
مفتى الجمهورية
وأضاف فى تصريحات له أن الفتوى الشاذة وغير المنضبطة لا تقل فى خطورتها عن كل ما يدمر المجتمعات؛ لأنه إذ لم تكن الفتوى وَفق الضوابط الشرعية أو متناغمةً مع الرحمة الشرعية المنشودة فستكون مشكلة بلا شك وتُحدث بلبلة وإرباكًا للمجتمع.
وشدَّد مفتى الجمهورية على أنَّ معالجة دار الإفتاء المصرية لقضايا الأسرة، تتَّسم بالحكمة والصبر والتعمُّق فى دراسة كلِّ حالة تُعرض عليها؛ لأنها تنطلق من الأوامر الإلهية والوصايا النبوية التى تُعلى من شأن الأسرة وتعمل على حمايتها من التفكك والانحلال، ومن ثَم صيانة المجتمع وأمنه القومي.
وأشار المفتى إلى أن منهجية دار الإفتاء المصرية فى إصدار الفتاوى هى منهجية علمية موروثة، وعندما يَرِد سؤال إلى دار الإفتاء فلدى علمائها منهجية وخبرات متراكمة، حيث إن الدار تلجأ أحيانًا إلى المتخصصين فى العلوم المختلفة، مثل الطب والاقتصاد والسياسة وغيرها قبل أن تصدر فتوى فى أمر يتعلَّق بهذا التخصص؛ لاستجلاء الأمر والإلمام بكافة تفاصيله.
وأردف أنَّ هذه المنهجية العلمية لا تتوافر غالبًا فى كثير مِمَّن يتصدَّون للفتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة من غير المتخصصين فى الشأن الإفتائي، ورأينا أنَّها غائبة تمامًا عن هؤلاء، فليس لديهم تَثبُّت، ولا إدراك للواقع ولا مآلات لما يصدرونه من فتاوى، كما أن الأزهر الشريف له منهجية قائمة على تنوير العقول بمفاتيح الفهم، ودوائر العلوم المتكاملة، والتى كان الأزهر يعكف على تعليمها لطلابه على مدى سنوات، وعلى يد العلماء والخبراء الأجلَّاء، فأخرج رجالًا من العلماء الأجلاء، الذين تخلَّقوا بالرحمة، وملئوا البلاد نورًا وعلمًا، وأسهموا فى بناء الوطن، وتشييد مؤسساته.
وأوضح المفتى أنَّ هذا العصر هو عصر التخصص؛ فلا بد من رجوع المتخصص فى الفتوى للدراسات المعتمدة والبحوث الثابتة فى مختلف المجالات، وهذا الرجوع بمثابة الفحوصات التى يطلبها الطبيب من المريض، ولا بدَّ من احترام كلام أهل التخصص وأخذه فى الاعتبار ما دام يفيد ويحقق المصلحة ولا يتعارض مع الشرع الحنيف، كما أنَّ الشرع الكريم قد أرشدنا إلى اللجوء إلى أهل الاختصاص كلٍّ فى تخصصه؛ وسؤال أهل الذِّكْر إذا خَفِى علينا شيء؛ فقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، والمراد بأهل الذكر: هم أهل التخصص والعلم والخبرة فى كل فنٍّ وعلمٍ.
وأوضح أنَّ المنهجية الإفتائية فى دار الإفتاء المصرية تقوم على مدرسة وسطية، وهى التكامل بين الأصالة والمعاصرة وبين الماضى والحاضر، وهذه المدرسة الوسطية تقوم على الاستناد والاعتماد على آراء أهل الخبرة فى التخصصات الأخرى غير الدينية من طب واقتصاد وغيرها، وتُعدُّ المدرسة الوسطية امتدادًا لمسيرة النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام مرورًا بكبار الأئمة الأعلام داخل مصر وخارجها.
وقال مفتى الجمهورية: إن العبث كل العبث فى إسناد أمر الفتوى، وخاصة فى الشأن العام إلى غير المتخصص أو غير المؤهَّل لهذه المهمة، وهى أمانة؛ فعلى المستفتى أن يلجأ لأهل الاختصاص، ولا يُعدُّ هذا من الكهنوت أو المجاملة لهم، بل يجب احترام التخصص وتحصيل العلم.
وناشد المفتى الشَّباب والأمة الإسلامية بأن يلجئوا فقط إلى المتخصصين من العلماء الذين حصَّلوا العلوم ولديهم المنهجية وتدرَّبوا على تطبيقها، وهو أمر يحتاج إلى تدرج وزمن.
