محمد عبدالحافظ
وسيبقى التفاؤل، والتعلم من التجارب السابقة، وتجاوز العقبات ــ سواء التى وقعنا نحن فيها أو عرقلت غيرنا ــ ما يميز البشر عن كل أحياء الكون من حيوان ونبات، أو أى كائنات أخرى لا نراها أو تؤثر فينا ــ أقصد الجن ــ وتعيش معنا، فلقد فضلنا الله على كل الكائنات ﴿ولقد كرّمنا بنى آدم﴾، وسخر لنا كل ما فى الكون.
أنت قوى، وتستطيع بإيمانك بالله، وبإيمانك بنفسك، وبرضاك بمشيئة الله، وقناعتك بأن رزقك فى السماء، ورزقك ليس أموالاً فقط، بل يتعدى ذلك بكثير، فالصحة رزق، والذرية الصالحة رزق، والصحبة والود والألفة رزق، وراحة البال رزق، والعمل رزق، وطاعة الله رزق، والهداية رزق، والقدرة على جبر الخواطر رزق، والنوم قرير العين رزق، وكلها أرزاق يوزعها الله على من يشاء بغير حساب.
ليس من حقنا ــ ولن نستطيع ــ أن نفتش فى الغيب، أو نتوقعه خيرا أو شرا، ونسير وفق توقعات هى ضرب من الخيال، فلا تتعب نفسك بمجهول وتعامل بما بين يديك، ففى كل الأحوال أنت مخير فيما تعلمه، ومسير فيما لا تعلمه، لا تحاول أن تجرب الهرولة وراء غيبيات، وإذا أغواك شيطانك لتفعل، فاسأل نفسك: هل تعرف متى ستموت، وكيف ستموت، وبعد موتك أين ستدخل: الجنة أم النار؟ إذا كانت لديك إجابة فـ "إجرِى" وراء مجهولك كما شئت، وخاف من بكرة كما شئت، ويأس كما يحلو لك.
أنعم الله علينا بالأحلام والنسيان، ولولاهما لمتنا كمدا، فما نتمناه قد يرزقنا به فى أحلامنا، وما يكدر علينا حياتنا وذكرياتنا الأليمة ننساها بمرور الزمن، وكم من أمنيات ومآسٍ رأيناها فى أحلامنا، ومحاها الزمن.
ما بيدنا إلا أن نعمل، فالعمل هو كلمة سر الحياة، وتذكروا وعد الله: ﴿إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً﴾، إذا فمن يرد الدنيا فليعمل لها، ومن يرد الآخرة فليعمل لها، ومن يرد الاثنين فليعمل لهما، أنت حر، وسيد قرارك، وبيدك أن تجعل أى شيء "قبيح" أو "جميل"، "نافع" أو "ضار"، "حلو" أو "مُر"، "حلال" أو "حرام"، "مبهج" أو "تعيس"، كل شيء تحت أمرك ومتروك لك، اختر من أول ساعة فى السنة الجديدة، ماذا تريد؟
هات ورقة وقلم، واكتب ماذا فعلت فى العام الماضى، من محاسن وسيئات، ومن خير وشر، وما حققته وما لم تستطعه، وخطاياك وحسناتك، وما أدركته وما لم تدركه، واكتب ماذا تريد فى السنة الجديدة، وما هى أدواتك لتحقيق ما تريد، ودرب نفسك على أن تكون قوى الإرادة لتصل لهدفك، فلا يكفى أن يكون لك هدف، وتملك رؤية، ولديك القدرة، وتفتقد الإرادة، فبغيرها يضيع الهدف، وتتبدد القدرة، وتتبخر الرؤية.
لا تفكر فيما لا تستطيع أن تصلحه، فالتركيز فيما بين يديك هو الذى سيجعلنا نعيش فى عالم أفضل، فلا يوجد لدى أحد عصا سحرية تمكنه من إصلاح الكون، وتحقيق كل شيء.
كل واحد منا يملك ما يكمل به ما يملكه غيرنا، ففى نهاية المطاف نحن تروس فى ماكينة الزمن والكون.
لا أحد منا "مثالى"، ولكن من حقنا أن نسعى إلى الأفضل، فكلما زاد عدد "الأفاضل" صرنا مجتمعاً صالحاً.
اللهم اجعل السنة الجديدة، رخاءً، ونماءً، وأماناً، واستقراراً، وأمناً، ووئاماً، وحباً، وتكاتفاً، لنا ولمصرنا.
كل عام وأنتم بخير.