجدى نجيب فى كتابه الصادر عن دار المسار عام 2012، فإنه تعب أثناء كتابة هذه الأغنية، لأنه يكتب تحت قيد اللحن من جهة، ولأنها المرة الأولى التى يجرب فيها الكتابة الغنائية من جهة ثانية. فى النهاية سلم الأغنية لبليغ خلال أيام كما اتفقا، وفى عام 1966 حصل مجدى نجيب على خمسة جنيهات من الإذاعة المصرية التى أنتجت أغنية "قولوا لعين الشمس" ليدخل بعدها مجدى نجيب عالم كتابة الأغانى من الباب الكبير بعد أن غنت له شادية ولحن له بليغ حمدى، وحققت الأغنية نجاحًا ضخمًا.

بعد أسابيع من هزيمة يونيو 1967، كان مجدى نجيب يستقل تاكسيًا رفقة صديقه الشاعر عبد الرحيم منصور، الذى أخبر سائق التاكسى أن مجدى الذى يجلس جواره هو مؤلف أغنية "قولوا لعين الشمس ما تحماشى" ليصدر عن السائق رد فعل لم يتوقعه أيهما.

أوقف السائق سيارته، وطرد الشاعرين ووجه كلامه لمجدى نجيب تحديدًا: "أنت السبب فى فضيحتنا وهزيمة عساكرنا والمسخرة منها ومن جيشنا المصرى".

كانت الدهشة عارمة، غير أن عبد الرحيم منصور، بعد أن توقف عن الضحك، ذَكَّر مجدى نجيب بقصة أغنيته التى غنتها مطربة إسرائيلية وأذاعتها إسرائيل بعد أن غيرتها لتكون: "قولوا لعين الشمس ما تحماشى/ لاحسن الجيش المصرى صابح ماشى".

واستمرارًا للتأثير الواسع الذى حققته الأغنية، كان مجدى نجيب واحدًا ممن بنى عليهم الشيخ كشك مادته الفكاهية الساخرة من الأدب والفن عمومًا، حيث هاجم مجدى نجيب بضراوة فى إحدى المرات لأنه تجرأ وأمر الشمس ألا تكون حامية حتى لا تؤذِ عيون حبيبه، ووصفه بالزنديق الذى يأمر مخلوقات الله، وكأنه من خلقها.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز