
مندوب مصر بالأمم المتحدة
وفيما يلى نص الكلمة:
أود فى البداية أن أتقدم بالشكر إلى كل من السيدة السفيرة الدكتورة سيما بحوث المندوبة الدائمة للأردن لدى الأمم المتحدة فى نيويورك والسيد السفير Kai Sauer المندوب الدائم لفنلندا لدى الأمم المتحدة فى نيويورك على جهودهما فى تيسير عملية المراجعة السادسة للاستراتيجية العالمية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
السيد الرئيس،
قدمت مصر ومجموعة من الدول متشابهة الفكر خلال المفاوضات عددًا من الاقتراحات والحلول الوسط الهادفة إلى التوصل إلى توافق بالجمعية العامة حول المقصود بمصطلح الـ"التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب"، نظرًا لاستمرار الغموض حول استخدامات المصطلح والخلط بينه وبين الإرهاب فى أحيان، وبينه وبين مكافحة التطرف المؤدى إلى الإرهاب فى أحيان أخرى، وذلك فى ضوء عدم وجود تعريف أو فهم دولى لمصطلح "التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب"، على خلاف الحال مثلاً بالنسبة للإرهاب، حيث يوجد تفاهم دولى حول معنى جريمة الإرهاب، على الرغم من عدم وجود تعريف دولى بالأمم المتحدة للإرهاب لأسباب سياسية معروفة.
وقد حاولت مصر والدول متشابهة الفكر، باقتراحاتها حول هذا الموضوع، التأكيد على عدم إمكانية الربط بين ما يسمى بـ"التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب" وأى دين أو جنسية أو إقليم أو ثقافة أو مستوى اجتماعى أو اقتصادى معين، خاصة مع ما تلاحظ من قيام البعض بتوصيف العمل الإجرامى كإرهاب إذا قامت بارتكابه جماعات أو تنظيمات كـ"داعش أو القاعدة" تعتقد أنها تُمثل الإسلام وتتخذ منه مظلة، مع توصيف نفس وذات العمل الإجرامى كتطرف عنيف إذا قام بارتكابه فاعلون من الجماعات الدينية الأخرى أو جماعات اليمين المتطرف، الأمر الذى يعنى ببساطة توصيف نفس العمل الإجرامى بوصفين مختلفين على حسب مرتكبيه، فضلاً عن الربط بين الإرهاب والدين الإسلامى.
ولقد كانت هناك نية حقيقية وخالصة لمصر والدول متشابهة الفكر للتوصل إلى توافق حقيقى غير شكلى حول موضوع "التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب"، وبالقطع هذا التوافق كان سيكون مفيدًا فى توحيد الجمعية العامة على فهم معين لمصطلح التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب، وبالتالى كان سوف يكون مفيدًا للمصلحة العامة ولعمل الأمم المتحدة، خاصة وأن موضوعات تجنب التطرف المؤدى إلى الإرهاب وتجنب الإرهاب تأتى بالفعل على رأس أولوياتنا كوننا دولة تواجه الإرهاب بشكل يومى على الأرض.
إلا أنه مع إصرار البعض على الإبقاء عن عمد على هذا الغموض غير البناء المحيط بمصطلح "التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب"، ورغبة منا فى عدم كسر التوافق حول قرار مراجعة الاستراتيجية، أصبح الحل الوحيد هو الإبقاء على الفقرات الواردة بقرار الجمعية العامة حول المراجعة الخامسة للاستراتيجية ذات الصلة بموضوع "التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب"، مع عدم الموافقة على إضافة أية فقرات جديدة حول "التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب" بقرار الجمعية العامة حول المراجعة السادسة للاستراتيجية.
وبخلاف موضوع "التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب"، تم تضمين القرار فقرات جديدة تتناول أبعادًا هامة ذات صلة بموضوعات المقاتلين الارهابيين الأجانب، وضرورة التصدى للخطاب الإرهابى، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2354، والإطار الدولى الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابى، وعدم توفير الملاذ الآمن للإرهابيين على الإنترنت، وتسليم المجرمين فى قضايا الإرهاب، وتمويل الإرهاب.
كذلك تم الحفاظ والإبقاء على عدد من الفقرات الهامة التى كانت هناك مساعى إلى حذفها أو تعديلها بطريقة تؤدى إلى إفراغها من محتواها، ومن ضمنها تلك التى تتناول المبدأ القانونى الراسخ المتعلق بتسليم المجرمين أو محاكمتهم extradite or prosecute، وضرورة إنهاء الاحتلال الأجنبى، وضرورة بناء قدرات الدول وتقديم المساعدات الفنية لها فى مجال تجنب ومكافحة الإرهاب، وضرورة سرعة الانتهاء من مشروع الاتفاقية الشاملة لمكافحة الإرهاب، ودور المجتمع المدنى فى تجنب ومكافحة الإرهاب.
وأود أن أشير فى هذا الصدد إلى الدور الهام الذى يقوم به كل من الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية فى التصدى لأيديولوجيات وخطاب الإرهاب على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
السيد الرئيس،،
لقد انتهت عملية المراجعة السادسة للاستراتيجية العالمية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ويتعين للاستفادة من قرار الجمعية العامة حول مراجعة الاستراتيجية، مثله مثل قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، التزام الجميع به واحترامه وتنفيذه بشكل كامل وفعال، فبدون هذا التنفيذ الكامل الفعال ستذهب جهودنا هباءً لأن الاتفاق على قواعد وتدابير تجنب ومكافحة الإرهاب هو أمر هام، إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو التنفيذ الكامل لما يتم الاتفاق عليه، وإلا فإن المعادلة سوف تكون دائما غير مُكتملة.
وفى هذا السياق، أود أن أشير إلى نقطتين:
الأولى: وهى أهمية الدور الذى يقوم به كل من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة وغيرهم من أجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة فى مساعدة الدول على بناء قدراتها فى مجال تجنب ومكافحة الإرهاب.
ونؤكد فى هذا الصدد على ضرورة احترام سيادة الدول ومبدأ الملكية الوطنية، وأهمية التركيز على القيام بمشروعات ذات تأثير ملموس على المستوى الوطنى بالدول المختلفة بناء على طلب تلك الدول.
ثانيا: أنه ليس من المعقول أنه فى الوقت الذى يتم فيه اعتماد قرارات أممية هامة حول تجنب ومكافحة الإرهاب، تقوم بعض الأنظمة بانتهاك تلك القرارات علانية عن طريق التحريض على الإرهاب، ودعم وتمويل وتسليح الإرهاب، وإيواء الإرهابيين وتوفير الملاذ الآمن للإرهاب، وهى تعلم مسبقًا أنها لن تكون عرضه للمحاسبة أو المساءلة، ولابد إذا كنا جادين فى مساعينا لتجنب ومكافحة الإرهاب أن تتم محاسبة كل من يدعم الإرهاب دون استثناء، وبشكل أخص الأنظمة الداعمة للإرهاب.
فى النهاية، أؤكد على أن مصر ستظل فى طليعة الدول التى تعمل على تجنب ومكافحة الإرهاب، وأؤكد كذلك على رغبتنا فى مواصلة التعاون والتنسيق مع الأمم المتحدة ومع كافة الدول الصديقة فى هذا الخصوص.
