البث المباشر الراديو 9090
أحمد أبو الغيط
أكد السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، أن القرار الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس لا يستهدف القدس وحدها بل يستهدف تجميد الأموال المخصصة لوكالة الأمم المتحدة لدعم غزة.

وأشار، خلال كلمته فى مؤتمر الأزهر العالمى لنصرة القدس، أن هذا القرار يستهدف التعليم، والصحة الفلسطينية، وإلغاء قضية اللاجئين، مشددً على أن القدس تعيش فى وجدان كل مسلم وعربى.. وفيما يلى نص الكلمة....

فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر.. السيدات والسادة

أود فى البداية أن أعرب عن تقديرى الكبير للأزهر الشريف وشيخه الجليل فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، منوهًا بمسارعته إلى الرد بقوة على القرار الأمريكى من خلال هيئة كبار العلماء.. ومُشيدًا بمبادرته المحمودة بعقد مؤتمر حول القدس فى هذا التوقيت الدقيق.. إن الأبعاد المتشابكة لقضية القدس القانونية والتاريخية والسياسية، لا ينبغى لها أن تُنسينا البعد الدينى، بشقيه الإسلامى والمسيحى.. إن القدس ليست بقعة جغرافية من الأرض، وإنما قطعة من الروح والوجدان والوعى الدينى للعرب والمسلمين.. وإن قرارًا لدولة، مهما كانت مكانتها، لا يغير من هذه الحقائق شيئًا.

إن إعلان الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعتزامها نقل سفارتها إليها مدان ومرفوض وليس له من أثر قانونى أو سياسى سوى إدانة الدولة التى اتخذته، وعزلها، ووصم سياساتها بالظلم ومواقفها بالانحياز وقراراتها بالبطلان.. إنه قرار لم يرفضه العرب وحدهم، ولا المسلمون دون غيرهم، وإنما رفضته الكثرة الغالبة من أمم العالم من أقصاه إلى أقصاه، فى قرارٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر الماضى صوت لصالحه 128 دولة، بما يعكس حالةً تقتربُ من الإجماع الدولى على بطلان القرار وعدالة الموقف الفلسطينى.

إن الموقف العربى فى شأن القرار الأمريكى واضح لا لبس فيه.. القدس الشرقية أرض محتلة، وهى عاصمة للدولة الفلسطينية التى لن يتحقق الأمن والسلام والاستقرارُ فى المنطقة إلا بقيامها حرة مستقلة ذات سيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وفق قرارات الشرعية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.

وقد توافق الوزراء العرب فى اجتماعهم بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فى 9 ديسمبر الماضى على خطة عملٍ من أجل التصدى لهذا القرار الأمريكى الجائر، والإبقاء عليه فى دائرة البطلان والرفض الدولى، والحد من تبعاته السلبية، والحيلولة دون إقدام أية دولة على خطوة مماثلة.. وسيجتمع الوزراء العرب أول الشهر المقبل لمناقشة الإجراءات التفصيلية والخطوات المُحددة التى ستقوم بها الدول العربية لدعم القضية الفلسطينية على الصعيد الدولى، والحفاظ على هذا الزخم العالمى المؤيد والمُساند.. وتصعيد الحملة الداعية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

إن هذا الجهد المبذول على الصعيد الرسمى مهم وضرورى .. إلا أن القضية، كما تعلمون، أكبر من أن تُحصر فى المجال الرسمى أو أن تحمل لواءها الحكومات وحدها.. القدس قضية كل عربى، مسلمًا كان أو مسيحيًا .. ويتعين على القوى الحية فى هذه الأمة أن تحتضن هذه القضية احتضاناً كاملاً، وأن تحتشد لها، وتنافح عنها .. ولا أملُّ من التذكير بأن القدس، على ما تنطوى عليه من معنىً رمزى وما تمثله من مغزى روحى، ليست مدينة فى الخيال، وإنما هى واقع من روح ودم.. يسكنها بشر يرزحون تحت نير واحدٍ من أشد أشكال الاستعمار بطشاً وقسوة، وأكثرها إمعاناً فى التنكيل.

فى القدس نحو 300 ألف فلسطينى يمارسون كل يوم صمودًا أسطوريًا .. وجودهم فى المدينة هو العنوان الحقيقى على عروبتها.. صمودهم شرفٌ على جبين هذه الأمة.. استمساكهم بالأرض وصلاتهم فى الأقصى هو ما يحول بين المحتل الغاشم وبين تحقيق مخططاته لتهويد المدينة.

إن لدى إسرائيل سياسة مُمنهجة لتهميش الوجود العربى فى المدينة وحصاره، عبر منع تصاريح البناء لتحجيم النمو العمرانى الطبيعى .. وسحب الهويات وعدم تجديدها، وزرع المستوطنات بين مدينة القدس وبقية مناطق الضفة الغربية، بل وفى قلب الأحياء العربية فى القدس، فضلاً عن المخططات الخطيرة للحفر أسفل المسجد الأقصى بحثًا عن الهيكل المزعوم.. وإدخال جماعات من اليهود المتطرفين كل يوم إلى باحات المسجد الأقصى بحجة الصلاة.

وانتهاءً بالقانون الباطل المدعو "القدس الموحدة" الذى صادق عليه الكنيست الإسرائيلى، وهو الحلقة الأخيرة فى سلسلة من القرارات والإجراءات والقوانين العنصرية التى تهدف إلى إجراء عمليات تهجير قسرى للمقدسيين من أجل الإبقاء على أغلبية يهودية فى المدينة.

إن مساندة المقدسيين هو واجب على كل عربى ومسلم .. وقد تعهد الوزراء العرب فى القرار الذى تبنوه فى 9 ديسمبر الماضى بزيادة موارد صندوقى القدس والأقصى دعما لصمود الفلسطينيين الأبطال "المرابطين على أرضهم والمتمسكين بمبادئهم".. إننى أدعو الجميع من على هذه المنصة الكريمة ذات الاحترام الكبير والتأثير الواسع فى العالمين العربى والإسلامى إلى حشد الموارد المالية لهذين الصندوقين .. إن نصرة الأقصى لا تتم سوى بنصرة أهله .. ونصرة أهل القدس لا تتحقق بالكلمات ولا تتأتى بالأمنيات، وإنما بعملٍ منهجى من أجل دعم وجودهم فى المدينة، وتعزيز نضالهم اليومى من أجل تحدى الاحتلال وإفساد مخططاته.

السيدات والسادة..

وأهم من يظن أن وضعية القدس ومكانتها يمكن أن تتغير بقرارٍ أو إجراء .. مخطئٌ من يعتقد أن انتزاع القدس من وعى المسلمين والعرب هو أمر ممكن.. إن قضية القدس لن تموت ما بقيت حية فى الوعى والوجدان .. إن للأزهر الشريف دورًا أساسيًا فى تحصين وعى الأجيال من أى عبث بهذه القضية الهامة، وفى صيانة هذا الوعى من أى تشويه أو تحريف .. وكلنا ثقة فى أن الأزهر، كما هو العهد به، لن يُضيع القضية ولن يخزل القدس أبدًا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز