حجاج بيت الله الحرام - صورة أرشيفية
وقالت الإفتاء، نصًا: "الإنابة فيالحج والعمرة، مشتقةٌ مِن مادة "نوب"، ونَابَ عنِّي فلانٌ يَنُوبُ نَوْبًا ومَنَابًا؛ أي: قام مقامي، وناب عني في هذا الأمر نيابةً إذا قام مقامك؛ وقد أجمع الفقهاء على أنَّ مَن عليه حَجَّةُ الإسلام وهو قادرٌ على أنْ يحج بنَفْسه، فلا يُجزئه أنْ يحج غيرُه عنه.
وأضافت: "مِن سماحة الشريعة الإسلامية، ومِن باب رَفْع الحرج والمشقة عن المكلفين، فإنَّ المريض - شابًّا كان أو مُسِنًّا - بمرضٍ مزمنٍ لا يُرجَى بُرؤُه، ولا زوالُه، بأن يكون مِن الأمراض التي تَستمر مع صاحبها إلى الموت كضعف عضلة القلب، وهشاشة العظام، ونحو ذلك، وكذلك كبير السن - رجلًا كان أو امرأةً - العاجز عن بذل مجهود الحج، وكذلك المرأة التي لا تَجِدُ مَن يرافقها في الحج تأمن معه على نفسها - إذا وَجَد أيُّ واحدٍ مِن هؤلاء مَن ينوب عنه في أداء الفريضة، فالمختار للفتوى: مشروعية النيابة في أداء الحج عنه؛ لكونه فاقدًا للاستطاعة بنَفْسه لكنه مستطيعٌ بغيره".
وتابعت دار الإفتاء: "يُشترط أن يغلب على الظن استمرار العذر مع صاحبه إلى الموت، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، على تفصيلٍ بينهم في شروط النيابة، وضوابطها، وكونها واجبةً مِن عدمه عند تحقُّق القدرة المالية".
واستطردت: "النيابة في الحج مشروعةٌ، وثابتةٌ بالسُّنَّة المشرفة؛ فعن أبي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ رضي الله عنه أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: "حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ" أخرجه الأئمة: ابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، والترمذي وابن ماجه والنسائي والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وتابعت: "لا فرق في مشروعية النيابة في حج الفريضة بين الرجل والمرأة، فكلٌّ منهما يَنُوبُ عن الآخَر بلا حرج، بل في خصوص جواز نيابة الرجل عن المرأة في الحج وَرَدَ حديثُ عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاقْضِ اللهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه". وهو حديثٌ صريحٌ في مشروعية أن ينوب الرجل عن المرأة في أداء فريضة الحج.
وعلى جواز نيابة الرجل عن المرأة في الحج اتفق الفقهاء مِن غير خلاف، على تفصيلٍ بينهم في شروط النيابة وضوابطها؛ لأن الحجَّ عبادةٌ تَشتمل على البدن والمال، فإذا عجز الإنسان عن الإتيان بها ببدنه، فيجوز له أن يُنيب من هو أهلٌ للقيام بها عنه، إذ الأهليَّة هي التي تجعل المكلف محلًّا صالحًا لوقوع الفِعل منه، مِن غير اشتراطِ المساواةِ بين النائبِ والمحجوجِ عنه في الذكورة والأنوثة، فكَمَا يجوزُ أن ينوبَ الرجلُ عن الرجل، والمرأةُ عن المرأة، كذلك يجوز للرجل أن ينوب عن المرأة، لا سيما إذا كان مِن أهل قرابتها كأبيها أو ابنها أو أخيها.
واختتمت الإفتاء: "بناءً على ذلك: فإنَّ نيابة الرجل عن المرأة في الحج جائزةٌ شرعًا على ما ذهب إليه عامة الفقهاء؛ لأن الحج عبادة تشتمل على البدن والمال، فإذا عجز الإنسان عن الإتيان بها ببدنه، فيجوز له أن يُنيب مَن يقوم بها عنه، من غير اشتراط المساواة بين النائب والمحجوج عنه في الذكورة والأنوثة".