
شوقى علام
جاء ذلك خلال استقبال المفتى، صباح اليوم، وفدًا من مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان برئاسة فهد أبو النصر المدير العام للمركز، والدكتور محمد أبو النمر، مستشار المركز.
حضر اللقاء، أعضاء برنامج الزمالة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فى المنطقة العربية، الذى يُعقد تحت مظلة "منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة فى العالم العربى".
وأكد مفتى الجمهورية، خلال اللقاء أن الأديان جميعها تدعو إلى الحوار والتقارب والعيش المشترك مع ضمان حرية الاعتقاد، لأن العيش فى الكون يحتاج لوجود أرضية مشتركة وتقارب وتعارف بين الناس جميعًا باختلاف معتقداتهم من أجل تحقيق الغرض الأسمى وهو عمارة الأرض، لذا، يقول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
وأضاف شوقى علام، أن الله سبحانه وتعالى قد جعل التنوع بين الناس لحكمة يعلمها، ووضع أسبابًا ومعايير تعين على التقارب والتعارف والتعاون فيما بينهم، مشيرًا إلى أن كل خلل يحدث نتيجة لفهم خاطئ للنصوص الدينية ويوحى بضرورة الصراع بين أتباع الأديان هو أمر بعيد تمامًا عما جاءت به الشرائع ويخالف الفطرة الإنسانية السليمة.
وأبدى المفتى تقديره للمجهودات التى يقوم بها مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات "كايسيد" فى هذا المجال، مجددًا دعمه لـ"منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة فى العالم العربى"، التى أُطلقت فى شهر فبراير الماضى فى فيينا.
واستعرض مفتى الجمهورية خلال اللقاء مجهودات دار الإفتاء المصرية فى تعزيز الحوار ومواجهة الفكر الإقصائى المتطرف على عدة مستويات، مثل إعداد الدراسات والتقارير التى تفند هذه الفتاوى والأفكار التى تؤدى إلى زعزعة المجتمعات، حيث قامت الدار بإعداد دراسة تحت عنوان "فتاوى الظلام .. أحكامٌ لتفتيت الأوطان"، وهى دراسة وصفية قامت برصد وتحليل أهم الفتاوى التى صدرت من قِبل متشددين حول أحكام التعامل مع المسيحيين ودور عبادتهم.
ولفت علام، أن الدراسة رصدت مجموعة كبيرة من الفتاوى، تم اختيار 5500 منها كعينة للدراسة؛ نظرًا لأن العديد منها يحمل نفس الموضوع، كالسؤال عن حكم تهنئة المسيحيين بعيدهم، أو حكم بناء الكنائس، وصنفت الفتاوى إلى موضوعات عامة تضم تحتها موضوعات خاصة مرتبطة بالموضوع أو مرتبطة بالحكم الشرعي.
وأوضح مفتى الجمهورية أن الدراسة توصلت إلى أن نسبة أحكام التحريم والكراهة فى التعاملات مع غير المسلمين مجتمعة فى فتاوى المتشددين وصلت إلى 90% من جملة الأحكام، وهو وإن كان يدل على عقلية متشددة ومتطرفة، فهو فى الوقت نفسه يتنافى تمامًا مع ما جاءت به نصوص الشريعة الإسلامية الصريحة والصحيحة من الحث على حسن المعاملة والعيش المشترك والتعامل معهم بالبر والقسط؛ انطلاقًا من المبدأ القرآنى: "لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".
وتابع: أن غالبية هذه الأحكام التى خلصت إليها الدراسة تصطدم مع نصوص الشرع الشريف فى التعامل مع غير المسلمين المسالمين المشاركين فى الوطن، وقد جاءت كلها لتؤكد عظمة الإسلام وسماحته تجاه الآخر. كما أن ردود الفتاوى تجاهلت المصلحة العامة للأمة وكانت نظرتها قاصرة وتناست أن الدولة الإسلامية عبر تاريخها قد ضمنت لأهل الكتاب كافة حقوقهم حتى حقهم ببناء الكنائس ودور العبادة.
كما أشار المفتى إلى ما تقوم به الدار من مجهودات عبر الفضاء الإلكترونى وخاصة عبر الصفحات الرسمية للدار على مواقع التواصل الاجتماعى حيث بلغ عدد المتابعين لها ما يقرب من 7 ملايين متابع من مختلف دول العالم، كما أن هذه الصفحات تبث بلغات مختلفة، فضلًا عن مجلة Insight التى أطلقتها للرد على مجلة "دابق" التى يصدرها تنظم "داعش" الإرهابى باللغة الإنجليزية.
من جانبه أبدى فهد أبو النصر ،المدير العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار، والوفدُ المرافق له عن تقديرهم لما تقوم به دار الإفتاء وفضيلة المفتى من أجل نشر ثقافة العيش المشترك والحوار فى مصر والمنطقة العربية والعالم.
وأضاف: إننا فى المنطقة العربية خصوصًا فى حاجة إلى مثل هذه القيادات الدينية والمؤسسات الوسطية الرائدة من أجل تحصين المجتمعات من الفكر المتشدد ونشر الاعتدال وبناء جسور الحوار والعيش المشترك. وأبدى سيادتُه تطلعَه لمزيد من التعاون والتنسيق فى هذا الشأن.
