البث المباشر الراديو 9090
سامح شكرى - وزير الخارجية
جهود دبلوماسية وسياسية تبذلها مصر على صعيد السياسة الخارجية الممتدة إلى محيطها العربى والإفريقى لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية، وكذلك لتأمين الأمن القومى العربى الذى بات مهددًا حاليًا أكثر من أى وقت مضى.

وتقوم السياسية الخارجية لمصر على ثوابت عدة لا تحيد عنها، غير أنها عززت هذه الثوابت بعدة سياسات بزغت مع ثورة الثلاثين من يونيو 2013 من أهمها السياسات القائمة على تبادل المصالح واستقلال القرار الوطنى وعدم السماح للتدخل الخارجى فى الشؤون المصرية، والمضى فى سياسة تنوع العلاقات القائمة على فتح علاقات متوازنه مع جميع القوى، فضلاً عن الاستمرار فى رعاية المصريين فى الخارج.

وخلال الأعوام الماضية جعلت مصر من السياسة الخارجية المصرية أداة فعالة فى غالبية القضايا الإقليمية والدولية التى تتعلق مباشرة بالأمن القومى المصرى، ما جعل مصر تتصدر المشهد السياسى دوليًا وإقليميًا، باعتبارها عنصرًا هامًا وأساسيًا لحل القضايا الخلافية فى منطقة الشرق الأوسط، وتستمر جهود وزارة الخارجية، خلال العام المُقبل 2018.

ونستعرض فيما يلى أهم الملفات التى تتصدر مهام وزارة الخارجية خلال العام الجديد، والتى تشير إلى أن قطار القرار الوطنى المستقل لن يتوقف..

سد النهضة

يعتبر ملف سد النضهة الإثيوبى على رأس أولويات الدبلوماسية المصرية خلال العام 2018 بعدما تعثر المفاوضات مع إثيوبيا، ما جعل العام المقبل مؤهلاً لأن يكون عام البدائل المصرية المتاحة لديها للحفاظ على أمنها المائى الذى تعتبره من أهم ركائز أمنها القومى ومسألة حياة أو موت.

القاهرة تدرس بدائل عديدة للتعامل مع ملف سد النهضة من أهمها تدويل القضية وعرضها على مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم بشأنها من قرارات، مشتندة فى ذلك إلى القانون الدولى والشرعية الدولى والاتفاقيات التاريخية التى وقعتها مصر والتى تضمن حقوقها المائية فى نهر النيل.

مصر التى عيّنت سفيرًا سابقًا فى إثيوبيا مندوبًا دائمًا لها لدى مجلس الأمن قد أنهت بالفعل تجهيز ملفًا قانونيًا وفنيًا لعرضه على مجلس الأمن إذا حصلت البعثة المصرية على الضوء الأخضر من القيادة السياسية بالقاهرة، لكنها بدأت بالفعل فى الترويج للحقوق المصرية، وحشد الرأى العام الدولى لتأييد الموقف المصرى.

وفى أعقاب الإعلان عن تعثر ملف سد النهضة، لوحت مصر باللجوء للمجتمع الدولى لحل القضية لإلزام إثيوبيا باتفاق المبادئ الذى تم توقيعه فى مارس عام 2015 بين الدول الثلاث، فيما أكدت مصادر مطلعة أن مصر لن تتخذ أية خطوات تصعيدية ضد السد الإثيوبى قبل زيارة رئيس الوزراء إلى مصر يناير 2018، على أمل أن تثمر الزيارة بنتائج إيجابية.

يشار إلى أنه سبق أن زار وزير الخارجية، سامح شكرى، أديس أبابا، حيث بحث كسر الجمود الخاص بالمسار الفنى المتمثل فى أعمال اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة، اتساقًا مع منهج مصر الثابت خلال المرحلة السابقة فى التعامل مع القضية من منطلق الالتزام الكامل ببنود الاتفاق الإطارى الثلاثى، وإبداء حسن النية والرغبة فى بناء الثقة وإرساء دعائم التعاون، مع الحفاظ الكامل على مصالح مصر المائية المشروعة.

القضية الفلسطينية

تتصدر القضية الفلسطينية اهتمامات السياسة الخارجية دائمًا، وهو ما بدا واضحًا من قيادتها للتحركات العربية فى المحافال الدولية، ردًا على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث بادرت مصر من خلال عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن، بتقديم مشروع قرار بالمجلس يتضمن رفض القرار الأمريكى وما قد يستند عليه من خطوات.

وخلال الفترة المقبلة سوف تستمر مصر فى دعمها للقضية الفلسطينية رغم التهديدات الأمريكية الواضحة التى بدت فى تصريحات ترامب التى لوح فيها باعتزامه قطع المساعدات الأمريكية عن الدول التى عارضت القرار الأمريكى.

وتأتى التحركات المصرية موزعة على عدة ملفات فى إطار القضية الفلسطينية، حيث من المقرر أن تستمر مساعيها الدولية لاستمرار الرأى الدولى الرافض والعاصف فى مواجهة القرار الأمريكى، حيث تنقل القاهرة الملف إلى باقى المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة فضلاً عن تأييد التحرك الفلسطينى الباحث عن وسيط نزيه لعملية السلام.

تأتى هذه الخطوات متزامنة مع مساعى القاهرة فى إنهاء ملف إعادة ترتيب البيت الداخلى الفلسطينى وتفعيل اتفاق المصالحة بصورة نهائية وإزالة العقبات الماثلة أمامه بما يسهم بشكل أساسى فى الدفع باتجاه تقوية الجسد الفلسطينى فى مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا.

وتسعى مصر إلى إنهاء عقبات المصالحة ومن بينها إنهاء أزمة الموظفين الذى تم تعيينهم بمعرفة حماس وكذلك الموظفين التابعين لفتح فى القطاع الذين تم فصلهم خلال الفترة المقبلة، فضلا عن رعايتها للتباحث الجارى بين الفصائل الفلسطينية حول إدارة سلاح هذه الفصائل وإخضاعه لقرار موحد بما فى ذلك سلاح حركة حماس، فضلاً عن مساعى مصرية تُبذل لتتويج هذه المساعى بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

الأزمة الليبية

نظرًا لتأثيرها المباشر على الأمن القومى المصرى، وارتباطها بالحدود الغربية لمصر، فإن القضية الليبية تمثل أولوية قصوى فى سياستها الخارجية، حيث تعمل مصر على تحقيق التوافق بين الفرقاء الليبيين، وبحث كافة السبل نحو الحل السياسى، فى إطار آلية دول الجوار الليبى لوزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، التى تؤكد دائمًا على أن الحل فى ليبيا سياسيًا وليس عسكريًا، داعية الفرقاء الليبيين لإعلاء المصلحة الوطنية.

ومن المقرر أن يستمر العمل المصرى فى إطار الآلية الثلاثية التى تضم معها تونس والجزائر، ودعم جهود المبعوث الأممى لليبيا غسان سلامة للدفع بالحل السياسى، فضلًا عن التأكيد الدائم على ضرورة رفع الحظر عن السلاح المقدم للجيش الليبى ليتمكن من مواجهة الإرهاب.

الموقف على الأرض يشير إلى تمسك المشير خليفة حفتر قائد القوات المسلحة العربية الليبية بانتهاء اتفاق الصخيرات، مطالبًا بالشروع فى إجراءات الانتخابات التشريعية والرئاسية، فى حين تتمسك حكومة الوفاق باتفاق الصخيرات دون الشروع فى اتخاذ قرارات تعجل بالانتخابات.

وعلى صعيد الآلية الثلاثية، تضع لمصر عدة ثوابت لها فى التعامل مع الأزمة الليبية وعلى رأسها ضرورة إيجاد حل توافقى بين الأطراف الليبية، وعدم فتح المجال لتدخلات خارجية واعتبار الاتفاق السياسى الليبى "اتفاق الصخيرات" إطارًا وحيدًا للحل السياسى فى ليبيا، والتمسك بوحدة واستقرار ليبيا وسلامتها الإقليمية ورفض الحلول العسكرية، وتوحيد كافة المؤسسات الوطنية الليبية بما فى ذلك مؤسسة الجيش الليبى.

وفى الشق الأهم من الجهد المصرى على صعيد الأزمة الليبية، يبدو الملف الأمنى لضمان رصد أى انتقال لعناصر إرهابية إلى الداخل المصرى، والقيام بكل ما من شأنه وأد أى تحرك إرهابى تجاه مصر.

الأزمة اليمنية

اليمن هى أحد امتدادات الأمن القومى المصرى، وتضعها مصر على رأس أولوياتها فى الفترة المقبلة نظرًا لانفجار الأوضاع بها الأرض سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا، كما يبرز الاهتمام لأسباب تتعلق بالأخطار التى تواجه الهوية اليمنية العربية بعد تنامى التدخل الإيرانى وسيطرة طهران على بقاع عدة فى اليمن، فضلاً عن التهديدات المباشرة التى يتعرض لها مضيق باب المندب جراء هذه الأزمة، وهو ما تعتبره مصر تهديدًا قويًا لمصالحها لما له من تأثير على حركة التجارة الواردة إلى قناة السويس.

وترتكز السياسة الخارجية المصرية فى تناول أزمة اليمن على عدة أمور من أهمها الحفاظ على هوية الدولة ووحدتها وضرورة إنهاء المآسى الإنسانية التى يتعرض لها اليمنيون، وترجع مصر هذه التطورات السلبية للإنقلاب على الشرعية والتدخلات الخارجية وعلى رأسها الإيرانية.

وتسعى مصر إلى الوصول إلى حلول سياسية تجنب اليمن الحلول العسكرية تمامًا وإلقاء السلاح على أن تكون هذه الحلول وفق مرجعيات محددة وهى قرار مجلس الأمن رقم 2216، ومخرجات الحوار الوطنى والمبادرة الخليجية.. وينص القرار رقم 2216 على ضرورة الكف عن استخدام العنف، وسحب الحوثيين قواتهم من جميع المناطق التى استولوا عليها، والتخلى عن جميع الأسلحة التى استولت عليها ميليشياتهم من المؤسسات العسكرية والأمنية بما فى ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التى تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأى استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة.

الأزمة السورية

فى الحادى عشر من ديسمبر 2017، زار الرئيس فلاديمير بوتين القاهرة فى إطار جولة له بالمنطقة شملت سوريا وتركيا، تخللها إعلانه انسحاب القوت الروسية من سوريا، ما بدا فى حينه واضحًا أن مقترحًا روسيًا أخيرًا قد اكتمل بشأن الأزمة السورية، جرى عرضه على القيادة المصرية التى تدعم جهود إنهاء الحل السياسى للأزمة فى سوريا.

 

وتستضيف مدينة سوتشى الروسية خلال أيام مفاوضات السلام بين الحكومة السورية وجماعات معارضة، بعد فشل مفاوضات جنيف.

وترتكز الرؤية المصرية فى التعامل مع الأزمة السورية على الحفاظ على جميع المؤسسات السورية كافة والجيش السورى على وجه الخصوص والحفاظ على استقلال ووحدة اراضى سوريا، واستمرار دور الدولة فى مقاومة الارهاب.. كما ترى مصرى أن حلول الأزمة فى سوريا متاحة بشرط أن يتم تجنيب التدخلات الخارجية والوصول إلى صيغة سياسية تقود إلى مسار سياسيًا يصوغ مستقبل الشعب السورى وفقًا لإرادة كافة عناصره (حكومة ومعارضة).

وبالتنسيق مع الشركاء العرب والشركاء الدوليين، ساهمت مصر مؤخرًا فى التوصل إلى ما عرف بـ"مناطق خفض التصعيد" فى سوريا وتستمر الجهود المصرية على الأرض للتوصل إلى أكثر من هدنة لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى السوريين المتضريين من الحرب.

مكافحة الإرهاب

رغم الإعلان عن خلو العراق من تنظيم داعش، وقرب القضاء عليه فى سوريا، يتوقع مراقبون أن يبحث التنظيم على بيئة ملائمة لإعادة تنظيم صفوفه، وهو ما حذرت منه مصر فى أكثر من مناسبة على لسان رئيسها ووزرائها، ما يستدعى جهدًا كبيرًا من الدولة المصرية لمواجهة انتقال هذه العناصر إلى سيناء أو الداخل المصرى بوجه عام، ويتنوع الجهد المصرى ما بين عسكرى وسياسى. أما الجهد العسكرى فهناك جهود لا تتوقف لقوات إنفاذ القانون فى سيناء للقضاء على الجماعات الإرهابية وهناك مهلة وضعها الرئيس السيسى للقضاء على الإرهاب فى سيناء وحددها بثلاثة أشهر.

أما على الصعيد السياسى فهناك تحركات تبذلها مصر بصورة منفردة وفى إطار تحالفات واضحة للقضاء على الإرهاب ومموليه وفى القلب من هذه التحالفات يأتى التحالف العربى لمواجهة الدول الداعمة للإرهاب وعلى رأسها قطر، حيث من المقرر أن تستمر مصر وباقى دول الرباعى العربى فى مواجهة المخططات القطرية حتى يتم تقويض وإبطال هذه المخططات أو تراجع قطر عنها.

كما تسعى مصر إلى تعظيم جهودها مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تعزيز التعاون الامنى والاستخباراتى بين مصر ودول الجوار بشكل خاص، وكافة الدول بشكل عام لمكافحة ظاهرة الإرهاب، والقضاء عليها.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز