
اللواء محمد إبراهيم
وأضاف إبراهيم، فى مقال له، اليوم الخميس، أن الرئيس السيسى كان واضحًا وحاسمًا وأمينًا فى تنبيه دول العالم، خلال خطابه أمام اجتماعات الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى عقدت مؤخرًا فى نيويورك، بأن مصر لن تسمح بالمساس بحقوقها وحصتها التاريخية فى مياه نهر النيل، وأن هذه الحقوق الراسخة هى قضية حياة ووجود.
وأوضح عضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، أن الرئيس أحاط فى الخطاب المجتمع الدولى بأن المفاوضات المتعلقة بسد النهضة الذى تقيمه إثيوبيا على أهم منابع نهر النيل لم تصل إلى أية نتائج، وأنه حان الوقت لوساطة دولية للضغط على أطراف المفاوضات لإبداء مرونة فى مواقفها المتشددة.
ونوه إلى أن الرئيس السيسى، يحرص دائمًا على تأكيد التزام مصر بحماية حقوقها المائية فى مياه النيل، وأنها ستتخذ كل الإجراءات على الصعيد السياسى وفى إطار قواعد ومبادئ وأسس القانون الدولى فى هذا الشأن، مع الإشارة إلى أن نهر النيل سيظل الرابط الجغرافى والتاريخى بين دول المنبع ودول المصب.
وأشار إلى أن كل المواقف التى أعلن عنها الرئيس تجاه هذه القضية تركز على القانون الدولى والتحرك السياسى من أجل الحفاظ على الأمن القومى المصرى المائى، وهو ما يؤكد أن القيادة السياسية المصرية تنتهج فى سياستها الخارجية مبدأ حسن الجوار والتعاون المشترك والبحث عن المصالح المشتركة، وهو ما يتسق مع حرص الرئيس السيسى، منذ توليه رئاسة الاتحاد الإفريقى، على حل الصراعات بين الدول الإفريقية بالطرق السياسية، وأن تتجه القارة بقوة نحو السلام والتنمية.
وقال إن الولايات المتحدة تعاملت بسرعة وإيجابية مع المطالب المصرية بشأن الوساطة الدولية فى مشكلة سد النهضة، حيث أعلن البيت الأبيض، فى تصريح رسمى دعم المفاوضات، وطالب الأطراف بالتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحافظ على حقوقها فى التنمية مع احترام حقوق الطرف الآخر فى المياه.
وأكد أن هذا التصريح الأمريكى متوازن لأنه يعبر عن نفس الموقف الذى لا زالت تلتزم به مصر والمتمثل فى ضرورة تنفيذ المعادلة الواضحة التى تجمع بين المنفعة المشتركة والحقوق المائية.
وأوضح أنه إذا كانت مصر قد منحت المفاوضات وقتًا طويلاً تأكيدًا لحسن نواياها ورغبة منها فى التوصل إلى حل سياسى مرضى للجميع، رغم عدم وصول عملية التفاوض لأية نتائج، فإننا كان لزامًا علينا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة من الجهد والتحرك السياسى المتمثل فى المطالبة بوساطة دولية، ووجود طرف ثالث يطرح حلولاً مقبولة ويمارس دورًا أكثر إيجابية يؤدى فى النهاية إلى إنهاء هذه المشكلة والانتقال بها إلى مرحلة من تقنين المصالح والمنافع المشتركة ، وهو الأمر الذى لا زالت مصر تتبناه وتحرص عليه فى كافة تحركاتها المرتكزة على مبدأ أن مياه النيل مسألة حياة ووجود.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة آلية جديدة للتفاوض فى إطار الوساطة الدولية، قائلاً: "علينا أن نفسح لهذه الآلية المجال بكل مصداقية وثقة وشفافية وانفتاح وروح إيجابية، وهو أمر مطلوب من كافة الأطراف، ولا سيما الجانب الإثيوبى، حتى يتم الانتهاء من هذه المشكلة، ليكون حلها نموذجًا إفريقيًا ناجحًا للتعاون المثمر بين مصر وإثيوبيا، ويحقق مصالحهما المشتركة ولا يجور على حقوق أى منهما".
وتناول اللواء محمد ابراهيم، ملابسات قضية المفاوضات حول سد النهضة بشئ من التوضيح، حيث قال: "إنه من المؤكد أن الحديث حول سد النهضة يحظى بقدر كبير من الأهمية خلال المرحلة القادمة فى ضوء التعثر الواضح فى المفاوضات، ووصولها إلى طريق مسدود بعد أكثر من خمس سنوات من التفاوض المباشر مع إثيوبيا والسودان، وعدم توصل اللجان المختلفة التى تم تشكيلها على مدار الفترة الماضية إلى أية نتائج إيجابية، الأمر الذى دفع بمصر إلى الاعتراف علنًا بعدم جدوى عملية التفاوض حتى الآن مع أهمية البحث عن بدائل جديدة".
وأضاف: "هناك ثلاثة محددات رئيسية من الضرورى الإشارة إليها قبل الخوض فى أبعاد مسألة المفاوضات ومشاكلها والمسارات المتاحة للتحرك".
المحدد الأول: أن قضية سد النهضة تمثل قضية أمن قومى مصرى، وبالتالى فإن تحرك الدولة المصرية فى هذا المجال يعد تحركًا على قدر كبير من الأهمية، ويعتمد على خطوات محسوبة وإجراءات مدروسة، ومن ثم لا مجال هنا لقرارات انفعالية أو تحركات غير مطلوبة، وهو الأمر الذى تحرص معه القيادة السياسية، بصورة لا تقبل الشك، على أن يكون تحركها مرتبطًا بإطار موضوعى وفى إطار المواثيق الدولية.
المحدد الثانى: أن قضية سد النهضة بكل مكوناتها ومراحلها أصبحت أمرًا واقعًا، ومن ثم فلا مجال أمامنا سوى التعامل معها من هذا المنطلق من أجل الوصول إلى حلول منطقية مقبولة تحافظ على أمننا المائى، لا سيما أن نهر النيل يمد مصر بحوالى 95% من مصادرها المائية.
المحدد الثالث: أن مصر لم تعترض على قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة أو أية سدود من شأنها المساهمة فى دعم التنمية الاقتصادية الإثيوبية، ولكن بشرط ألا يؤدى ذلك إلى الإضرار بحصة مصر المائية التى كفلتها لنا القوانين الدولية المتعلقة باستخدام وإدارة الأنهار الدولية والاتفاقيات السابقة التى تحاول إثيوبيا تجاهلها وعدم الاعتراف بها.
وقال إن مصر أبدت العديد من التحفظات على المعايير التى أعلنتها إثيوبيا لبناء السد، ودون الدخول فى تفصيلات فنية وإجرائية، نشير إلى أن أهم هذه التحفظات كان ضرورة إعادة النظر فى مسألة قواعد ملء وتشغيل السد، حيث تطالب مصر بأن تطول فترة الملء حتى سبع سنوات بدلاً من ثلاث أو أربع سنوات، كما تطالب إثيوبيا، خصوصًا أنه فى حالة تنفيذ هذا المطلب الإثيوبى سيؤدى ذلك إلى نقص فى المياه المتدفقة إلى مصر سنويًا بحوالى من 9 – 15 مليار متر مكعب، خصوصًا وأن حصة مصر من مياه النيل هى 55 مليار متر مكعب سنويًا، وهذا النقص سيرتب عليه تأثيرات سلبية متتالية على توليد الكهرباء وعلى الزراعة بنسب متفاوتة، وفى نفس الوقت، كانت هناك تحفظات مصرية أيضًا على بعض النواحى الفنية المتعلقة بأمان السد، لكن لم تتعاون إثيوبيا مع المطالب الواردة إليها من لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بهذا الشأن.
وأضاف: "من المهم أن نشير فى هذا المجال إلى أن إثيوبيا قد بدأت بناء السد فى الفترة التى كانت فيها مصر فى حالة سيولة فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبى بوضع حجر الأساس لبناء السد فى أبريل 2011، وبالتالى حرصت مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 على أن تمنح هذا الموضوع أهمية فى أعقاب تعافى الدولة واستعادة قوتها وهيبتها، وبدأت عملية تفاوض مطولة مع الجانب الإثيوبى من أجل التوصل لحل لهذه المشكلة".
وتابع: "بالفعل دخلت مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مفاوضات جادة مع إثيوبيا اعتمدت فيها على موقفها القوى طبقًا للقانون الدولى، وليس ذلك فقط، بل انتهجت مبدأ التفاوض بكل شفافية ومصداقية وثقة وحسن نية، من منطلق أن الهدف النهائى من عملية التفاوض يتمثل فى الوصول إلى حلول مقبولة من الطرفين تحقق المصلحة المشتركة لكليهما، وأسفرت عملية التفاوض عن التوصل إلى إعلان مبادئ تم توقيعه فى الخرطوم فى مارس عام 2015 بين قيادات الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان، كان من المفترض أن يكون بداية جديدة لعهد جديد بين هذه الدول يحقق الرخاء والتنمية ويؤسس لمرحلة من التعاون والتفاهم والتنسيق والمصالح المشتركة، وينهى فى نفس الوقت أية أفكار للصراع أو الخلاف".
واستطرد قائلاً: "فى هذا الشأن لا بد أن نشير إلى مدى أهمية إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، حيث تضمن عشرة مبادئ واضحة تصلح تمامًا لإنهاء هذه المشكلة، وهى مبادئ تتحدث فى معظمها عن المنافع والمصالح المشتركة، والتعاون وحسن الثقة، وتبادل المعلومات ، وتفهم الاحتياجات المائية لدول المصب مصر والسودان، ثم طالب الإعلان فى أحد بنوده إثيوبيا باستكمال تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد، ومن الضرورى أن نشير هنا إلى مبدأ الإلزام فى هذا الإعلان، حيث نصت ديباجة إعلان المبادئ على أن الدول الثلاث ألزمت نفسها بكافة المبادئ العشرة التى تضمنها".
وقال إنه بتوقيع إعلان المبادئ دخلت المشكلة فيما يمكن أن نسميه المرحلة التنفيذية للحل المؤسس على المصالح المشتركة المقبولة من كافة الأطراف، إلا أن الجانب الإثيوبى استمر فى نهجه المتشدد متجاهلاً الالتزامات الواقعة عليه طبقًا لإعلان المبادئ، ولم يبد أية مرونة فى المفاوضات التى تلت عملية توقيع الإعلان حتى وصلنا إلى المرحلة الحالية التى استهلكنا فيها أكثر من أربع سنوات ونصف من مارس 2015 وحتى الآن دون أية نتائج، ولا سيما فيما يتعلق بقواعد تشغيل وملء السد، ومن ثم كان على القيادة السياسية التحرك والبحث عن بدائل جديدة للحفاظ على حقوق مصر المائية.
ولفت إلى أنه فى هذا الإطار حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى، على أن يطرح القضية أمام المجتمع الدولى كله، حيث تضمن خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها 74 فى الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضى، أن المفاوضات المتعلقة بسد النهضة لم تصل إلى أية نتائج، وأن الوقت قد حان لوساطة دولية للضغط على الأطراف لإبداء مرونة فى مواقفها المتشددة، مؤكدًا أن قضية المياه بالنسبة لمصر هى قضية حياة ووجود.
وتابع: "فى الوقت نفسه، حرص الرئيس السيسى، فى تصريحات واضحة وحاسمة منذ أيام قليلة، فى أعقاب فشل اجتماع وزراء الرى فى الدول الثلاث الذى عُقد فى الخرطوم، على تأكيد التزام مصر بكل مؤسساتها بحماية الحقوق المائية لمصر فى مياه النيل والتزامها باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسى وفى إطار محددات القانون الدولى فى هذا الشأن، مع الإشارة إلى أن نهر النيل سيظل الرابط الجغرافى والتاريخى بين الجنوب والشمال".
وقال اللواء محمد ابراهيم، إنه من الملاحظ هنا أن كل المواقف التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، تركز على القانون الدولى والتحرك السياسى من أجل الحفاظ على الأمن القومى المصرى المائى، وهو ما يؤكد أن القيادة السياسية المصرية لا زالت تنتهج فى سياستها الخارجية مبدأ حسن الجوار والتعاون المشترك والبحث عن المصالح المشتركة بعيدًا عن الدخول فى أية صراعات لا طائل من ورائها، ولا يجب أن ننسى أن رئاسة مصر الحالية للاتحاد الإفريقى، كانت نقطة تحول واضحة فى سياسة هذا الاتحاد، حيث حرص الرئيس على أن تشهد فترة رئاسته للمجلس توجهًا واضحًا نحو حل الصراعات بين الدول الإفريقية، وأن تتجه القارة بقوة نحو السلام والتنمية، ومطالبة المجتمع الدولى بدعم هذا التوجه.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة، حرصت على التعامل بسرعة وإيجابية مع المطالب المصرية بشأن الوساطة الدولية فى مشكلة سد النهضة، وأصدر البيت الأبيض تصريحًا واضحًا يدعم المفاوضات ويطالب الأطراف بالتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحافظ على حقوقها فى التنمية، مع احترام حقوق الطرف الآخر فى المياه، مضيفًا: "فى رأيى إن هذا التصريح الأمريكى يعد تصريحًا متوازنًا لأنه يعبر عن نفس الموقف الذى لا زالت تلتزم به مصر والمتمثل فى ضرورة تنفيذ المعادلة الواضحة التى تجمع بين المنفعة المشتركة والحقوق المائية".
واستطرد: "إذا كانت مصر قد منحت المفاوضات وقتًا طويلاً تأكيدًالحسن نواياها ورغبة منها فى التوصل إلى حل سياسى مرضى للجميع رغم عدم وصول عملية التفاوض لأية نتائج، فإننا كان لزامًا علينا أن ننتقل إلى مرحلة جديدة من الجهد والتحرك السياسى المتمثل فى المطالبة بوساطة دولية، وهى فى النهاية عملية تفاوض أيضًا، ولكن مع وجود طرف ثالث يمكن أن يطرح حلولاً جديدة مقبولة، ويمكن له أن يمارس دورًا أكثر إيجابية يؤدى فى النهاية إلى إنهاء هذا المشكلة، والانتقال بها من مرحلة يمكن أن يشوبها الصراع، إلى مرحلة أفضل من تقنين المصالح والمنافع المشتركة، وهو الأمر الذى لا زالت مصر تتبناه وتحرص عليه فى كافة تحركاتها، دون أن نبتعد عن مبدأ أن مياه النيل بالنسبة لنا مسألة حياة ووجود".
واختتم بأنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة آلية جديدة للتفاوض فى إطار الوساطة الدولية، وعلينا أن نفسح لها المجال بكل مصداقية وثقة وشفافية وانفتاح وروح إيجابية، وهو أمر مطلوب من كافة الأطراف، ولا سيما الجانب الإثيوبى، حتى يتم الانتهاء من هذه المشكلة، وليكون حلها نموذجًا إفريقيًا ناجحًا للتعاون المثمر بين مصر وإثيوبيا، ويحقق مصالحهما المشتركة، ولا يجور على حقوق أى منهما.
