أمين الحسينى
فى العام 1942، وبينما العالم يغلى داخل حرب عالمية ثانية من شأنها إعادة تقسيم الجغرافيا والتاريخ، كان الحاج أمين الحسينى مفتى القدس، فى زيارة عاجلة للبوسنة، من أجل الترويج لتحالف وصفه بالطبيعى بين الإسلام والنازية، كصديقين لهما مصالح مشتركة فى مواجهة اليهود والبلشفية.
هذه المعلومات، وحكايات أخرى، كشفها مؤخرًا كتاب "الإسلام وحرب ألمانيا النازية" الذى تضمن دراسات وأبحاث حول علاقة الإمبراطوريات المختلفة بالإسلام وتنظيماته وجماعاته ورجاله المؤثرين، وكيف استخدمت تلك الإمبراطوريات شخصيات إسلامية بارزة لها حضورها الإقليمى والدولى فى تجييش المشاعر الدينية لتحقيق أغراض سياسية وأطماع توسعية، وتصفية حسابات.
كما يحكى دافيد ماتدال، مؤلف الكتاب، وهو أستاذ التاريخ بجامعة أوكسفورد، كيف انتهت الأمور فى غير صالح الحسينى، أو بالأحرى المسلمين بشكل عام، هؤلاء الذين تشكلت منهم فرق عسكرية، والذين وجدوا أنفسهم فى منتصف العام 1944 يقاتلون وحدهم، بعد انسحاب النازى من المناطق التى بها تكتلات عسكرية مسلمة، حيث تغيرت الاستراتيجية العسكرية للدفاع بعد أن تبنت الهجوم لفترة.
والعلاقة بين الغرب وتنظيمات اليمين الدينى ليست جديدة، والعلاقة لا ترتبط فقط بتنظيم أو جماعة، بقدر ما تبحث طوال الوقت عن الشخصيات صاحبة التأثير، التى تحظى بشعبية وتقدر على التوجيه.
وخلال فترة الحرب العالمية زادت الدعوات لإحياء الخلافة الإسلامية، وكانت دعوات دينية متعصبة من جانب البعض، فى حين حركتها السياسة فى جوانب كثيرة أخرى، إذ أن العلاقة بين السياسة واليمين الدينى وثيقة للغاية، وبشكل خاص عندما يتم التعريج على هوس الخلافة، واستفزاز الطاقات الدينية عند مسلمى العالم. فى هذا الوقت لعبت ألمانيا على وتر الخلافة الحساس للمسلمين، لتواجه بريطانيا خلال الحرب، وتؤسس لنفسها قاعدة شعبية من المسلمين حول العالم.
"الدين أفيون الشعوب" يقول كارل ماركس، وعلى الرغم من تحفظ غالبية المنتمين للتيار الإسلامى المحافظ، غير أنها حقيقية، وخاصة فى شعوب العالم الثالث ومنطقة الشرق الأوسط، حيث الظرف الاقتصادى والاجتماعى المتهالك، الذى يدفع مواطنى تلك الدول لأن يلوذوا بالدين كمراح لأرواحهم المتعبة، وخطوة نحو راحة أبدية يمنون أنفسهم بها، معتقدين فى صدق من أخبرهم بأن لهم فى الآخرة حياة أخرى ونعيم مقيم.
كانت ألمانيا تحارب فى ثلاث قارات مختلفة: آسيا وإفريقيا وأوروبا، واحتاج النازى للترويج لسياسته، لأن تصبح النازية سياسة لا تتعارض مع الإنسانية وتتصالح مع الرسالات السماوية والوضعية، كان فى حاجة لاستقطاب المسلمين، المفتونين بالجهاد، الذين يقبلون، فى سهولة تامة، أن يضحوا بأرواحهم فى سبيل الجنة المُشتهاه، وفى حالة اقتناعهم برسالة ألمانيا فى الحرب لن يبخلوا بتقديم المساعدة بكل الوسائل المتاحة، ولكن كيف للنازى أن يحقق ذلك؟
كان الحاج أمين الحسينى لما يحظى به من حضور واسع على مستوى العالم الإسلامى، وقدرة كبيرة على التأثير فى المحيط العربى كله، فضلًا عن جاذبيته كشخصية معروفة دوليًا، هو الرجل الأكثر قدرة على القيام بالمهمة.
تأسست فرقة عسكرية اسمها "خنجر" تتبع، عسكريًا، القوات الألمانية، ثم أسس الحسينى معهدًا للدعاة فى ألمانيا هدفه تخريج أئمة يساعدون هؤلاء الجنود المسلمين فى تزويدهم بالمبررات الدينية اللازمة لممارسة فعل الجهاد فى صالح الألمان عن يقين، وكانت لخطب الحسينى الحماسية أثر كبير ومؤثر.
فى نهاية الحرب، خسرت ألمانيا وتم القبض على كل من ربطته صلة بها، سواء قيادات عسكرية أو سياسية أو متطوعين فى تشكيلات عسكرية، لتنهدم السياسة الألمانية وترتد الدائرة عليها ومعها طبعًا المسلمين الذين انحازوا للنازى وفكره.