د.حسام فاروق
فالناس أكثر قبولا للمعلومات التى تؤكد معتقداتهم أو تخدمها، ويبحثون فى الأخبار والمعلومات عما يرضيهم أو يتمنونه ومن ثم فهم يصدقون ما يأتى على هواهم، وقد يعمد صناع المحتوى إلى جذب المتلقى عن طريق الصدمة أو طرح احتمالية اللا معقول بشكل ظاهرى فى العناوين فيضطر المتلقى بدافع الفضول أن يلج إلى هذا الخبر أو ذاك ليرضى فضوله.
ثم تأتى المرحلة التالية للفضول، فبعد مطالعة الخبر أو مشاهدة الفيديو على سبيل المثال معظم الناس لا يتحققون من صحّة ما قرأوه أو شاهدوه أو سمعوه، فيُبادرون بنشره على الفور الأمر الذى يؤدى إلى وصوله إلى أكبر عدد من الناس بفضل اتساع رقعة التواصل التى أتاحها توفر الإنترنت ودخولنا عالم الأخبار الرقمية بلا هوادة، والذى صاحبه بلا شك تطور كبير فى صناعة المحتوى الجاذب فى العناوين والمتون، فإطلاق العناوين الجاذبة التى تظهر أمامنا أثناء تصفح مواقع التواصل الاجتماعى تجعلنا ننسحب سريعا للإعجاب والمشاركة بدلاً من التقييم أو حتى القراءة المتأنية.
الشاهد أن الحرب الأكثر ضراوة وشهرة وانتشارا فى زماننا هذا هى حرب المعلومات بمختلف أنواعها وبإمكاننا القول إنها الحرب الناعمة والقاتلة دون نقطة دماء لأنها تستهدف المجتمعات فتفككها وتخربها دونما طلقة رصاص واحدة، والحروب الدعائية واحدة منها تقوم لأهداف سياسية يستخدمها الخصوم السياسيين بالتضليل المتعمد، والخداع المنتشر عبر الإعلام بمختلف وسائله القديم منها والحديث من أجل إلحاق ضرر أو تحقيق مكاسب سياسية، وخلق رأى عام زائف تجاه قضايا بعينها وزيادة الاستقطاب السياسى فى ظل زيادة شعبية وسائل الإعلام الجديده المتمثلة فى مواقع التواصل الاجتماعى.
لو تابعنا ما حدث لمنطقتنا العربية خلال عقد كامل مضى وتحديدا منذ 2011 سنجد أن الحرب الدعائية كانت كلمة السر فى مخطط الفوضى الذى استهدف المنطقة، ففكرة تفتيت المنطقة إلى دويلات وزوال الدول القومية وإشعال فتيل الصراعات الداخلية والاقتتال الداخلى وزرع بذور الفتن الطائفية والعرقية وظهور كيانات إرهابية جديدة من رحم كيانات قديمة، كل هذا تم التمهيد له بدقة ودراسة عبر حرب معلومات قامت على التشكيك ومحاولة زعزعة الثقة بين الشعوب وأنظمتهم السياسية وبين المؤسسات السياسية وبعضها داخل الدولة الواحدة، ولا يخفى على عاقل متدبر كيف أن هذا المخطط أدير من قبل أجهزة استخبارات دولية وأنفق عليه المليارات لإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد بحسب المصالح وتوازانات القوى واستخدم العديد من الشعارات البراقة مثل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وبالطبع تم استغلال العديد من الثغرات وأخطاء الحكومات المتعاقبة وتمت المتاجرة بمعاناة وأوجاع الشعوب والقفز على انتفاضاتهم المشروعة ضد ظلم أو فقر أو قسوة وإيهامهم بأن الخلاص فى الفوضى، ومن ثم مرضت دول ووقعت فى فخ الفوضى وتحتاج إلى سنين طوال حتى تعود من جديد، ونجت الدول التى أيقنت خطورة القادم وكشفت الملعوب فصححت مسار بعض الخطوات وتمسكت بوحدة الدولة القومية وهذا ما حدث مع مصر بالتحديد.
فبعد انتفاضة سرقت فى 2011 من قبل جماعة إرهابية قفزت على تطلعات وآمال شعب عظيم واستهدفت هوية الدولة تم تصحيح المسار بثورة عظيمة فى 30 يونيو 2013، ومضت مصر قدما فى البناء والتنمية فى وقت تلاشت فيه دول من حولنا.
ولو رجعنا لنقطة البداية سنجدها كانت معلومات خاطئة وتوظيف سياسى للإعلام وحروب دعائية وتلاعب بأوجاع ومشاعر الناس واستغلال الثغرات للنفاذ إلى الرأى العام بحجة الصالح العام.
الآن وبعد 7 سنوات تقريبا فى مصر على النجاة من مخطط الفوضى لا تزال كل المحاولات موجودة لإعادة السيناريو من جديد، ولكن بطرق مستحدثة أبرزها الحروب الإعلامية التى تقوم على استهداف السياسات وصناعها، فلو أن لدينا فى مصر مثلا ملفا يشغل الناس والرأى العام وهناك حالة من القلق تجاهه والدولة بمؤسساتها المعنية تقوم بإدارة الملف على طريقتها التى تراها مناسبة والتى قد يكون من ضمنها مثلا عدم كشف كل الأوراق للرأى العام فى هذا التوقيت، وهذا أمر متعارف عليه فى صنع السياسة العامة فهناك ما يقال وما لا يقال.
ستجد من يتسلل إلى الرأى العام فى مصر محاولا نشر القلق والتشكيك فى جهود صانع السياسة وزعزة الثقة بين المواطن والمسؤول بهدف تمرير فكرة الفوضى من جديد تحت ذريعة الصالح العام والخوف على الوطن وتجد هجمة من الأخبار الكاذبة، والملفقة التى لا أساس لها فى الواقع، لكنها تُقدم على أنها دقيقة من الناحية الواقعية، حيث تعتمد على جزء من الحقيقة ثم تبنى قصصا مفبركة لتمريرها من خلال هذا الجزء البسيط من الحقيقة تجعل المتلقى ينجذب إليها بسرعة دونما تدقيق لأنه داخليا يريد سماع خبر فى هذا الاتجاه، ومن ثم فضرورة التحكم فى المشاعر والسيطرة على رد الفعل العاطفى وتنحية الانحيازات أمر مهم فى تلقى الأخبار حيث إن الأخبار المضلِّلة قد تغذى الخوف بين الناس، الأمر الذى قد يدفعهم للتصرّف بطريقة غير حكيمة تزيد الأمور سوءًا.
فى رأيى أننا لا زلنا فى حاجة لتنمية الوعى فيما يخص التعامل مع المعلومات والأخبار عبر وسائل الإعلام المختلفة والمتعددة والمتزايدة فى ظل ثورة تكنولوجية لا تهدأ ولا ترحم ومن ثم اقترح أن تتبنى الدولة عبر أجهزتها المعنية مبادرة توعية المواطن العادى بضرورة التعامل السليم مع الأخبار، على أن يكون ذلك من خلال برنامج يستهدف تطوير المهارات التحليلية والنقدية للمتلقى العادى فهذا النوع من التفكير هو خطّ الدفاع الأول للحول دون الوقوع فريسة للأخبار المضلِّلة.