مفتى الجمهورية شوقى علام
وقال علام "إن الأعمال الإجرامية التى تقوم بها المجموعات الإرهابية لا تستند إلى الشرعية، لأن الشرعية تترتب على الفهم الصحيح للنص الشرعى وللقواعد التى صار عليها العلماء قديمًا وصارت منهجًا وأصلًا، فأى استنباط لا بد أن يُقاس بمدى موافقته لهذه القواعد العلمية، وهذا أمر منعدم عند هؤلاء الإرهابيِّين.
جاء ذلك فى الحوار اليومى الرمضانى فى برنامج "مع المفتى" المُذاع على "قناة الناس" الذى يقدِّمه الإعلامى شريف فؤاد، مؤكدًا على أن المجموعات الإرهابية أخطأت وأخلَّت بقواعد الفهم الصحيح فيما يتعلق بالقرآن الكريم وسنة الرسول الكريم والمقاصد الشرعية والسيرة النبوية، فأخذوا منها بعض الأقوال بفهم خاطئ، ورتبوا عليها أفعالًا إجرامية.
التثبت فى السنَّة
ولفت المفتى، إلى قواعد منهجية الاستنباط السليم، وأولها هو التثبت من القول بمعنى "هل هذا القول قيل أم لا؟"، وخص علام ذلك بسنة النبى الكريم، أما القرآن فمقطوع بثبوته، لا يحتاج إلى بحث ولا يحتاج إلى دليل، فلا محل للاحتمال فى القرآن لأنه ثابت كله بلا ريب.
وأشار شوقى علام، إلى ثانى قواعد التثبت، وتتعلق بفهم النص وتفسيره بمعنى "ماذا قال؟"، واعتبرها فضيلته صلب محاولات التفكيك لهذا التفكير أو إظهار الخلل الحاصل عند هذه المجموعات الإرهابية.
وأضاف المفتى، أن فهم النص يحتاج إلى الرجوع إلى قواعد اللغة العربية وإلى دلالات الألفاظ، وإلى معرفة استعمالات هذه الألفاظ فى حقائقها الموضوعة لها لغًة وشرعًا وعرفًا.
ولفت علام، إلى ثالث قاعدة من قواعد التثبت وهى المقصود الشرعى بمعنى "لماذا قال؟" كالمقصد الشرعى من وجوب الصلاة والزكاة وغيرهما، ومن تحريم الخمر والقتل وغيرهما، ويكون البحث هنا عن مصالح الخلق فى العاجل والآجل، وهذا يختص به جانب المقاصد الشرعية أو نظرية التعليل.
وأشار مفتى الجمهورية إلى رابع قواعد التثبت وهى كيفية تنزيل هذه الأحكام على الواقع المتغير، أو ما يعرف بفقه التنزيل.
قواعد منهجية الاستنباط
وأضاف علام، "وإذا أحسنَّا فى هذه السلسلة من التساؤلات وأجبنا عليها إجابة صحيحة فإننا نصل إلى معالجة قضايا الناس عمومًا، بفهم صحيح متسق تمامًا مع قواعد العلماء المعتمدة فى الجواب عن هذه الأسئلة الأربعة، التى تمثل علومًا مختلفة من علوم اللغة العربية وأصول الفقه والحديث والبلاغة وغيرها من العلوم التى يجب أن تكون مركزة وحاضرة فى عقل الإنسان الذى نال تأهيلًا وتدريبًا منضبطًا عندما يستنبط حكمًا شرعيًّا لواقعة محددة.
وتابع: "إن هؤلاء الإرهابيين فهموا بعض آيات القرآن الكريم فهمًا خاطئًا ونزعوها من سياقها ولم يعولوا فى الحقيقة على الظروف التى قيلت فيها ولا حتى ما جاء بعدها ولا ما قبلها، ولا مسلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه أمور ضرورية فى فهم النص الشرعى".
وأشار علام، إلى أول نماذج الفهم الخاطئ لنصوص السنة وهو حديث "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "وتطبيقًا لهذه القواعد على هذا الحديث قال مفتى الجمهورية: "إن الحديث ثابت، ولكن نريد أن نفهم هذا الحديث فى ضوء الألفاظ الواردة فيه أولًا، ثم فى ضوء السياق العام لمسلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى التطبيق لهذا الحديث".
قواعد الحرب
وتوقف المفتى، عند ثلاثة ألفاظ فى هذا الحديث الشريف وهى: "أُمِرْتُ"، "أُقَاتِلَ"، "النَّاسَ"، فعن أول لفظ وهو "أُمِرْتُ" قال فضيلته: "يقصد النبى صلى الله عليه وسلم أنه المخاطب، ولم يأتِ بلفظ أُمرنا، أو أمرتكم حتى لا ينسحب الأمر على الأفراد أو جماعة ما"، وسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم يضع لنا قاعدة مهمة غابت عن هذه المجموعات المتطرفة وهى أن أمر الحرب، وهو شأن من شئون الدولة بلا ريب، ليس بيد أحد أيًّا كان، وإنما هو بيد الإمام أو الخليفة أو بيد الدولة فى معناها المعاصر؛ فأمر الحرب مُسند فقط لولاة الأمر وليس لأى فئة أو جماعة أخرى أيًّا كانت، وهو أمر واضح فى مسيرة الفقه الإسلامى والمسيرة الاجتهادية على مر الزمان؛ فقد اتفق الفقهاء على أن الجهاد لا يكون إلا تحت راية.
وعن لفظ أقاتل، أكَّد أن هناك فرقًا بين أقاتل وأقتل الناس، فأقاتل من المقاتلة والمشاركة، وهى المفاعلة التى تحدث بين طرفين، فلا بد من وجود طرفين فى المسألة.
واختتم المفتى حواره محذرًا من الفهم الخاطئ للنصوص كما تعامل المتطرفون مع الأدلة الشرعية، ونتج عنه كل المآسى من تكفيرٍ للناس وللحكام، واستحلال الدماء والأعراض، وكأنهم يتلذذون بهذه المسألة، وفِى المقابل ينعكس ذلك على الإسلام، فهم يعطون صورة سيئة عنه بهذه الأفعال الإجرامية.