البث المباشر الراديو 9090
المفتى خلال اللقاء
حدد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، بشكل دقيق وواضح أسباب الخلل فى فهم النصوص الشرعية لدى الجماعات المتطرفة.

وقال المفتى، فى بيان له اليوم الإثنين، "إن الأعمال والمواقف التى تتخذها المجموعات المتطرفة والإرهابية تستند إلى مفاهيم مغلوطة بسبب الخلل الظاهر والبيِّن فى التعامل مع النصوص الشرعية، وهى نتيجة حتمية لغياب المنهجية السليمة والمنضبطة".

جاء ذلك فى الحوار اليومى الرمضانى فى برنامج "مع المفتى" المُذاع على "قناة الناس" ويقدِّمه الإعلامى شريف فؤاد، مؤكدًا أن هذه الجماعات ضيَّعت قواعد مستقرة وأمورًا ثابتة عند علماء المسلمين فى تفسير النصوص، فلم تفهم هذه الجماعاتُ الغاياتِ من تصرفات النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وخصوصية بعض المواقف دون غيرها، وهى مسألة واضحة وجلية وضَّحها كثير من العلماء، ولعل من أبرزهم الإمام القرافى فى كتابه "الإحكام فى تمييز الفتاوى عن الأحكام" فقد فرَّق بين تصرفات النبى الكريم فى أنحاء أربعة وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد يتصرف بمقتضى كونه مبلِّغًا عن ربه، وقد يتصرف بمقتضى كونه قاضيًا، أو كونه مفتيًا، أو كونه وليًّا وإمامًا للمسلمين فى حالات أخرى، وهذه أمور كانت حاضرة وبقوة ومعروفة عند الصحابة الكرام.

وأضاف المفتى أن اختصاصات الدولة، أو فقه الدولة، كانت من الأمور الغائبة عن الذين يتصدرون المشهد من هذه الجماعات ظنًّا منهم أن الأحكام كلها على السواء، ولم يدرك هؤلاء أن هناك أحكامًا خاصة بالدولة، خلاًفا لما فهمه جيل الصحابة والتابعين، ولعل نظام الوقف الإسلامى من أبرز الأنظمة المبكرة التى اتَّصفت بنظام المؤسسية، ويبرز من خلاله، فضلًا عن أنظمة كثيرة كانت موجودة، الكثيرُ من فقه الدولة.

ولفت إلى أن الفقهاء رأوا أن انتزاع الاختصاصات من ولى الأمر أو منازعته فيها أو القفز فوق سلطاته يُعد من الافتئات عليه، مما جعلهم يَنصُّون على عقوبتها، وهذا يعنى أنهم اهتموا بحفظ كيان الدولة.. أما المتابع لأقوال المجموعات المتطرفة المعاصرة وأفعالهم فيجد أنها انطلقت من قضية التكفير فادَّعوا أنهم وحدهم مَن يفهمون الشرع، وأنهم وحدَهم مَن يطبِّقونه، بل هم وحدهم المسلمون وغيرهم دون ذلك، فهم لم يفهموا النص الشرعى ولم يُحسنوا تطبيقه.

وأوضح المفتى أن أمر الحرب هو أمر مُسندٌ فقط لولاة الأمور، فلا يجوز بأى حال من الأحوال أن يكون هذا القرار الخطير المصيرى فى حياة الأمة بيد جماعة أو فئة ما، بل يجب أن يكون بيد الدولة التى تقدِّر الظروف وتقرر متى وأين وكيف؟

وعن ظلال "أقاتل"، قال علام: "ثمة فرق بين "أقاتل" و"أقتل" الناس، فأقاتل مِن المقاتلة والمشاركة، وهى المفاعلة التى تحدث بين طرفين، فلا بد من وجود طرفين فى المسألة".

وأشار المفتى إلى أن تفسير الأدلة الشرعية يجب أن يتم من خلال فقه لغة العرب، كلفظ "الناس" الوارد فى حديث: "أُمرت أن أقاتل الناس..." بأنه ليس على العموم، بل إن "الــــ" فيه للعهد أى الناس المعهودين، ويُفهم من الحديث أنه نزل فى مجموعة معينة من الأشخاص المعيَّنين، وليس كل أحد، وهذا هو الفهم الصحيح، بمعنى أن "الـــــ" هنا للعهد وليست للجنس كما يقول العلماء، ولا تفيد العموم، فهؤلاء الناس المخصوصون المحدودون الذين يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمهم المسلمون هم هؤلاء الذين ورد النص بخصوصهم ولا ينسحب على كل إنسان بدليل أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله الكريم بأنه لو جاء أحد من المشركين يستجيره فلا يقاتله، بل يبلغه مبتغاه كما فى قوله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]".

ونبَّه على أن تفسير القرآن يجب أن يتم فى إطار كلى متكامل، وفى إطار تاريخ الرسول الكريم وسيرته العطرة، مضيفًا أن غير المسلمين كانوا موجودين فى مجتمعات عديدة فى عهده صلى الله عليه وسلم، والمشركون كانوا فى مكة أيضًا، وقد أرسل النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الحبشة وهى بلدة غير مسلمة. وفى عهده أيضًا لما قدم المسلمون المدينة كان هناك غير مسلمين كاليهود وغيرهم، فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورًا بقتل كل أحد وكما يفهم هؤلاء المتطرفون من آيات وسياقات أخرى، لَأمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنفيذ وقام بقتل كل أحد، ولكنه لم يقتل كل أحد إلا هؤلاء الذين ناصبوه العداء واعتدوا بالفعل، ولكن مَن كان مسالمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحارب الدين، فلم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتله.

وختم المفتى حواره بالرد على ادِّعاء البعض بأن الإسلام انتشر بحد السيف فقال: "هذا مخالف للأدلة الشرعية وللأحداث التاريخية الثابتة، ولنأخذ على سبيل المثال "مصر"، فبعد دخول سيدنا عمرو بن العاص مصر أزاح الظلم عن المسيحيين المضطهدين من الرومان، بل أعاد القادة إلى أماكنهم، وقام بتعمير دور عبادتهم، وبرغم هذا لم يحدث إجبار على الدخول فى الإسلام كما أفادت الإحصاءات التاريخية، ففى خلال المائة سنة الأولى بعد الفتح لم يتجاوز عدد المسلمين 2.5% من عدد المصريين، كما أن المدينة المنورة عاصمة الخلافة وقت الخلفاء الراشدين سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر لم تزدد ثراءً، فهذا يعنى أن الثروات لم تُنقل إليها من البلدان المفتوحة.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز