
الرقابة والمسرح المرفوض
وأصدر كليبر أوامره بتنظيم عمل ما سمى بـ"لجنة الاستعلام عن الحالة الحديثة فى مصر"، وهى اللجنة التى أنتجت كتاب "وصف مصر"، وأعطى مهمة مراقبة الملاهى والمقاهى، للشرطة (البوليس).
واقتصر نظام المراقبة وقتها على ما تقدمه هذه الأماكن من مسرحيات دينية وسياسية، قد تثير حماس ووطنية الشعب المصرى ضد الحملة الفرنسية.
لكن أول قانون عرفته مصر للرقابة كان فى يوم 26 نوفمبر 1881، وهو قانون الرقابة على المطبوعات (الصحف والمجلات)، وفى العام 1904 تم تعديله ليشمل الرقابة على الأفلام، بعد دخول السينما إلى مصر، وبعدها بسبعة أعوام، صدرت لائحة "التياترات"، إلا أن مهمة الرقابة فى كل هذا كانت خاصة بجهاز الشرطة.
خاض جهاز الرقابة أول معركة حقيقية مع الفن فى مصر، العام 1926، عندما وافق الممثل المصرى الراحل يوسف وهبى على القيام بببطولة فيلم ألمانى، يجسد فيه شخصية النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهنا دخلت المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر، الأزهر الشريف، لتبدى رأيها، حيث أصدرت بيانًا طلبت فيه من الشرطة أن تمنع الممثل المصرى الكبير من السفر لتمثيل الفيلم، حفاظًا على صورة النبى.
وطوال تاريخ السينما فى مصر، ظلت التابوهات الثلاثة (السياسة، والجنس، والدين) قواعد جامدة لدى الرقابة، ممنوع مناقشتها بشكل مباشر، وحتى المحاولات القليلة التى قدمها السينمائيون وفرت من بين أيدى الرقيب، كانت تواجه بهجوم ضارٍ من نقاد أو سينمائيين أو صحفيين أو رجال دين، حتى وصل الأمر إلى المحاكم فى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.
فى هذا الفترة كان المد المتزمت دينيًا يواصل اجتياحه للمجتمع ككل، فمنع الأزهر عرض فيلم "الرسالة" للراحل مصطفى العقاد على التليفزيون المصرى، ومنع القضاء فيلم "المهاجر" للراحل يوسف شاهين من دور العرض، لأسباب دينية.
السنوات الأخيرة حدث مد آخر من نوع ربما لم يكن معروفا فى المجتمع المصرى، وهو المد الأخلاقى، ورفعت الحكومة المصرية وكثير من الأقلام والإعلاميين رايات الحفاظ على الأخلاق والعادات والقيم وصورة مصر فى الخارج، فزادت سلطة الرقابة الحكومية على الإبداع، فتم منع عرض فيلم "حلاوة روح" للمخرج سامح عبدالعزيز بقرار حكومي فى سنة 2014، وهو العام الذى شهد أيضًا منع عرض الفيلم الأمريكى "الخروج - آلهة وملوك" للمخرج ريدلى سكوت، ليس لسبب دينى، ولكن "لأنه يشوه سمعة مصر" حسب بيان وزارة الثقافة.
لم يقتصر الأمر على الأعمال السينمائية فحسب، بل امتد الأثر إلى الأغنيات المصورة، ففى ديسمبر من العام الماضى 2016، قضت محكمة مصرية بحبس المطربة شيما ومخرج أغنيتها المصورة "عندى ظروف"، سنتين، وتغريمهما 10 آلاف جنيه، لاتهامها بالتحريض على الفسق والفجور.
منذ سنوات حاول جهاز "الرقابة على المصنفات" المصرى أن يأخذ خطوة للأمام بخصوص مسألة المنع والإجازة، فقدم حل "التصنيف العمرى"، الذى واجه بانتقادات وترحيبات على السواء.
يؤكد الناقد السينمائى، محمود قاسم، إنه مع التطور الهائل فى عالم الفضائيات والإنترنت صار من الصعب للغاية أن تطبق الرقابة قواعدها الصارمة على الإبداع، مضيفًا: "أصبح من المستحيل أن تتحكم فيما يشاهده الجمهور، لأنه يجد ضالته فى وسائل عدة"، إلا أن الكاتب الصحفى وشاعر الأغانى، فوزى إبراهيم، يرى أن المنظومة الرقابية ككل لابد وأن تتغير لتواكب العصر الذى نعيش فيه.
